أين أمست القضية الكردية

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

بدت القضية الكردية كقضية ظلم واضطهاد وتمييز ، وتموضعت ضمن قضايا حقوق الانسان والشعوب ، ولكنها تحولت بسرعة مذهلة لعنصرية قومية حاقدة تقوم على احتكار الحق والحقيقة وطرد الآخرين خارج حق الحياة والوجود ، فهي سيرة نموذجية لتحول المجني عليه لجاني ، في غياب نظم العدالة الرادعة والضامنة .

فقد فقدت القضية الكردية بعدها الانساني والحضاري والأخلاقي عندما مارست وبشكل همجي ما كانت تشتكي منه ، ومهما كان حجم التبرير والتهرب من المسؤولية ، ورمي التهم على أطراف بعينها ، تبقى النتائج واضحة قادرة على اقتلاع العيون المغمضة عن همجية ما يحدث بحق العرب وغيرهم في المناطق التي تسيطر عليها ميليشيات كردية ، وبطريقة تحاكي وتماثل ما تقوم به الميليشيات الشيعية وغيرها ، وهذا لا يعني أن الميليشيات السنية تتفوق عليها أخلاقيا وسلوكيا … فالكل قد أصبح سواءً في الهمجية ، والكل وضع قضيته خارج السياق الحضاري والإنساني ، بل في السياق الوحشي والهمجي ، وبالتالي خارج المستقبل …

سبق وحذرنا كثيرا من استعمال الحقوق الكردية كوسيلة لتمزيق سوريا والعراق وتركيا ، في عصر تجاوز القوميات … وحذرنا من اعتماد قوى استبدادية لتمثيل أي شعب ، وحذرنا من وضع السلاح بيدها وتشكيل خيمة حماية سياسية لها . وحذرنا من الاستقواء بالأجنبي الذي لا يريد الخير لأي منا ويتلاعب بنا لاضعافنا جميعا … واعتمدنا أسلوب النصح والمواجهة بالرأي ، والنقد الجريء غير المجامل … الذي فهم من قبل الأخوة الأكراد كعداء لقضيتهم … فأين أصبحت هذه القضية ، وأين أمست !!!

وها نحن اليوم ننذر بالعواقب الوخيمة التي ستنتج عن هذا السلوك الإجرامي الذي تقوم به ميليشيات كردية وباسم الكرد والشعب الكردي ، وبتشجيع شعبي واسع عندهم ، لأن مثل هذه الجرائم لا تموت بالتقادم ، لا من الذاكرة ولا في العدالة … وبالتالي تشكل نذير شؤم على مستقبل الشعب الكردي الذي سيدفع ثمنها باهظا جدا ، ليس فقط بسبب الانتقام والحروب الطويلة المتوقعة مع جيرانه المنتشر بينهم ، بل وأهم منها بسبب مشاكله الداخلية التي سيولدها من يتحكم به ويحمل هذا الانحطاط القيمي والخلقي ، وهذه القدرة على ارتكاب الجرائم … صحيح أن داعش تدعي تمثيل السنة ، لكنها تبقى منظمة مرفوضة يقاتلها السنة كغيرهم ، واستخدامها كذريعة أصبح مكشوفا فمن يقتل ويهجر وتحرق ممتلكاته ليس داعش، بل مواطنين موجودين كغيرهم يعيشون على أرض أجدادهم .

