يثب

التحليل البنيوي للإخوان المسلمين

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

قلنا في مقال سابق أن فكر الإخوان المسلمين الحاليين هم حصيلة المزج بين الدين والعقل العلمي الرياضي ، و نتيجة قراءة هذا الدين بذلك العقل ، واليوم نشرح كيف أن تنظيمهم أيضا بنيويا يجمع بين نظامين قديم ديني وحديث علماني رغم اختلافهما الجذري :

الأول : جماعة بيعة وإمامة دينية ( إخوان من أطاع الله ) الحركة العسكرية الدينية التي نشأت من الوهابية المتشددة واستعان بها آل سعود لبناء مملكتهم ثم اختلفوا معها ، و التي انتشرت في الدول العربية والاسلامية وهو التيار الذي أنتج مع الزمن التحرير والسلفية الجهادية والقاعدة وداعش والنصرة وووو   ..

والثاني : تنظيم ماسوني الأسلوب ( أخوية سرية ) لهم طقوسهم ونظامهم واقتصادهم وأسرارهم وعقوباتهم الصارمة …

لذلك هم تنظيم حديث – قديم ، ديني – علماني ، سياسي دنيوي وديني … وهم يختلفون عن كل شيء ويفتقدون للروح البنيوية والهوية الداخلية التي تميز أي تنظيم …

ولهم تظهارات سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية ودينية عديدة ومتنوعة … فهم إمامة وأمارة دينية ذات تنظيم ماسوني سري علماني حديث ، ويدير مؤسسات وجمعيات وشركات وسلطات في أكثر من مكان ودولة .

يقولون أنهم حزب سياسي ( والحزب عادة مكون من برنامج سياسي يخدم آيديولوجيا سياسية معينة ينضم اليه من يريد تحقيق ذات الأهداف ويخضع لقانون الأحزاب السياسية من حيث العمل والتمويل والنظام الداخلي ) وهذا ما يتهربون منه دائما .

ويقولون أنهم جماعة دعوة ( أي دعاة يحملون الدين ويسيرون به بين الناس كمعلمين ومهذبين وناصحين وقدوة ) وهم أقل الناس عملا في مجال الدعوة ، وجل عملهم في السياسة والتنظيم والحكم والتحكم والادارة والمؤسسات العسكرية والاقتصادية … ولهذه النشاطات مصالح واشتراطات تتناقض مع مبدأ الدعوة لله المنزهة عن المصالح واكراهاتها.

وفي الواقع هم أخوية تنظيمية متماسكة متشابكة المصالح ومتبادلة المنافع والنفوذ ، لها قيادة وتنظيم ومؤسسات تخدم أغراض الدين شكلا والدنيا مضمونا ( عصبة منضبطة تعمل معا ضمن هيكليلية وتراتبية ونظام سلطات وعقوبات وجزاءات وتربطها شبكة مصالح ونسبة تقاسم للثروة والسلطة) ولهم أيضا جناح عسكري علني وغالبا سري ، وجهاز أمن ، وجهاز مالي واستثمارات . ولهم مجلس حل وعقد معين ومنتقى ( محفل ) لا يتبدل كثيرا بشكل دوري ضمن انتخابات من القاعدة للقمة ، فالقاعدة غير محددة وغير واضحة وليست مرتبطة بمجتمع محدد أو طبقة محددة . ولا تعمل كلها بالسياسة أو لخدمة غرض سياسي معين بل متنوعة ومتفرقة ومتضاربة أحيانا … فجماعة الاخوان هم رأس يكون لنفسه جسدا يناسبه ، ويغير جسده حسب تغير الظروف ، وليس جسد ناتج عن حاضنة مجتمعية معينة ينظم نفسه وينتج قيادة ورأس مفوض ومحاسب . أي هو تنظيم نخبوي عصبوي أشبه بدولة تبنى من فوق لتحت وحسب الطلب فقط وتدار من قبل عصبة تربطها علاقات المحسوبية والترهيب ( ماسونية). فحتى لو دمر كامل التجسد التنظيمي ( كما حدث في سوريا ) فجماعة الإخوان تبقى موجودة في أكثر من شكل وتجلي مجتمعي واقتصادي وتعليمي ، طالما بقي الرأس والنظام والشبكة الرابطة .

ليس لهم مرجعية دينية واضحة فهم يتهربون من الالتزام بمذهب أو فقه أو تحديد موقف من المذاهب والمدارس… ليس لهم بنية سياسية واضحة تحدد للحركة بناءها ونظام عملها و أطر ومصادر شرعية قياداتها ونظامها الانتخابي من القاعدة المحددة نحو القمة، ليس لهم نظام داخلي واضح ولا حتى قيادات معلنة كاملة وشفافة ومسؤولة وخاضعة للمحاسبة …

إذا قلنا أنتم حزب سياسي يقولون لا نحن جماعة دعوة أصلا ، إذا قلنا أنتم عصبة منغلقة يقولون لا نحن حزب سياسي مفتوح للانتساب ، إذا قلنا لهم أنتم دولة ضمن الدولة وخارج الدول وتروست احتكاري ومشروع استبداد وابتلاع للدولة بل للدول ، وأداة لتسخير المجتمعات لمآرب أشخاص … يقولون نحن مجرد حزب ضعيف نلتزم المعايير الديمقراطية ونؤمن بمشاركة الغير …

إنهم دولة كاملة لكن من دون شعب … وفوق الشعوب… شديدة الشبه بالحركة الصهيونية التي نشأت في المجتمعات اليهودية المتفرقة في العالم ، ثم خلقت لهم دولتها وجلبتهم اليها …

الاخوان هم أمارة اسلامية ماسونية، وأخطبوط عالمي كبير وعصبة نخبوية متلاحمة ومتضامنة ومتمايزة المصالح ومنفصلة عن الشعوب ومتمايزة عنها … هم ليسوا كأي عصبة أو جمعية أو مؤسسة مدنية معروفة يمكن اخضاعها للقانون ، وخطورتها من هنا … من هذا المزج والتلاعب والالتفاف على الأسس الناظمة للعلاقات بين الناس والمؤسسات والدول ، ومن انفصالها عن شرعيتها التي تستمد عادة من الشعب ، وخضوع أعضائها بدلا من سلطة الشعب لنظم وقواعد داخلية سرية خاصة بهم تحولهم لدولة مستقلة عن النظام الاجتماعي وخطر داهم على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعروفة الموحدة والمتمايزة ضمن قطاعات محددة ، حيث يميلون دوما للقفز والهيمنة عليها وابتلاعها ، وأخونة الدولة والمجتمع باسم الاسلام والدين … الذي هو وسيلتهم وليس غايتهم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.