يثب

هل سيحلق الطيران العربي في سماء طهران ؟

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

لم يعد الوقت الذي نشاهد فيه طيران التحالف الإقليمي يحلق في سماء طهران بالبعيد … فهذا النظام الذي دأب على نشر الفتن وزعزعة الاستقرار ، وسعى بكل ما أوتي لترهيب وتهديد الدول والشعوب وحيازة أسلحة الدمار ، لا يمكن أن يسقط إلا بتدخل عسكري دولي ، وخبرتنا بالنظام السوري المشابه أكبر دليل على ذلك فهو مستعد لابادة شعبه واعتبار ذلك عملا مقدسا يخدم ظهور صاحب الزمان … لكن امتناع الأمريكي عن تقديم الدعم اللوجستي لمثل هكذا عمل ، سيتغير بصعود ادارة جديدة أو بتدخل فاعل ومشاركة من قبل اسرائيل …

فرح الكثيرون في حدوث القطيعة بين السعودية وايران … على أمل أن تتطور لصراع مسلح مباشر أو بالواسطة بينهما … فالسعودية بالفعل تأخرت كثيرا في الرد على الاستفزازات الإيرانية، بل الجرائم التي يتعمد النظام الإيراني ارتكابها بحق شعوب وبلدان المنطقة، حتى تمادى وهدد أمن نظامها ذاته … لكن المشاهد الذي يبتعد في نظره أبعد من تسلسل الأحداث وتتابعها المثير للحماسة ، قد يرى زاوية أخرى للمشهد… فأي نزاع عسكري مباشر بين السعودية وايران لن يكون لصالح دول الخليج ، لأنها دول هشة جدا ولم تبنى على أساس توقع الحرب . حيث من الأفضل كثيرا لها خوض حروبها بطريقة غير مباشرة … وهو ما استهترت به  خاصة دعم صمود الشعب السوري في وجه النفوذ الإيراني الذي لم يفهموه كدفاع عن العروبة والمملكة ذاتها … فخذلوا الثورة وخذلوا الشعب وتشرد ولم يحظ حتى بمعاملة اللاجئين ، فأصبحوا في الميدان لوحدهم ، ولم يبق أمامهم سوى طلب المساعدة من دول اقليمية معروفة ، لمنع ايران من اجتياح عواصمهم كما اجتاحت بيروت وبغداد ودمشق وصنعاء … (أكلت يوم أكل الثور الأبيض ).

في البداية وبفعل فاعل حُرفت الثورة الديمقراطية على الشاه التي اندلعت في ايران عام 1978 وحُولت لثورة اسلامية شيعية متشددة بقيادة الملالي وصار أهم أهدافها تصدير هذه الثورة بكل الوسائل بما فيها الإرهاب .. تماما كما حُرف بعد ثلاثين عاما الربيع العربي الديمقراطي وحوّل لثورة اسلامية سنية متشددة بقيادة السفليين الجهاديين، بعوامل متعددة منها الدعم الخليجي ، ومنها تآمر الدول التي تتخوف من الديمقراطية، فتراجعت الشعارات الوطنية وصعدت آيديولوجيات محاربة العالم كله ، حتى ألصقت بها تهمة الإرهاب. وهكذا أصبح المشهد وكأن الإرهاب السني يحارب الإرهاب الشيعي ، وكل ذلك بفعل وتخطيط دولي …

وعلى مدى عقود ترك الحبل على مصراعية لإيران لكي تستمر وتتمادى في تحريضها المذهبي ، فدمر العراق وقدم على طبق من فضة للإيراني، ثم سهل لإيران التمدد في لبنان، ثم في سوريا ، و في اليمن ، وكادت أن تطيح بنظام الحكم في البحرين … وبدأت تهدد وجود نظام المملكة العربية السعودية ذاتها. وكل ذلك بتساهل دولي لافت تجلى أخيرا في التساهل مع ايران لكي تتابع برنامجها النووي والعسكري ، في ظل تخاذل خليجي مخيف وصمت أوروبي مريب … بينما نما في الطرف الآخر التشدد الديني والتعصب الطائفي السني، وتحولت الصراعات في المنطقة التي هي عادة مجرد تنافس على السلطة والثروة يفترض أن تحل بالطرق الديمقراطية، تحولت لحروب مذهبية في أكثر من ساحة ومن دولة ( العراق لبنان سوريا اليمن وغدا السعودية وايران وتركيا … ناهيك عن الدول الأبعد  )

في المشهد العام هناك تراجع كبير وخطير في صعيد التحول الديمقراطي عند كلا الطرفين السني والشيعي ، بل هناك تبادل شرعية بين التشدد والتطرف والاستبداد والإجرام في كلا الطرفين، وهناك تراجع أكبر في استقرار المنطقة التي أصبحت تخوض حربا اهلية اقليمية واسعة وهمجية … وهناك كوارث اقتصادية واجتماعية وثقافية خطيرة تطال شعوب المنطقة تباعا تمتد وتتوسع … ينتج عنها دمار كل ما تبقى من دول في المنطقة بما فيها السعودية وايران ذاتهما … وهذا يعتبر جزءا من مساعي الهيمنة والنفوذ على هذه المنطقة الغنية .

