لماذا لا يريد السنة محاربة الإرهاب ؟

د. كمال اللبواني

في حوارات موسكو التي تجري حاليا استشهد عضو في هيئة التنسيق بكلامي الذي دأبت على تكراره على الفضائيات منذ ثلاث سنوات ( إن الإصرار على هزيمة السنة وقتلهم وتهجيرهم وتحويلهم لأقلية سياسية وطائفية في بلاد الشام  هو بمثابة دعوة لمليار سني للجهاد تحت أيديولوجيا مفرطة في التعصب والتطرف ، كما أن استخدام المعايير المزدوجة والاستهتار بكرامة المسلمين والتغاضي عن المجازر التي ترتكب بحقهم سوف يحرض أيديولوجيا احياء روح الأمة ويجدد سعيها لاستعادة مجدها وشكلها التاريخي … وإذا لم يسقط الأسد واستمر الصراع على ما هو عليه فإن الدولة الإسلامية قادمة لا محالة شاء من شاء وأبى من أبى ) ليدل به أننا معارضة ارهابية بينما هم معارضة وطنية .

أنا أفهم أنه هناك من لديه الخوف الهستيري من الجهاديين الإسلاميين ، ويرغب في التحالف حتى مع الشيطان لهزيمة عدوه المرعب فعلا ( الإرهاب السني ) ، وأفهم في مقابل ذلك أن السنة لا يريدون محاربة هذا (الوحش الذي يتقدم صفوفهم ) لأن عدوهم الأساس هو النظام ،ويرغبون في حشد كل القوى لمواجهته في معركة وجود فرضتها عليهم حرب إبادة وتهجير والغاء لكامل الوجود السني في المنطقة بمشاركة ايرانية كاملة.

إذا في واقع الحال ومن حيث النتيجة هناك شعور باطني جمعي استقطابي متناقض بين السنة وبين الأقليات والدول الغربية الداعمة لها ، الأول يرى عدوه وقاتله هو النظام وبالتالي لا يجد مشكلة كبيرة باحتضان وحش الارهاب في مواجهته ، والثاني يرى في هذا الارهاب عدوه الأساس ويشعر بسكاكينه تمر على عنقه ، وبالتالي يقدم الدعم لهذا النظام بحالة هيستيرية … وأنا شخصيا ما أزال قادرا على النأي بالنفس عن هذا الاستقطاب ، محافظا على قدرتي العقلية على المحاكمة المنطقية الموضوعية على الأقل في ما أنشره كشهادة مسؤول عنها أمام الحق الديان .

لأنه عادة ما ينسى المنتمي لجماعة معنوية افتراضية عصبية منغلقة شكلتها الأزمة والأحداث الرهيبة كل ذاتيته وخصوصيته، ويندمج في طقس جماعي عاطفي اسطوري يجعله ميالا للذوبان بها  لدرجة التعصب الأعمى ، أو لدرجة التضحية بنفسه مقابل بقاءه شهيدا يرزق في روح الجماعة التي أصبح يعيش فيها ومن خلالها ، ولا أتصور أن هناك من يسلك سلوكا عنيفا بهذه الطريقة على ذاته وغيره من دون هذا الاندماج الملحمي بين الأنا الفردية و الأنا الجمعية المؤسطرة ، ويعزز هذا ويقويه لدرجة كبيرة اقحام الدين والمقدس و الاعتقاد في الحياة الآخرة ضمن منظومة التلاحم هذه ، لذلك  فالجهاد السني المتشدد يمتلك كل مقومات القوة  في هذه المجابهة ( وهذا هو العامل الأساس الذي عدل الميزان وحقق التوازن بين شعب أعزل  وبين جيوش و عتاد وسلاح النظام وايران) ، لأن دافع الخوف الذي يحرك الطرف الثاني ( تحالف الأقليات والغرب )  يجعلهم يتدافعون ، بل يدفع أحدهم بالآخر للمعركة ، بينما الدافع الإيماني الذاتي يجعل المجاهدين السنة يتسابقون للهجوم وللتضحية بصمت وهدوء نفس وثبات وجرأة منقطعة النظير وبأبسط الأسلحة… أما جرائم النظام الرهيبة فقد بررت عندهم القسوة في ردة الفعل، بل التصرفات الوحشية التي تمارس أحيانا بدم بارد وكأنها عمل نبيل يجري التباهي به … خاصة وأن الإسلام يفرض واجب الدفاع ويبيح استعمال القوة والبطش في مواجهة الجريمة، والرد على العدوان  بالعدوان .

{لشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ۚ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ }

{وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ }

{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ}

فالشعور الجمعي الهيستيري الأسطوري يشكل انتماء جمعيا افتراضيا طارئا أشبه بروح جمعية موحدة مذخمة بالمشاعر والعاطفة والحدس الحسي والتعصب الأعمى ، وليست محكومة بالعقل والمصالح الواقعية.

ولإخراج الصراع الدائر في المشرق العربي  من حيز الصراع العاطفي الأسطوري الجمعي  لحيز البحث الواعي عن المصالح التي تفضي منطقيا للخروج من حالة الحرب ، ولإخراج الوعي بالذات من حيز الانتماء الباطني الحدسي العاطفي الشمولي الجمعي المؤسطر لحيز الانتماء الحر النقدي العقلي القادر على انتاج برامج تحق الحل السياسي بدل الحشد العسكري والتجييش العاطفي .. لا بد من توضيح المسائل  التالية :

أولا – جهاد أم ارهاب ؟

هناك فارق بين الجهاد والارهاب ، وبين التشدد الجهادي وبين ممارسة الارهاب ، وهناك فارق كبير بين جهادي يدافع عن آهله وبيته أو جاء بدافع الواجب الديني لنصرة غيره ، وبين جهادي عابث معقد نفسيا وجد فرصة لتنفيس عقده في مسرح فارغ من أي سلطة يستطيع فعل ما يشاء فوق خشبته، ومنهم من يعتنق الاسلام شكلا كشرط وبطاقة دخول لمسرح الصراع الدائر . وهو لا يهتم لا بمساعدة الناس ولا بحرب النظام ، بل يهتم بالرسائل الاعلامية الترهيبية التي يرسلها لمجتمعاته التي تعقدت حياته فيها … ويهتم بممارسة التسلط وتنفيس نزوات النفس في الشعب الفقير المغلوب على أمره الذي وقع تحت أمرته باسم الخلافة والدولة الاسلامية… أي كل من هب ودب جاء من حدب وصوب ليستغل فرصة وجود هذه الساحة المسرحية ( الملعب ) لممارسة نزواته كمراهق يلعب، والذي لا علاقة له بقضية الشعب أو بالدين بل يكاد لا يعرفه.

وهناك ضرورة للتفريق أيضا بين من يحمل أيديولوجيا جهاد عالمي يريد محاربة العالم والانتقام منه ، أو نشر العقيدة بالسلاح والترهيب ، وبين من يريد الدفاع عن نفسه ويرغب بالعودة لحياته الطبيعية بعد هزيمة الوحش الذي يتهدده، لكنه أراد أن يقاتل تحت راية تضمن له شرف الشهادة والفوز بجنة الخلد … ولا يمكن تصنيف جماعة الاخوان خارج أيديولوجيا الجهاد العالمي ذاتها ، لكنها بنظر الجهاديين لا تستخدم الوسيلة الناجعة لتحقيق ذلك، فهي تستخدم الدين لكسب السلطة ديمقراطيا ، ثم يفترض أن تستخدم السلطة لنشر الدين بعد أن تحولها لسلطة مستبدة شمولية ، ( أوقفت حركة الإخوان في مصر والجزائر وتونس عند هذه المرحلة ومنعت من متابعة مسارها بقرار دولي ) بينما الجهاديون الجدد الذين يتوقعون ذلك لا ينتظروا الوصول للسلطة بل يقيمون سلطتهم حيث تمكنوا ويحاربون منذ البداية.

