يثب

د. كمال اللبواني: المعارضة الورقية

د . كمال اللبواني 

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

في السابق أيام زمان كانت وسيلة الحزب الأساسية هي الجريدة التي تكتب وتنسخ وتوزع سرا ، والوسيلة التحريضية الأهم هي المنشور الذي يوزع على نطاق واسع .. وذلك بالنظر لغياب واحتكار وسائل التواصل بيد السلطة الحاكمة، ومع ثورة الانترنت والتواصل أصبح بامكان الجميع التواصل والكتابة والنشر والتوزيع.. وتحول كل مواطن لحزب  ومنبر… لكن المشكلة هي عدم وجود قراء.. فبينما كان المنشور يتم تناقل محتواه شفاهة أكثر بكثير منه ورقا ، فقد كان يكفي وصول نسخة واحدة لحي أو قرية لتعلم به القرية كلها عبر وسائل الاشاعة التقليدية التي تنطلق من تنانير الخبز وساحات التواكل.. فيقوم الأمن باعتقال كل من قرأ المنشور…  فإننا اليوم نرى أن ساحة السياسة تتعرض لشيء مختلف تماما  هو أن الجميع ينشر والقلة تقرأ، بل إن مجموعات محددة تقرأ بعضها وتستبدل العالم العام بعالمها الخاص، وتنغمس في توهمات محصورة بحجمها المحدود.. وتتوهم أن الآخرالخاص بها  الذي هو عدد محدود جدا هو كل الآخر الافتراضي، وتندلع الجدالات الحامية التي تفترض قيمة ما لهذا الرأي أو ذاك . لكن الواقع يسير بطريقة مختلفة تماما عما يقال ويناقش.. لأن القول ليس بديلا عن الفعل… وينشأ عالم افتراضي مشوه يقدم نفسه كصورة عن العالم الحقيقي..  فالثورة السورية اليوم على الفيس والنت هي غيرها تماما على الأرض . والمعارضة التي تنطحت لقيادة هذه الثورة (أو التي دفعت لهذا الفعل) تنتمي لعالم الفيس وليس الواقع.. وتحصر اهتمامها بالنشر والتعليق والتصريح والتغريد.. فلا نرى منها سوى البيانات.. بعد أن اصابها اسهال البيانات.. عندما أكملت انفصالها عن الواقع…

 وكذلك كل من يقيم ما يجري في الواقع عبر صورته في النت . يصاب بتشوه معرفي هائل وكبير. وهو ما يصيب أكثر الخبراء الذي يدرسون الظواهر عن بعد وعبر وسائل التواصل..   والمصيبة أن القرار الدولي يعتمد على الفيس أيضا، والارهابيين يستخدمونه بذات الطريقة ، ويهتمون بالفيلم والصورة، وكذا التحالف الدولي الذي ينشر الصور للغارات الذكية..  لكن الذين يموتون على الأرض لا أحد يراهم والشعب السوري المعذب في الحصار والمخيمات لا أحد يهتم به… فهو لا يأكل الشعارات ولا التصريحات ولا اليو تيوب … وبين تفاهة  المعارضة وجنون الارهابيين، وفزلكة التحالف تضيع المجتمعات والبشر، وتبقى الشعارات والكلمات… قارنوا جنازة الشهيد، وما يكتب عنه على الفيس.. بين معاناة أهله وأيتامه، ومزاودات الناشطين وتسلقهم على دمائه…  لذلك أدعوا كل ناشط ثوري فيس بوكي قبل أن يكتب أن يزور مخيما أو منطقة محاصرة أو سرير جريح… عندها ستشاهدون سوريا الحقيقية التي تصرخ وتئن ولكنها غير موجودة في وعي واعلام الحداثة التي تلغي الانسان بدل أن تعبر عنه… وغير موجودة في اهتمام ووعي المعارضة أو داعميهم.

هل صحيح ما سمعناه عن تلقي وفد الإتلاف الذي زار أحد دول الخليج مؤخرا مبلغ ١٠٠ ألف دولار لكل عضو في الوفد كمصروف جيبة.. والذي كان عدده ١٢… الوفد مكون من الهيئة القيادية وبعض أعضاء الهيئة السياسية.. ولماذا لا نضم  الائتلاف كله للوفد. بل الشعب السوري للحصول على مصروف الجيبة.. هذا.

وهل صحيح أن المال الخليجي يسعى لتوحيد المعارضة المعتدلة عبر توزيع الهبات السخية على أمراء الحرب فيها بيد وسيطهم المعروف… وأنهم غدا سيخرجون ببيان موحد ليتلقوا الدعم من الدول المتحالفة، ويبددوه  ويسرقوه كما سبق لهم أن فعلوا…

 متى نستبدل المعارضة الورقية الانتهازية بجسد سياسي عسكري حقيقي  مرتبط بالواقع ويعيش فيه ويقاسمه رغيف الخبز وألم الجراح…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.