عاجلا أم آجلا  ايران ستهاجم الكويت والبحرين بمساعدة الجيش العراقي الذي سلحه الأمريكان ، وستقف أمريكا وروسيا متفرجة على الصراع بين (داعش وحالش ) ، ولن تشكل لا عاصفة للصحراء ولا حتى نسمة ريح بحرية … و بعدها ستدخل الدول الخليجية مجتمعة معركة تدمر فيها بلدانها وحضارتها النفطية و تدمر ايران معها … وهكذا ستطال لعنة الدم السوري الجميع، ومأساة شعب سوريا سوف تصبح مأساة لشعوب المنطقة كلها … طبعا البعض سيعتبر ذلك نوعا من العدالة …

وإذا استطاع الشعب السوري تحمل حالة الحرب والحصار والتجويع وغياب الخدمات والطاقة والمياه والطعام وصبر وعاش في حالة بدائية وقاتل بأسلحة بسيطة، فإن الكثير من السياسيين المتهورين يتخيلون أن دول الخليج تستطيع تحمل حالة الحرب … مع أنها قد لا تتحمل مجرد توقف محطات تحلية المياه وتوليد الطاقة ، حيث تصبح غير صالحة للعيش وتنهار ويهجرها سكانها … وإيران تستطيع شل الحياة فيها بمنظومتها الصاروخية ، لذلك فدول الخليج ستكون عاجلا أم آجلا هدفا عسكريا لإيران التي تدرك تفوقها ، وكل ما تحتاجه ايران هو فك التحالف الدفاعي القائم بين الخليج والغرب … لكي تنقض على الخليج وتهجر أهله.  فوجود وأمن هذه الدول أصبح يقوم على عامود واحد هو الحماية الغربية التي ستتجمد عندما تمتلك ايران ما تهدد به ( السلاح النووي الذي صارت على وشك انتاجه بالتعاون مع سوريا وحزب الله وتسهيلات من روسيا وكوريا الشمالية ) ، وغير ذلك مجرد أوهام .

لقد كان من الأولى بدول الخليج أن تخوض الحرب مع ايران بالواسطة وتدعم الشعب العراقي والسوري واللبناني والمعارضة الإيرانية، ولا تنام على الحرير … ولكن وبعد أن فات الأوان وعم الخذلان … أصبح لا بد لها من وضع خطة عاجلة تأخذ بالحسبان احتياجات حالة الحرب ( من مصادر طاقة ومياه احتياطية ) وأسلحة مضادة للصواريخ ، بل يجب أن تفكر في حسم سريع لهذه الحرب لو اندلعت : بضربات جوية وصاروخية مباغتة وشاملة تستطيع شل النظام الصاروخي الإيراني … وهذا يحتاج لتحالف اقليمي وعربي سياسي عسكري يشمل اسرائيل وباكستان … وهو ما نزال بعيدين جدا عن التفكير فيه، مما يعطي الفرصة لإيران في استكمال برنامجها طول العام القادم على الأقل وعندها قد يكون الأوان قد فات وامتلكت ايران سلاحها الفتاك.

نقول هذا إذا كنا نفكر بالحرب فعلا ولا نتسلى باللعب بالنار فقط (أي كما يبدو حاليا من تصريحات ومواقف استعراضية اعلامية بحتة ) … مع أن العاقلين يفهمون أن صراع الشعوب ضد الأنظمة المستبدة من أجل الحرية والعدالة والتقدم  ، هو شيء مختلف عن تدمير الشعوب والدول، وأن التعايش السني الشيعي بل بين المعتقدات أمر لازم وحتمي مهما كانت نتيجة الحروب السياسية … وأن المشكلة ليست في الدين والطائفة بل في التوظيف السياسي لهذا التباين في خدمة الاستبداد والفساد … ومثل هذا النوع من الحروب المذهبية المدمرة لا فائدة منها ولا منتصر فيها… فالخلاف ليس مع الشعوب أو بينها بل مع الأنظمة المستبدة والسياسات العدوانية ، والتي لابد أن تتصادم …

كان بامكان الشعب السوري أن يسقط الطاغية من دون جر سوريا لهذا الصراع الأهلي لو قدم الدعم للمعارضة السورية، وكان بالامكان أيضا اسقاط نظام الملالي من دون الدخول في هكذا حرب لا تبق ولا تذر لو قدم الدعم للمعارضة الإيرانية ، أو سمح لاسرائيل بتدمير برامجه العسكرية ، واليوم يمكن تكسير أحلامه بضربات جوية قاسمة لمشاريعه العسكرية لو توفرت النية وتم ادراك حجم الخطر الوجودي الوشيك الذي يحيط بالمنطقة كلها …

لكن من هو المستفيد من إطالة وتسعير هذا الصراع بين الشعوب ومن يحفظ ويديم هذه الأنظمة ، ومن الذي يتلاعب بالعوامل لكي يصل بنا إلى هذا المكان ؟ … ولماذا نحن كشعوب ننجر تماما للحفر التي تحفر لنا؟

سؤال موجه لكل انسان في المنطقة بغض النظر عن عقيدته ومذهبه وقوميتة : ماذا سينتج عن هذه الحرب بين الشيعة والسنة ؟؟ أي مشروع حضاري سيترتب عليها … أي غاية نبيلة نتوقعها؟ … إنها مجرد فتنة القاعد فيها خير من الواقف … وكفانا نفخا بنار الطائفية … فالمطلوب هو الحرية والديمقراطية واحترام حقوق بشر ، والمشكلة هي بين الشعوب وأنظمتها وليست بين الطوائف … والحرب الحقيقية هي تحرر من هذه الأنظمة لا أكثر ولا أقل …

إنها مؤامرة فعلا … لكنها ككل مكيدة لا تصبح فعالة من دون حماقتنا … وقد ندرك يوما ما أننا كنا حمقى لكن بعد كذا مليون قتيل، كلهم ضحايا وليس بينهم  شهداء عرفوا الحق أو اتبعوه وماتوا في سبيله مقدمين غير مدبرين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.