ثانيا- سلمية أم مسلحة؟

منذ اندلاع الثورة الديمقراطية سلميا رد عليها النظام بالرصاص الحي والاعتقال والتعذيب الجماعي ، ولم تنفع هتافات (سلمية سلمية ) ولا الصدور العارية ، ولا لبس الأكفان ، بل أمعن النظام بالقمع والقتل ( بدكم حرية !! ) مما دفع الناس للانتقام والتخريب ثم لحمل السلاح لمواجهة حرب شاملة شنها النظام على الشعب … ولأن الأمل في العدالة والقصاص من المجرمين الذين أصدروا الأوامر مفقود، انطلق الانتقام والثأر وتطبيق شريعة الصحراء العين بالعين والقصف بالقصف والخطف بالخطف والارهاب بالإرهاب  ، فاستمرار الجريمة وغياب العدالة هو من برر وحشية الانتقام والثأر …

وكما أن الوصول للديمقراطية والدولة المدنية وحكم القانون والنزاهة والعدالة لا يمكن تحقيقه بالعنف والمنظمات المتطرفة … كذلك أيضا لا يمكن مواجهة هجوم عسكري طائفي مجرم بالاعتصامات والبيانات … لقد تحولت الدولة بمؤسساتها لأداة قمع وقتل  بيد عصابة اجرام طائفي استعملت كل صنوف الأسلحة وكل أنواع القمع لسحق الأغلبية السنية وبشكل غير مسبوق . وسكت العالم عن سلوك النظام أملا في قدرته على سحق الثورة ، لكن النتيجة كانت أن انهارت الدولة والعقد الوطني والسلم الاجتماعي ونشأ التطرف الجهادي المسلح … وهذا لم يكن قرارا ولا خيارا بل تطور طبيعي فرضته ظروف قاهرة.

ثالثا- جهادي ديني أم سياسي ؟

لقد طور الشعب ثورته ووسائل مقاومته وأسلحته وأيديولوجياته وشعاراته تبعا لتغير الظروف التي وضع في مواجهتها ، والمنظر البعيد عن الواقع يجد نفسه يخطئ الشعب لأنه لم يحافظ على شعارات الثورة وسلميتها ، لكن الواقعي يفهم أن الشعب الذي صمد في حرب ضروس مدة أربع سنوات جرب خلالها كل الوسائل وانتخب في النهاية أفضلها … فقد أبدع وطور وجرب وقاتل زمنا طويلا … وفي النهاية  تغير كثيرا… تبخرت شعارات الثورة وظهرت رايات الجهاد الديني ، فالأمل في صلاح المجرم أو ازاحته بجهد دولي تبخر لصالح ضرورة مواجهته ، وهكذا أصبحت الديمقراطية تحت أقدام المجاهدين ( تصريحات زهران ) فالحرية والشفافية والدولة المدنية .. كلها تصبح ضربا من السفاهة والترف عندما ينتهك وبشكل واسع ومنهجي الحق في الحياة والسكن والطعام  وعندما تستخدم أحدث الأسلحة وأكثرها فتكا ويسفح الدم على اسفلت الشوارع وتتناثر الأشلاء … وهذا كله هو من ولد الجهاد الديني والتشدد والتعصب كحاجة وضرورة وليس كخيار ..

لم يتدخل المجتمع الدولي لوقف حمامات الدم التي باشرها النظام مع اندلاع الثورة ، ولم تتحرك الأقليات لكف يد عصابة الإجرام التي تحكم سوريا وتستخدم كل امكانات الدولة العسكرية الأمنية الطابع ، وتعطل كامل النظام الدولي والعدالة الدولية بفيتو دولي روسي صيني ، ثم أجبرت المعارضة الشكلية التي نصبت ممثلا عن الثورة بشعاراتها الأولى على تقديم التنازل إثر التنازل ، وتثبتت ولم تتابع التطورات الميدانية على الأرض ، ولم تواكب التحولات الكبيرة والجوهرية ، فانفصلت ليس فقط جغرافيا بل ذهنيا ومنطقيا عن الواقع، وبالتالي فشلت في كل من القيادة العملية الميدانية  والاعتبارية السياسية، وحتى في الحفاظ على الثوابت السياسية للثورة ذاتها . وتُرك الناس والمقاتلون لمصيرهم وحدهم ، فتلقفهم الفكر الجهادي الزاهد في الدنيا والمنضبط تنظيميا ، والذي استطاع إدارة الموارد القليلة وتحقيق توازن عسكري مع النظام،  قادما من أرضية ثقافية وعقيدية مختلفة تماما لدرجة التناقض … وهكذا أصبحت الغالبية من السنة عمليا ضمن هذا الوعي الجمعي الافتراضي الجهادي الذي بنته الحالة الطارئة ، ولم تعد تحركهم المصالح الخاصة والبرامج السياسية التي أصبحت مجرد حبر على ورق ونشيد يردده سياسيون محنطون في فنادق اسطنبول ، وذابت كل الانتماءات السياسية في مصلحة جماعية واحدة هي تحقيق النصر في معركة البقاء بقيادة الجهاد الاسلامي . وهذه الديناميكية الشعبية الثورية هي التي حافظت على الثورة ومنعت النظام من تحقيق النصر على الشعب ، ومن المعيب فكريا وأخلاقيا أن نقول أن الثورة انحرفت وضاعت ، بل فكرنا المتثبت النظري المنفصل هو الذي تاه وعمي عن الظروف القاهرة التي تجبر شعبا على التحول والتغيير لكي يبقى ويتابع …

