يثب

الدول العظمى والإرهاب الحلبي

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

تشتهر حلب بالكباب ، ونظرا لارتباط الكباب بالإرهاب الإسلامي بحسب العلّامة عادل إمام ، فإن روسيا الأرثوذكسية تشن حربا على الكباب والإرهاب وحلب والإسلام معا ، تقوم بتدمير كل شيء وقتل مدينة تاريخية كاملة على عين ومسمع الجميع وصمت مخزي من قبل القريب والبعيد … مما يجعل من استخدام أي وسيلة أو سلاح أمرا مشروعا مهما كان للدفاع عن حلب وإنسان حلب وتاريخ حلب … لنتورط جميعا في أتون التحريض على العنف وتسعيره في مشهد مضحك مبكي يعكس مقدار جنون وبشاعة هذا العالم .

لا أريد هنا أن أذكر بالتصريحات الرنانة التي أطلقت يوم معركة الراموسة على ما كان فيها من قلة تقدير للموقف العسكري ، لكنني بالعكس أريد أن أعترف أن الوسيلة الوحيدة لمقاومة هكذا همجية هو التطرف الديني المجنون … فمرة أخرى تثبت الأحداث بكل أسف أن الإرهاب هو السلاح الوحيد الذي يملكه الضعيف في مواجهة غطرسة القوي ، وعندما لا تحترم الدول العظمى أي نظام للحقوق والعدالة وتطغى وتتجبر على الشعوب الضعيفة بقوتها العسكرية الجبارة ، لا يبق أمام هذه الشعوب من وسيلة للمقاومة سوى سلاح الإرهاب وهو نوع من المقاومة لا تزيد بشاعته عن بشاعة الفعل الذي أنتجه … وما يجرى حاليا في حلب ، وقبله في سوريا كلها من همجية دولية تقودها روسيا هو أوضح دليل على ذلك وأبشع وأشنع من أي إرهاب وترهيب يقوم به أفراد أو مجموعات .

غياب المجتمع الدولي وتعطيل مؤسسات العدالة ، وتعطيل دور الأمم المتحدة بواسطة الفيتو يكمل المشهد ، فلا يترك للشعوب سوى أن تنتقم من الشعوب الأخرى بطريقتها … فتقوم الدنيا وتقعد على الإرهاب وتتشكل التحالفات لضربه ، ولا يسأل المتغطرس نفسه لماذا يحدث هذا .. وبدلا من تفعيل مؤسسات العدالة ولجم غطرسة القوة … تتعاون الدول العظمى في الشرق والغرب رغم الحرب الباردة بينهما على محاربة الإرهاب في سوريا ، وتعطي الشرعية للهمجية الروسية والإيرانية لإبادة شعوب وتدمير حضارات وافناء مدن ، وكأن كل ذلك ليس ربا للإرهاب لا قبله ولا بعده …

نحن الذين نريد فعلا أن نحارب ظاهرة الإرهاب التي تسيء لقضيتنا وديننا ، نؤمن أن الوسيلة الفعالة للحرب عليه هي تطبيق العدالة الدولية والقانون الدولي وإلزام الدول العظمى باحترام النظام العالمي وحقوق الشعوب وحقوق الإنسان ، وفي ظل استمرار غياب ذلك ، لا تكون حربنا على الإرهاب سوى عبثا وصرخة في واد تملأه جماجم ضحايا الحروب التي تشنها قوى عظمى تمتلك كل صنوف الأسلحة التي تستخدمها ضد المدنيين ليقوم من تبقى منهم بالانتقام عبر تفجير نفسه في أرقى أحياء عواصمها لو استطاع ، ناقلا صورة الموت والدمار ليراها المجتمع الذي يسكر بخمر القوة … ماذا يمكن أن يضبط سلوك من فقد الأمل نهائيا بالعودة لوطنه وحارته التي يستوطنها الإيراني بدلا منه . ماذا نقول لعشرات الملايين الذين تشردوا في العالم … لقد خسرتم كل شيء … وبقي عدوكم الذي حظي بدعم دولي غير مسبوق رغم جرائمه الغير مسبوقة ؟ بأي منطق سنواجه نزعات الحقد والتطرف والتشدد …

أليس من الطبيعي أن يبحث الذاهب للموت الراغب في الانتقام في نصوص الدين عما يشرعن فعلته التي تبررها همجية القوي ، وبالتالي ينتقل هذا الصراع من سوية سياسية لسوية دينية … ويتعمق الانقسام ويتكرس الحقد بين الشعوب وتستعتر الحروب ، وهذا كله يعاكس الدور الذي أنيط بالأمم المتحدة القيام به … ويعكس الفشل العالمي في حفظ السلم والاستقرار بمقدار الفشل في حفظ الحقوق ، وهيمنة منطق غطرسة القوي ، وهو ما يدفع نحو حرب كونية جديدة … أصبح منطق التاريخ يقول أنه لا بد منها …

لعنة الدم السوري ولعنة حلب بطريقة أو أخرى ستلاحق كل من تورط في ما يجري فيها … وعندما تغيب العدالة بل تُغيّب ، وعندما ينتشر الموت والدمار في عموم وطننا ، فلماذا نحرص ، وعلى ماذا نخاف .

من يستهين بمعركة حلب لا يدرك أنها قد تكون شرارة اندلاع حرب واسعة وطويلة تجتاح المنطقة ، إذا لم يوجد حلا يرضي أهلها ويعيدهم لمدينتهم . إن دمار حلب وإبادتها لن يقدم الأمن للرياض واستانبول ، ولا حتى طهران وموسكو ، بل ربما العكس هو الذي سيحدث ، فالبلاء والخراب يتصفون بالعمومية .

معللتي بالوصل والموت دونه   إذا بت ظمآناً فلا هطل القطر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.