يثب

نظام الأسد غداة “سكرة الانتصارات”

يمرّ النظام السوري بأسوأ حال منذ بداية أزمته، ومنذ “الانتصارات” التي جيّرتها له ايران و”حزب الله” والميليشيات العراقية. موسكو منشغلة جداً بأوكرانيا. طهران منهمكة بمعالجة الخلل الاستراتيجي الذي أصاب منظومة نفوذها بعد الفشل الذريع لنظام نوري المالكي. وبيروت استطاعت أن تحتوي، ولو موقتاً، الخطر الارهابي ولم تنزلق الى تحويله حرباً بين الجيش اللبناني ومناطق السنّة. أما نظام دمشق نفسه فيرى المعادلة الميدانية تتغيّر شيئاً فشيئاً في غير مصلحته. كان بشار الاسد استهلك عامين أوّلين من الأزمة مخوّفاً العالم من “ارهاب الشعب” حين لم يكن هناك سوى “ارهاب النظام”، وعامين آخرين مستدرجاً العروض لمحاربة الارهاب، ولو متعايشاً بل منسّقاً مع “داعش”، لكنه يجد نفسه الآن وحيداً وجهاً لوجه أمام الارهاب الحقيقي، فقد استفاد منه “داعش” ثم انقلب عليه، والعالم لا يتحدّث إلا عن الارهاب في العراق.
انتهت سكرة “الانتصارات” وهيصة الانتخابات ولم يتغيّر شيء بالنسبة الى النظام. فلا شرعيته تعززت أو تأكّدت. ولا تحسُّن وضعه الميداني يوصله الى أبعد مما بلغه. ولا الأحلام/ الأوهام التي بثّها قبل الانتخابات وبعدها شقّت طريقها الى الواقع. ولا خطاب التنصيب كان خطاباً رئاسياً بل مهاترة ميليشيوية. ولا الدول التي رغبت في تعاون استخباري معه أبدت استعداداً لتغيير مواقفها المعلنة منه. ولا الهدنات المحلّية هنا وهناك نجحت في إنهاء وضعية المواجهة الداخلية، بل ظهر خداعها عندما رفض عودة نازحين هاربين من الموت في عرسال بعدما هربوا من الموت على أيدي “شبّيحته”. ولا اتصالات طهران أفلحت في إقناع بعض المعارضين المحترمين، وحتى “غير المحترمين”، بقبول التعاون معه لتركيب حكومة “وفاقية”… لذلك وجد الاسد نفسه مضطراً إلى إبقاء وائل الحلقي على رأس حكومته.
لا بدّ أن الاسد وأركان نظامه رأوا بأم العين تلك الأشرطة المقززة والوحشية التي وزّعها “داعش” لعشرات من الجنود القتلى الذين عبث الارهابيون بجثثهم ومثّلوا بها أبشع تمثيل. ولا بدّ أن الاسد وأركان نظامه أدركوا أنهم لم يروا شيئاً كهذا إلا نادراً في مجمل حروبهم ضد “الجيش الحر” وأشدّ فصائل المعارضة تطرّفاً، بل لعلهم تذكّروا أن أكثر الأشرطة توحّشاً ولاانسانية كانت تلك التي التقطها “الشبّيحة” خلال اغارتهم على المناطق المسالمة وتنكيلهم بمن يُفترض أنهم سوريون مثلهم. وإزاء ارهاب منفلت كهذا بات النظام والمعارضة معاً في مأزق لم يعد يفيد فيه تصدير الأزمة الى لبنان أو الى أي مكان آخر. ذلك أن تخريب لبنان هو أولاً تخريب على جماعة النظام من سوريين ولبنانيين، واذا كانت ايران لم تتعلّم من تجربتيها البائستين مع الاسد ونوري المالكي فما عليها سوى أن تدفع بـ”حزب الله” أيضاً الى التهلكة ذاتها.

عبد الوهاب بدرخان – النهار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.