كلنا يعلم أن عنصر التوازن الوحيد الذي صمد في وجه جيوش النظام وحلفائه المدججين بالسلاح وبإمكانات دول عظمى هو هذه الروح الجهادية والقدرة على المبادرة والتضحية في لحظات الاقتحام والتي تحسمها الشجاعة والاقدام . وهذا ما فهم جيدا من خلال تجارب المعارك والقتال المرير على مدى السنوات الأربع في سوريا ، لقد كسب المجاهدون المؤمنون (بل المتطرفون في إيمانهم وتدينهم ) كأس السبق في المواجهات وصار من السهل عليهم فرض سلطتهم ونموذجهم على بقية المجموعات المقاتلة الأخرى التي كانت تقاتل باسم القرية أو العشيرة كنماذج انتماء فرضت وجودها بشكل طبيعي وقوي محليا، لكنه غير كاف على مستوى أوسع حيث الحاجة للتعاون والتنسيق بين الجبهات المختلفة والتي احتوتها الأيديولوجيا الدينية الجهادية ، في مقابل ضعف وهشاشة الولاء السياسي والوطني الذي تنطح لقيادته انتهازيون مأجورون يعيشون في الفنادق السياحية ، ولهذا السبب لا نستغرب سهولة تفكيك الولاء السياسي لهؤلاء، وسهولة اندماج ولاءات مقاتليهم في صفوف هذه الجماعات الدينية الطائفية الأيديولوجية ، التي شكلت الوعاء الوحيد الذي يجمع القدرات وينسق الجهود ويحشدها في معركة قاسية مع عدو غاشم لم يترك وسيلة لاستفزازهم إلا وفعلها … من اعتقال وتصفية وخطف وقصف ومحارق واغتصاب وتهجير … فهو الذي يجعل هؤلاء المقاتلين مهددين بالصميم، ويعمم الشعور عندهم بأن حياتهم لم يعد لها قيمة من دون هزيمة عدوهم ، بأي شكل أو وسيلة ممكنة …

انقسم السنة إلى محاصر تحت رحمة النظام يتقي شره بالتظاهر الكاذب ، أو معتزل للمعركة العسكرية لكنه متعاطف ومشجع ضمني للتشدد والارهاب الجهادي، أو هارب  وباحث عن سلامته الشخصية في مكان بعيد ، لكن قسما مهما منهم فرضت عليه حتمية المواجهة أن يشكل الحاضنة الاجتماعية والجسد الحقيقي لهذه الجماعة الجهادية الافتراضية التي تتجاوز الحدود كأيديولوجيا وتجد الأنصار والمتعاطفين والمتبرعين عبر العالم ، بينما تجد في سوريا موطنا وتجسيدا يتجذر في المجتمع ويشكل منه جماعة دينية عسكرية مقاتلة، وهي تشمل الآن ما لا يقل عن 20% من السكان و50% من الأرض، وصارت بحيويتها وامتداداتها توجه رسائل التحدي والترهيب لكل أعدائها، وتستنهض روح ودعم المحيط السني المنتشر في العالم والذي يتجاوز مليار نسمة يشعرون بالخذلان والذل والظلم ويرون في مجموعات الجهاد تعبيرا عن ضميرهم وأحاسيسهم … ومن دون هذا الجمهور الكبير للتطرف أو الارهاب لا يجب أن نتوقع من البعض أن يضحي بنفسه ويقوم بعمليات استشهادية أو انتحارية .

