يثب

الدعوة والدعاء

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

يعلو في كل مكان صوت الصراخ عاليا من الفقر والخوف والألم والحزن والجوع والبرد والحرمان ، وتكاد مصادر العيش تنقطع عن معظم السوريين الذين لا يكفيهم القتل والبراميل والاعتقال والمرض والصراعات وتحكم المجرمين من عصابات النظام أو معارضي النظام …

وفي المقابل كثيرا ما نقرأ دعوات ومطالبات من هذا وذاك … من هذه المنظمة أو ذلك المجلس ، وكلها تذهب أدراج الرياح … لسبب بسيط أن الجهة التي تطالب أو تدعوا هي جهة هامشية وليس لها سلطة تنفيذية ولا اعتبارية عند الجهات الفاعلة المقصودة… فالدعوة مثلا لوقف العنف والقتال الموجهة للرأي العام الوطني والعالمي نسمعها من الكثيرين … لكن ما قيمتها . إذا كان الرأي العام ليس هو من يقاتل وإذا كانت الجهة المعنية بوقف القتل هي من اتخذت قرارها بشن الحرب على شعبها واخضاعه بالقهر ، ولا مانع عندها من إبادته وتهجيره … وإذا كان الشعب قد اتخذ قراره بالتصدي لها بالسلاح والجهاد وحتى التطرف والارهاب والعصابات المنفلتة.

ومثل هذا الكلام المعسول عن السلم الأهلي واعادة بناء سوريا والخطط التنظيرية لا يشكل سوى أحلام وأوراق لا تصبح واقعا من دون عمل دؤوب … من هو الفاعل المفترض في هذه الدعوات ، من هو الذي سيحول هذه النظريات لوقائع … هنا تكمن جدية وأهمية أي دعوة بواقعيتها من تقصدون بدعوتكم ، ولماذا تتوقعون منه أن يستجيب … فلو دعا النظام مثلا لوقف اطلاق النار …. كان من الممكن أن نفكر بالدعوة وشروطها .. ولو دعا التحالف الدولي لوقف العنف .. أو حتى مجلس الأمن الدولي تحت البند السابع … أما أن تدعو منظمة لحقوق الانسان .. أو يطالب الائتلاف . فهذا يقع في باب النكتة … من يسمع ومن سيستجيب … ومن سيحترم الانسان وحقوق الانسان ، الذي يذبح ويحرق ويقصف ويقتل على مدى أربع سنوات من دون أي ردة فعل جدية … من يسمع من الائتلاف وهو ذاته قد تخلى عن كل مسؤلياته تجاه شعبه وتلهى عنها في فنادق استانبول … وانقطع عنهم بطريقة نهائية وسلمهم لقدرهم ولمنظمات التطرف بل سرق وبذر ما جاءهم من تبرعات .

يمكن لهذه المنظمات أن تستجدي وتناشد لتغطية حالة انسانية ما .. لكن الدول كما تعلمون أصابها التخشب في عواطفها تجاه سوريا خاصة بعد ظهور الارهاب واصراره على ايذاء شعوب بعيدة واستفزازها . وتحول الصراع في سوريا لصراع دولي تستثمر فيه الدول لتحقيق مصالحها . فمن نناشد ومن ينتظر مناشدتنا ، ومن لم ير المذابح وهول ما يجري ؟؟؟ هل القضية في رفع الصوت ، أم أننا نريد أن نقول نحن موجودين … ونطلق بوستات شوفوني ؟؟؟

