اتحاد ؟ الديمقراطيين !!
د. كمال اللبواني
منذ سنوات طويلة وأنا أعمل بهدف تأسيس تيار ديمقراطي منسجم مع الثقافة والهوية ، لا يأتي كمنتج مستورد وأداة مضادة للهوية والخصوصية . وحاولت أن أطلق ذلك المشروع في عام 2005 متحديا سلطات القمع داخل سوريا .. ثم و بعد اندلاع الثورة وخروجي من السجن عاودت العمل بجهود مشتركة مع مجموعة رائعة من الرموز الناشطين في الخارج ، أملا في انضاج تيار ديمقراطي وطني واسع .. أسعى في داخله لتأصيل فكرة الحكم الرشيد والحريات ودولة الحق والقانون ضمن الثقافة العربية ومن داخل المنظومة العقيدية والفلسفية الإسلامية ، وليس على نقيضها … لقناعتي التامة أن هكذا افكار لن تستقر الا اذا تحولت لثقافة و تم انتاجها من داخل العقائد السائدة التي تتكون بها مجتمعاتنا .
تقدمنا في خطانا البطيئة والتجريبية واقتربنا من الوصول لحالة من الوحدة المبنية على المؤسسات ، وبدأنا نفكر في نقل نشاطنا للداخل على الأرض ، والبحث عن قواعد مجتمعية حقيقية لهذا الفكر .. لكن جملة مشكلات بنيوية اعترضت طريقنا .. أولها اصرار بعض الديمقراطيين على ربط الديمقراطية بالتخلي عن الدين الاسلامي حصرا …. من وجهة نظرهم( لكي تكون ديمقراطيا يجب أن تكون من الأقليات ، أو شيوعيا ) … وكذلك ربطها عند البعض بمقدار التخلي عن العروبة كهوية ، (فالقومية العربية فقط هي قومية مضادة للديمقراطية )، وكذلك ربطها عند البعض بمقدار التخلي عن الثورة المسلحة ،( فالديمقراطيون سلميون فقط ولا يقاتلون حتى هذا النظام المجرم أو المحتل الغازي )… وعند البعض الديمقراطية هي ترف برجوازي لا تمارس الا بالفنادق والصالونات ، وبتمويل ومباركة الأجانب وكبار الرأسماليين، وعند البعض كل ذلك جميعا، في النتيجة هم من اختطف المشروع وسار به وحيدا مستبعدا البقية ومحولا المؤسسة الوطنية الديمقراطية لدكان مفصلة لخدمة الشخصنة والنخبوية البعيدة جدا عن جماهيرها.. وهكذا بدا أن المطروح علينا هو ديمقراطية تعري وخلع وذوبان والغاء للهوية العربية وللدين الاسلامي ، فهي ديمقراطية مسيحية أو علمانية بالشرط والضرورة، و ديمقراطية تلغي الثورة التي هي مسلحة بالضرورة أيضا . ومع ذلك كنا في صدد مقاومة هذه النزعة، لولا وجود من قهر جهودنا ونشاطنا باستخدامه المال والنفوذ والدعم الغربي المهم والحاسم في كل نشاط سياسي في الخارج ، يجري بعيدا عن القاعدة الشعبية المفترضة والتمويل الذاتي.
ومع ذلك لن أقطع صلاتي بزملائي السابقين في المشروع، بل قررت أن أتابع عملي الذي بدأته، لكن من أرضية وطنية ملتصقة بالعروبة والاسلام ( العروبة كهوية ، والاسلام كثقافة وعقيدة ) ، لأنني مقتنع أن كل صفات الحكم العادل الرشيد، وكل ميزات النظام الديمقراطي، يمكن انتاجها في سياق الهوية العربية والدين الاسلامي الحنيف . ولا يشترط لتطبيقها لا الالحاد ولا العلمنة ولا الاغتراب الثقافي ولا التبعية السياسية و لا التحلل الأخلاقي بل بالعكس، أرى أنه لا ديمقراطية حقيقية على النقيض من السيادة والاستقلال والوطنية والاعتراف بالهوية وبالتمايز والخصوصية وبدور الدين في الحياة الأخلاقية والسياسية للمجتمع ..
وسوف أتابع العمل على المواءمة بين الدين الاسلامي وبين مبادئ الحكم الرشيد الحديثة الديمقراطية، ومن خلال وداخل الثقافة العربية الاسلامية، ومع قوى الثورة وبشكل خاص الاسلامية منها، للوصول لصيغ حديثة متطورة من نظم الحكم، تعبر عن جوهر وأخلاق الاسلام، وتلبي مطالب الناس واحتياجاتهم المعاصرة، وتكون موازية قيميا ووظيفيا لأرقى النظم السياسية التي تدعي الديمقراطية والحداثة .
كما يبدو لي أن الديمقراطية مطلب مؤجل وبعيد المنال هذا اليوم ، فلم يذكر التاريخ أن قفز مجتمع من حرب بهذه الضراوة إلى الديمقراطية، نحن اليوم في حرب وجود وبقاء ضد آلة غزو وتهجير وابادة، ولذلك نحتاج لشعارات أخرى تزيد من قوتنا وصمودنا في مواجهة تآمر دولي هائل يستهدف هويتنا وجودنا التاريخي وحقنا في الحياة على أرضنا. وعندما تضع الحرب أوزارها، وعندما تنهار بنى الاستعمار وأنظمته وقرضاياته القادمين على أحصنة جنيف 2 …أو 3…أو 4 ،يجب أن نكون جاهزين لإعادة بناء اللحمة الاجتماعية التي ننشدها لنا ولغيرنا على السواء ضمن العلاقات التاريخية والانسانية التي تربطنا كسكان لهذه الأرض المباركة.
2013/12/22