لن تكون بعد اليوم القضية الكردية قضية حقوق انسان ، بل قضية جنايات دولية ، وعلى العالم كله أن يتعرف عليها بوجهها الجديد ، الذي لا يقل قباحة عن الوجوه القبيحة التي ظهرت علينا وثرنا عليها وما نزال نقاتلها … وعلى دول المنطقة أن تتعظ مما يجري ، وعلى شعوبها أن تحمل السلاح وتقاتل من أجل الحضارة التي أصبحت في مكان لا تستطيع القضية الكردية أن تدخله …

ومهما كان فرح النصر العسكري السهل على كذبة اسمها داعش بدعم جوي أمريكي ، فهو لا يجب أن يخفي مقدار الهزيمة الأخلاقية والقيمية التي منيت بها القضية الكردية بكل أسف … عندما تُركت بيد من لا يفهمون معنى للإنسان ولا للدين ولا للقيم … بينما سكت الباقون متخيلين أنهم يستطيعوا التبرء من أفعال هؤلاء بعد سرقة نصرهم العسكري القومي …

وللتاريخ أقول … ما سيقتل من أكراد على يد الكرد ذاتهم ، وما سيهجر منهم سيفوق ما حدث على يد الآخرين … وإن غدا لناظره قريب … فما بني على باطل لا يدوم … ولن تكون هناك دولة كردية موحدة حرة ، تقوم على عار جريمة ابادة وجرائم ضد الانسانية ، بل أمارات حرب متصارعة وسجون اضطهاد تحكم الشعب الكردي وغيره بالحديد والنار .

وإذا كنا كسوريين نرفض الممارسات العنصرية والطائفية والاستبدادية ، ونرى قضيتنا كقضية حرية وحضارة وإخاء ، تحولت رغما عنا لقضية وجود عند السنة عندما شن عليهم النظام وبقية حلفه حرب تطهير وابادة وتشريد … فإننا نهيب ببقية المكونات وضع قضاياها في هذا السياق ( سياق احترام حقوق الإنسان ) وصيغ العيش المشترك ، وحل مشكلاتهم في سياق اتحادي حضاري ، كشكل وحيد قادر على ادامة الاستقرار والسلم والتعاون في المنطقة التي تتصف بالتنوع ، وفي عالم يتجه للاندماج . معربين عن خيبة أملنا من المسار التقسيمي التنازعي الصراعي الذي تدار به الأمور … والذي لن يؤدّ لخدمة أي قضية قومية أو دينية ، بل سيودي بهم جميعا إلى الإدانة والخروج من التاريخ ، بذات الطريقة التي أودت بالأمة الألمانية على يد النازية .

أما من يركب رأسه ولا يريد أن يتقي الله أو يفهم الحق . فليلحق بداعش وحالش والشبيحة والبي دي وكل عصابات القتل والإجرام التي لن تحكم شعوب المنطقة مهما بالغت في جريمتها … والشعب الكردي الذي يريد انتزاع اسمه كشعب ، عليه واجب التصرف كشعب وليس كعصابات إجرام ، تثبت مرة بعد مرة أنه لم يتعرف على الحضارة … وعلى العاقلين من الأخوة الكرد التحرك بسرعة ولا يتركوا قضيتهم تقتل بيد هذه العصابات التي تتكلم باسمهم … فمكسب الأرض في الحرب لا يدوم ، وتهجير الناس لا يلغي حقوقهم ونضالهم للعودة … والنصر لا يكون ثابتا من دون رصيد حضاري يهيئ له عناصر الدوام … أو فعليهم تحمل النتائج ، وليعتبروا كلامي هذا بمثابة إنذار وتحذير لأن ما يجري الآن على الأرض لا يترك مكانا يتسع للتناصح والحوار ، الذي لم يجد نفعا أمام سيل التعصب العنصري الجارف الذي يدفع بالشعب الكردي نحو المزيد من التخلف والانحطاط والتوحش .

أما ائتلاف مكونات الفساد والعار المؤتمن على الشعب السوري فنقول لهم هذا ما جنت أيديكم يوم زورتم التاريخ وقفزتم فوق المصالح العليا للوطن ، وسمعتم أوامر السفراء … يومها كنت وحيدا أرفع الصوت في وجهكم وأحذر من هذا المسار الذي لن ينته إلا بمذبحة عربية كردية ساحتها ربوع سوريا التي تحملون اسمها زورا يا خونة ، فهذه الدماء والكوارث والجرائم كلها في رقبتكم أنتم … قاتلكم الله .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.