جديا أمامنا شيئين لا ثالث لهما : الأول هو العمل لكسب الحرب وبعدها من يكسب هذه الحرب يعيد بناء سوريا كما يريد بحسب نظرياته أو غيرها . و الثاني هو الدعاء إلى الله بالنصر والتوفيق ، لأن الله موجود سميع مجيب وله الأمر وهو من ييسر المخارج ويفك الضيق ، وينصر من يشاء ويذل من يشاء … وهذا الدعاء أيضا غير ملزم لله سبحانه ، فلسنا نحن من نطالب الله بل نحن من يتوجه اليه بالدعاء ونلتمس منه وله أن يقبل أو يتجاهل … فالدعاء ليس الدعوة ، نحن نتضرع للدول ونتوسل لها وهي إما عاجزة أو لا تريد وهذا أصح ، وندعوا إلى الله من دون استخدام الوسائل التي تجعله يتقبل دعاءنا ( أي اخلاص النية والمباشرة الجدية بالعمل وتغيير ما في الأنفس )

في سوريا حرب لابد أن تحسم وينتصر طرف … فالنظم والمؤسسات الآيديولوجية العسكرية إما أن تنتصر أو تهزم ، لتتفكك ويبنى غيرها … ومن دون هزيمتها عسكريا لن يكون هناك أي مجال لعودة السلم والحياة للمجتمع … والقفز فوق سنوات من الفظائع طالت الجميع غير ممكن بمبادرة هنا ودعوة هناك … هذا سخف وتضييع للوقت والحق …

كما أن الطرفين المتصارعين لا يمكن لأي طرف منهما حتى إذا انتصر أن يكون مشروعا للسلام والازدهار ، فلو انتصر النظام ومحور ايران فهي كارثة مستمرة على الكثيرين ، ولو انتصرت المعارضة بقواها وآيديولوجياتها الحالية لكانت كارثة أيضا على كثيرين … وبالتالي ليس هناك مشروع للجميع يصطفون خلفه ندعوهم اليه لكي ينسحبوا من جبهات القتال ، بل الكل يقاتل لمحي الآخر وسحقه وليس لتغيير يحدثه فيه … وبالتالي الصراع مرير وعميق ، ولا طريقة لايقافه قبل انهاك الطرفين ، وقبل بروز تيار ثالث يتجاوزهما ، أو تتغير الظروف جذريا عند كلا المتصارعين … والسؤال حول هذا الوضع المعقد كم سيدوم ؟ جوابه وعلمه عند الله ، ولا يمكن لسياسي أو دولة توقعه أو حسابه ، كما لا يمكن حله بشطارة وبهلوانية من سياسي أو ديبلوماسي فذ عبقري أو غبي أخبل مهلوس ومجنون عظمة …

وكل ما نسمع ونقرأ من بيانات أو دعوات هو تعبير عن شلل وعجز أو خبث فيه تغطية على المجرمين والجريمة ، وربما مزاودة وانتهازية ، لذلك فالله لن يستجيب لها لسوء نيتها … فهي بهذا السبب قد اغلقت باب العمل و باب الرجاء وأغلقت أبواب السماء ومنافذ الأرض … فكفوا عنها واتجهوا للعمل المخلص الممزوج بالدعاء الصادق الذي لا يعتبر الذات منزهة عن الخطأ … عندها المعبود والعباد سيتدخلون لمساعدتكم … كم هو جميل أن تخرس هذه الأبواق ويتوقف هذا النعيق . لنسمتع لصوت الرصاص وتكبيرات المجاهدين وأصوات المعاول تحفر قبر هذا النظام المجرم . هكذا قد يتوقف القتل …. وكم جميل أن نسمع من الثوار والمجاهدين والمعارضين دعوات محاسبة الذات ومراجعتها ، واعادة بنائها تبعا للتجربة والخبرة … فهي مراجعات قد تخلق حالة جديدة يمكنها أن تكون مخرجا من هذه الدوامة القاتلة من العنف التي لن نخرج منها من دون تغيير كبير في كل شيء وفي ذواتنا . فبدل أن ندعوا الآخر المبني للمجهول ، علينا العمل على الذات التي هي نحن أولا ونكف عن ممارسة ما يشبه سلوك النظام المجرم بحق أهلنا وبحق بعضنا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.