يثب

الدولة المدنية والدولة الاسلامية

الدولة المدنية والدولة الاسلامية

اختلاف في المضمون  !  أم تعارض سياسي  ؟

د. كمال اللبواني
  • Kamalهناك أطراف مختلفة تستخدم الأيديولوجيا ليس لمحتواها، بل كأداة شجار وتضارب مع غيرها … فالأطراف مختلفة على ما يبدو ليس بسبب اختلاف القناعات بل بسبب اختلاف المواقع، وهم يصطفون في مواقعهم القتالية الخارجة عن ارادتهم غالبا، ثم يرتدون زيهم الأيديولوجي …ليس بسبب القناعة المسبقة بهذا الزي أو هذه الأيديولوجيا، بل لقناعتهم بهذا الاصطفاف أولا، فالغالبية يرتدون الأيديولوجيا اليوم كقناع أكثر منه  كقناعة … وكأداة رمزية مؤقتة للتعبير عن موقعهم السياسي العسكري الطارئ .. الناس هم أنفسهم لم يتغيروا في جوهرهم وقناعاتهم، بل تغيرت وظائفهم ومواقعهم وأدوارهم وظروفهم بسبب الحرب الدائرة. وهذا ينطبق على كل الأيديولوجيات  داخل المعارضة، و داخل قوى السلطة التي اصطفت رغم خلافاتها وراء الشبيحة وشعاراتهم. لكننا سنكتفي بالتطرق هنا فقط للانقسام داخل صفوف المعارضة بين أنصار الدولة المدنية وأنصار الدولة الاسلامية.
  • اقصد توظيف فكرة العلمانية والدولة المدنية لمواجهة التيار الديني الثوري، ولتلعب فكرة الدولة المدنية دور الشيوعية والالحاد وتقوم بوظيفتها،  بل بدور  الاستبداد، حيث ارتبطت الحداثة بالتسلط والاستبداد والاستعمار والتحلل الخلقي ….  وكل الأنظمة الحداثية في شعاراتها، سبق و عملت بشكل نخبوي استعلائي استغلالي، وورثت دور المستعمر، حتى صار الاستغراب مرادفا للاستبداد والخيانة، و مضادا لجوهر الديمقراطية التي هي سلطة الغالبية بهويتها وعقيدتها ودينها. وهكذا ارتبطت بذهن الشعب  كل أشكال الحداثة  بالغرب  والاستعمار  وما تبعه من سلطات عميلة مستبدة، وسيلتها القمع  وثقافتها الاغتراب ودينها الفساد، وسياستها الافقار والتغريب، ومحاربة الأصالة والقيم والهوية والدين، وتفكيك الانسان والمجتمع ..
  • وعليه صارت تواجه من القوى الوطنية والمجتمعية، بالثورة ثم بشعارات مضادة لها شكلا ووظيفة، حتى رُفع شعار الدولة الإسلامية حديثا ومؤخرا، وفقط  بعد تخلي الغرب عن صداقته لطموحات الشعب السوري، وكرسالة قطيعه معه تعني  أول ما تعني الاستقلال الوطني، ورفض سلطة النخب الفاسدة الموالية له ، ورفض التخلي عن الهوية والموروث الديني والقيمي، ورفض التبعية، ورفض الذوبان والاندثار، إنه شعار مضاد لشعار الدولة المدنية ظاهرا وللتبعية للغرب مضمونا، لأن الدولة الاسلامية في جوهرها تحمل أغلب قيم وممارسات الديمقراطية والحكم الرشيد، لكنها توظف هنا كرفض لحاملي  شعار المدنية، ورفض لتجديد التبعية والنخبوية والفساد ..   وهكذا وعليه فنحن قطعا مع الخيار الوطني، مع الشعب وليس النخبة، مع الوطنية وليس التبعية، مع الهوية وليس الانحلال، ومع رفع شعار الدولة الاسلامية التي تعني سلطة الشعب، وليس رفع شعار الدولة المدنية أو العلمانية التي تعني تفكك البلاد والمحاصصة وسلطة النخبة المستغربة التي اختطفت السلطة المادية والمعنوية ومارست القتل والتشنيع، وتحاول اليوم سرقة تمثيل الثورة أيضا، بالتركيز على شخوص جديدة لا تختلف عن الموجودة في النظام. ولها ذات موقعهم النخبوي وذات ثقافتهم، وتعمل مثلهم وبأساليبهم، لكي تقوم بإنهاء الثورة و تنجز ضياع الهوية والاستقلال والحرية والديمقراطية التي تدعيها أيضا، و تستبدلها بالتحلل والتخلي عن الدين والقيم أي  عن جوهر الديمقراطية بالتالي.
  • نعم في صفوف المعارضة هناك تضارب سياسي كبير بين من يرفعون شعار الدولة المدنية، ومن يرفعون شعار الدولة الاسلامية، لكننا لا نرى فرقاً جوهرياً ، ولا تناقضاً حقيقيا بين الدولة المدنية الديمقراطية والدولة الاسلامية، بل نستطيع أن نقول أنه لا فارق بين الديمقراطية والاسلام السياسي، إلا اللهم في اللغة والتسميات، لكن في الجوهر والصميم هما  بمضمون واحد، والخلاف إذا ليس على المضامين بل على المواقع السياسية المتناقضة ، التي ظهرت جليا للسطح بعد انحياز الغرب الواضح ضد الثورة التي لم يستطع لجم رغبتها التحررية، فالغرب يريدها في جيوب اتباعه، والشعب يريدها خالصة له.
  • لذلك يجب الكف عن مهاجمة المجاهدين ورفض فكرة تشكيل حلف مع النظام والغرب ضد الجماعات الاسلامية، فهم جل الشعب السوري الذي يملك الحق في رفع الشعار والعلم الذي يريد، ولا ينتظر شهادات حسن سلوك من احد، كما يجب الرد على اتهام الإسلاميين بالتطرف والتشدد، وبرفض الديمقراطية والدولة الحديثة  والحريات العامة، فالدولة الاسلامية تحمل كل خيرات الدولة المدنية ،  والإسلام أكثر حرية وعدالة ومدنية وحضارة وأخلاقا من نظم الاستغراب كلها، لكن هذا يتطلب أيضا مطبقين اسلاميين واعين لدينهم ودنياهم ولمسؤولياتهم، وهو ما نرجوه منهم، ونسعى إليه معهم ….. وللحديث بقية.

2013/12/15

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.