رابعا- نقص في المعرفة أم خبث وعداء ؟

سأل ديبلوماسي غربي ، لماذا لا تتصالحون مع الأسد وتحاربون الارهاب معا …

أجبنا أن الأسد مجرم أكثر من الارهاب ، وسلوكه هو من ولد الإرهاب ،  وأن مشكلتنا معه لم تعد سياسية ، بل صارت جنائية ، ولا يجوز أن يكون خيارنا هو بين مجرم ومجرم ، بل لابد من خيار ثالث من دونهما …

قال أين هذا الخيار ؟

قلنا ملايين السوريين في المخيمات أو تحت الحصار  أو متفرجين أو في المهجر … المعركة اليوم ليست من أجل أهدافهم هم  ووسائلها تختلف عن وسائلهم وامكاناتهم… وبالتالي لم تؤمن لهم ساحة ولا منطقة آمنة ولم يقدم الدعم لفرض تواجدهم السياسي العسكري على الأرض، وبالتالي عليهم أن ينتظروا الحرب حتى تضع أوزارها ، لكنهم (في غياب خيارهم هم)  يعتبرون بغالبيتهم أن المجاهدين في الخندق الصحيح بغض النظر عن لون العلم الذي يقاتلون تحته ، فالمسألة ليست في الرموز والشعارات بل في موقع الجبهات وخندق القتال وجهة البندقية ، لذلك فإن معظم أنصار هذا الخيار لا يمكنهم أن يفكروا في الحرب على الارهاب قبل أن يضمنوا سقوط النظام ، فهم لو استطاعوا دخول الحرب لحاربوا النظام … وطالما أن المتشددين هم من يقاتل النظام الذي هجرهم ودمر حياتهم فهم لن يحاربوهم ، لكن بعد أن تحسم تلك الحرب عندها سيعالجون مخلفات الحرب وما أكثرها . ومع ذلك وقبل ضمان سقوط النظام لن يسمحوا باستعادة الاستقرار فهم لم يعد لديهم ما يخسروه .  وعدم الأخذ بعين الاعتبار لمطالبهم هو من يجعل منهم حاضنة مغذية للتطرف والتشدد والارهاب .

قال الديبلوماسي حاربوا الارهاب وسيأتيكم الدعم حتى من الصين …

قلنا هل نحارب في صف عدونا … لنحارب معا الأسد وداعش على السواء هذه شروط الشراكة…

قال لا  فقط الارهاب ، إضعاف الأسد في هذه المرحلة سيوسع قوة الارهابيين وسلاحه سيقع في يدهم فأنتم لا تريدون محاربتهم وتسلموا مناطقكم لهم بسهولة بالغة …

قلنا نحن أيضا نشك في أنكم تبحثون عن طريقة لإبقاء الأسد … لذلك قبل ضمان زوال الأسد لن نستطيع المشاركة في الحرب لكي يقوى علينا وتحتلنا المليشيات الشيعية … وطالما أننا سنبقى عبيدا عندهم فلن نحارب غيرهم . فإذا حاربنا فسنحارب عدونا وليس عدو غيرنا .. إلا إذا تحالف معنا فنعتبر أن عدوه عدونا لأن عدونا قد أصبح عدوه … أليست هذه صفقة عادلة ؟؟؟؟

خامسا –  إرهاب أم كرامة وحرية:

وهكذا تجد أنه من العسير اقناع الغرب بإسقاط الأسد أولا ، أو بالحرب على الطرفين معا إما لعدم ثقتهم بنا لكوننا لم نبلور خيارا ثالثا واضح ومنظم ( وهذا الفشل حدث بسبب قيادة المعارضة السياحية ) ، أو لعدم ثقتنا بهم وظننا أنهم لا يريدون لنا الحرية ، وهذا أقرب للقبول عند الحاضنة السنية اعتمادا على تجارب التاريخ ، لكن من دون النظر للتغيرات التي تحدث عميقا في بنية وسياسات الغرب التي يمكننا المساهمة والافادة منها … لذلك قلنا اذهب أنت وتحالفك وحاربوا الارهاب إنا ها هنا قاعدون … عندما تهاجمون الأسد سترونا نكافح الإرهاب تلقائيا ونخرجه من ديارنا لأنه سوف يمنع حريتنا .

