هل يعتبر تدخل روسيا في سوريا هو استراتيجيتها في أوكرانيا؟ يجيب نيكولاس غوسديف، الزميل في معهد أبحاث السياسة الخارجية والأستاذ في كلية الحرب البحرية الأمريكية، في مقال بمجلة “ناشونال إنترست”، بأن الولايات المتحدة افترضت خوف روسيا من التدخل في سوريا وهو خطأ يجب عدم تكراره في أوكرانيا.
وقال إن مسؤولي الأمن القومي الأمريكي البارزين والدبلوماسيين والضباط العسكريين أطلقوا التحذيرات “لو تدخلت روسيا فستواجه قتالا صعبا” و”يجب على القوات الروسية التعامل مع تمرد” و”مع بدء وصول أكياس الموتى إلى الوطن فسيواجه فلاديمير بوتين ضغطا من الرأي العام” و”لن تستطيع روسيا تحقيق أهدافها وستجد نفسها في المستنقع”.
وربما أخطأت وظنت أن هذه التصريحات هي من إدارة جو بايدن- كاميلا هاريس، ولكنها تعود إلى إدارة باراك أوباما- جو بايدن في عام 2015، وقبل التدخل الروسي في الحرب الأهلية السورية. وهناك عدة دروس حول الكيفية التي أدار بها الجيش والمؤسسة العسكرية الروسية الحملة والمهمة حالة قرر الكرملين المضي في خياره من دبلوماسية الإكراه في أوكرانيا. وقد تقود هذه الدروس إلى نوع من القتال غير الذي تتوقعه الولايات المتحدة وتدريب وتسليح القوات الأوكرانية.
أولا، ركز التدخل الروسي وبشكل رئيسي على تدمير قدرات والتشكيلات القتالية للقوات المعادية لبشار لأسد، ولم يركز على احتلال الأراضي. وقرر الكرملين التدخل المباشر في سوريا نهاية صيف عام 2015 عندما تبين أن القوات المعارضة للأسد أصبح لديها قدرات عسكرية وزخم للتقدم إلى دمشق والدفع للإطاحة بنظام الأسد. وبالتركيز على القوات الجوية والهجمات الصاروخية والأنظمة بدون طيار، كان هدف قوة المهام الروسية هو تحطيم وتدمير تشكيلات المعارضة السورية. وكانت سيطرة قوات النظام السوري على المناطق التي احتلتها المعارضة هو نتاج للقصف الجوي الذي دك معاقل المعارضة، ولم يكن الهدف الرئيسي من التدخل الذي كان حماية الأسد من الانهيار.
الأمر الثاني، لم يحتفظ الروس بقوات على الأرض في سوريا وقرروا عدم التركيز على احتلال أراض أو تحمل مسؤوليات الحكومة. وبالتأكيد، ففي الكثير من الحالات قام الروس بعقد سلسلة من اتفاقيات وقف إطلاق النار التي تركت قادة الجماعات المسلحة والأعيان يسيطرون على مناطقهم مقابل القبول بسلطة الحكومة العامة عليها. ولم يركز الروس إلا على عدد قليل من المناطق الحيوية المهمة.
الأمر الثالث، وفي كل مرة كانت تحتاج فيها روسيا إلى قوات على الأرض كانت تكلف الجيوش الخاصة والتشكيلات غير النظامية الأخرى مما حد من مسؤوليات القوات الرسمية الروسية وعرضتها للمخاطر. وكما في الولايات المتحدة فرق الرأي العام الروسي بين “الجندي” بالزي الرسمي و”المتعهد” الذي قرر المشاركة بالحرب ومواجهة المخاطر.
وأخيرا، أظهر الجيش الروسي من خلال إطلاق صواريخ كروز كاليبر من الأسطول البحري في بحر قزوين قدراته على استخدام السلاح القاتل من داخل الأراضي الروسية. والدرس من هذا هو أن روسيا لم تكن بحاجة لنشر قدراتها الحيوية وتعريضها للخطر، ويمكن الاستفادة منها بدون الخوف من التعرض للعمليات الانتقامية أو الهجمات المضادة. وبالمقارنة مع تكهنات الأمريكيين حول تحول سوريا إلى “أفغانستان بوتين” حيث ستعلق القوات الروسية هناك وتواجه مقاومة من المعارضة ويتعرض بوتين لغضب شعبي مع تزايد وصول أكياس الموتى، ركز الروس على تحطيم وكسر قدرات المعارضة السورية.
ويقول الكاتب إنه راقب العملية الروسية في سوريا وهي تتكشف، حيث تذكر ما قاله وزير الدفاع الروسي سيرغي إيفانوف عام 2016 حيث شرح بلغة إنكليزية واضحة وفهم “للرطانة” العسكرية الأمريكية، أن الجيش الروسي كان يدرس الحملات العسكرية الأمريكية في العراق وأفغانستان. وكان تجنب إرسال قوات عسكرية برية واسعة واحدا من الدروس التي تعلمها الروس.
والكاتب ليس متأكدا من خطط روسيا في أوكرانيا، وفيما إن كانت ستدخل أوكرانيا وإن كان التقييم الأمريكي دقيقا، من ناحية بحث الروس عن احتلال للمناطق وإرسال قوات وأنظمة إلى أوكرانيا للمشاركة في عمليات قتالية. ولكن الحملة السورية تقترح أن الروس لو قرروا استخدام القوة العسكرية في أوكرانيا، فسيركزون على تدمير المعدات الأوكرانية، وتحديدا مخزونها من الطائرات بدون طيار ومحاولة كسر التشكيلات العسكرية.
وتقترح الحالة السورية أن الروس سيحاولون تجنب اجتياز الحدود وتوجيه النيران عبر خطوط القتال. وسيمثل هذا النهج مشكلة للدول الأوروبية مثل ألمانيا التي ربطت العقوبات الاقتصادية على روسيا بغزوها للأراضي الأوكرانية. وسيرفع هذا المدخل من ثمن الحرب، وستتردد الولايات المتحدة والناتو من توجيه النيران عبر الحدود وضرب الدبابات الروسية. ويمكن أن يتم تكرار إطلاق الصواريخ من بحر قزوين بدون أن يكون هناك أي طرف مستعد للرد على الصواريخ الروسية بالمثل. وبتعهد رمضان قديرون، رئيس الشيشان إرسال تشكيلات إلى أوكرانيا، فالأشكال التي جربتها روسيا في سوريا وليبيا ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى ستكرر الأشكال. وفي هذه الحالة فلن تكون هناك حاجة لنشر قوات نظامية لتأمين مناطق حيوية أو مراكز اتصالات. وسيكون الرهان الروسي أن القوات الخاصة ليست مثل القوات النظامية.
ويرى الكاتب أن تحضير القوات الأوكرانية لحرب تقليدية ضد روسيا وافتراض أن صواريخ جافلين ستحد من تقدم الدبابات والمصفحات الروسية ليس ناجعا أمام الطريقة التي اتبعتها روسيا في سوريا. وربما انتظرنا حملة عسكرية لاحتلال المناطق لكن قيادة الأركان العامة تبحث عن طرق لتدمير القدرات العسكرية الأوكرانية وقتل الروح المعنوية للقوات الأوكرانية وخلق مناخ للاضطرابات السياسية. ولو بدأت المعركة في أي وقت، فالدعم العسكري لأوكرانيا ربما كان متأخرا.
القدس العربي