( لاحظوا هنا ردة فعل الشعب الأردني على مشاركة الأردن في التحالف الدولي ، وكيف أجبروا الحكومة على الانسحاب بعد أول حادث ، فلو كان التحالف يقصف الأسد أيضا ولا يعمل بمعايير مزدوجة تستفز السنة ، أو لو كان قرار الحكومة متناغم مع ارادة الحاضنة لتحملت ألوف الشهداء … بالمقارنة هناك المئات من المتطوعين الأردنيين يقاتلون إلى صفوف الثورة عن قناعة وإيمان ويسقط منهم عشرات الشهداء وتقام لهم مراسم العزاء كأبطال )

هكذا يصعب كثيرا إقناع الحاضنة السنية بالتخلي عن هذا الخيار التشددي أو الحرب عليه ، بل إن مجرد احتمال انتصار الأسد سوف يدفع بالمزيد منهم للتطرف والارهاب ، ومن دون ايجاد خيار حقيقي وعملي وملموس على الأرض يحقق للسنة أمنها وكرامتها وحريتها ، ويقيم العدالة ويحاسب من اعتدى عليها ، ويخرج الاحتلال النازي الصفوي من البلاد، لا أمل في تخليها عن احتضان الارهاب والتطرف … وهذا الخيار الثالث هو الوحيد القادر تدريجيا على سحب الأرض من تحت المنظمات الجهادية ، وبالتالي الوصول لتفكيكها  كمنظمات ، والتي قد تنتهي كمنظمة لكنها  تستمر كفكرة وأيديولوجيا تشبه البذرة التي تنتظر أرضا جديدة مناسبة للإنتاش من جديد …

لا يتصور أحد أن السنة ستنخرط في الحرب ضد الارهاب لصالح بقاء النظام ، أو بمشاركته ، لأن الواقعي هو العكس تماما … وبالتالي سوف تكون الحرب الدولية على الإرهاب حربا على الحاضنة المجتمعية التي تنتشر في سوريا وغيرها وفي كل العالم الإسلامي الذي سيفهم هذه الحرب كعدوان فعلي عليه ، وانتصار للمجرم الذي يصبح أداة العدو الدولي ( وهذه بالضبط وجهة نظر الارهابيين ) ، وهذا ما سيقوي هذه الأيديولوجيا ويعززها ويوسع مجالها ومدى ونطاق عملياتها ورسائلها الترهيبية … والحل دوما كما هو في كل المسائل المعقدة يكمن في الأخلاق … فاعتماد معايير أخلاقية واحدة في التعامل مع الجميع هو الوحيد القادر على لجم الوحشية …

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت   فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

أخيرا :  

العاقل سياسيا يدرك أن العالم كله مستعد للمساعدة في القضاء على التطرف ، لكنه لم يكن وغير مستعد للمساعدة في القضاء على النظام المجرم واسقاط المشروع الصفوي النازي العسكري التدميري الذي لا يحمل أي عنصر حضاري أخلاقي مقنع للآخرين.  وهذا المنطق البسيط هو ما يعمل به التركي الذكي الأخلاقي بمقابل حماقة الدول والنظم العربية . فأقل ما يجب أن يقال للغرب ( لا هذا ولا ذاك ).  ومن دون هذا الحد الأدنى لن تجد السنة معنيين في محاربة الارهاب … الذي يتجه ليكون هو الواجهة السياسية التنظيمية لشعوبهم المتذمرة من حكامها …

أي حماقة  سياسية يرتكبها الغرب وأي انحطاط أخلاقي وعقم عقلي أصابه، لكي لا يتعلم الحق والعدل إلا تحت ضربات الإرهاب الذي يشكل بكل أسف صوت المظلومين والمشردين الوحيد القادر على دخول مسامعهم .

التاريخ لا يكتبه الناس إلا ظاهرا ( وكل افعالهم خاضعة للمشيئة )  فالقدر هو من يرسم التاريخ ويكتب فصوله … وحكمة هذا القدر الدائمة ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) وعندما يتعلم الغرب الأخلاق ويعملوا بها سيزول الارهاب بقدرة قادر ...  يكفي قرار عادل وواضح من مجلس الأمن للقضاء على العنف والارهاب في سوريا … لكن في غيابه ستلاحق لعنة الدم السوري الطاهر الذي يسفك ظلما كل من كان سببه … بطرق وأشكال عدة ليس الارهاب إلا واحدا منها … فاتقوا دعوة المظلوم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.