أثار الكشف عن اعتزام شركة تركية بناء مخيم (مساكن مسبقة الصنع) خاص بالسوريين التركمان في ريف إدلب، انتقادات واتهامات لتركيا بالتفرقة بين السوريين على أسس قومية وعرقية. يأتي ذلك، بعد تسليط الضوء من قبل صحف تركية على مشروع بناء مخيم مؤلف من 450 وحدة سكنية تحت مسمى «كوموش خانة»، تيمناً باسم الولاية التركية التي تحمل الاسم ذاته.
وحسب صحيفة «يني شفق» التركية، المقربة من حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، وقعت منظمة «إدارة الكوارث والطوارئ التركية» (آفاد) عقداً مع شركة تركية مملوكة للنائب السابق في «العدالة والتنمية» ورجل الأعمال التركي صبري فاران وزوجته، عقداً لبناء حي سكني في ريف إدلب. وأضافت الصحيفة أن بناء الحي يأتي ضمن مشاريع بناء وحدات سكنية في الشمال السوري، للمساعدة في تنفيذ مخطط إعادة مليون ونصف مليون لاجئ سوري من تركيا إلى بلادهم، وهو المخطط الذي أعلن عنه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في وقت سابق.
وأوضحت أنه سيتم تسمية شوارع الحي بأسماء تركية مثل «تورول وشيران وكلكيت»، ونقلت على لسان رجل الأعمال فاران قوله: «لقد قمنا بهذا العمل الميمون بمبلغ تبرع قدره 10 ملايين ليرة تركية، بناء على تعليمات من رئيسنا رجب طيب اردوغان، وبالتنسيق مع وزير الداخلية سليمان صويلو ومسؤولي إدارة الكوارث والطوارئ». وأضاف «وصلنا بها إلى المرحلة النهائية بالبروتوكول الموقع، وسيقيم أبناء التركمان في 450 منزلاً من المخطط لها أن تنتهي قبل حلول العام الجديد».
وانتقد الناشط الحقوقي المهتم بقضايا اللاجئين السوريين في تركيا، طه الغازي، خلال حديثه لـ«القدس العربي» تخصيص المخيم لمكون سوري (التركمان)، معتبراً أن إقامة مثل هكذا تجمع على أساس قومي في الشمال السوري، يعد شكلاً من أشكال التمييز العرقي. وأضاف الغازي أن «تنفيذ مثل هكذا مشاريع يُفسح المجال أمام جهات داعمة لتنفيذ مشاريع مخصصة للقوميات الأخرى».
وتابع بأن الشركة الممولة المملوكة تبدو مصرة على استنساخ مناطق تركية بعينها في الشمال السوري، متسائلاً «هل يقتضي التمويل من الجهة التركية حتمية تسمية المشروع بمسميات تركية، والأهم أين الوجه الخيري في هذا المشروع»؟، مضيفاً أن «تحديد المستفيدين منه بمكون سوري واحد ينفي عنه صفة الخيرية».
والأهم من كل ذلك، حسب الغازي أن المشروع يؤسس لإيجاد مخيمات «قومية» مماثلة، مضيفاً: «قد نشاهد مستقبلاً مخيمات للعرب والأكراد وغيرهم، وهذا يخالف هدف الثورة السورية أي بناء وطن دون تمييز على أسس قومية أو دينية» حسب قوله.
لكن في المقابل، فإن عدداً كبيراً من المدن والمناطق السورية كانت تضم تجمعات على أساس قومي او مذهبي، مثل منطقة الشيخ مقصود في حلب التي تقطنها غالبية كردية، وحي جرمانا بدمشق الذي تقطنه غالبية درزية من أبناء محافظة السويداء، ومئات القرى في ريف حماة واللاذقية وطرطوس وحلب التي تسكنها الطوائف والعرقيات بمعزل عن بعضها البعض، ما يعني أن الفصل بالسكن على أساس قومي ومذهبي متجذر في الحالة المجتمعية السورية أساساً.
وبالعودة إلى المخيم الجديد، يرجع مصدر تركي طلب عدم الكشف عن اسمه، تنفيذ المشروع بالشكل الذي هو عليه إلى «التوجه القومي الطاغي» للجهة الممولة للمخيم، أي رجل الأعمال صبري فاران، المتحدر من ولاية «كوموش خانة» التركية.
ويضيف المصدر لـ«القدس العربي» يضيف المصدر، أن فاران كان عضواً في حزب «الرفاه» التركي، وكان من بين الشخصيات المؤسسة لـ»العدالة والتنمية»، لكنه ايضاً كان من بين المرشحين لرئاسة بلدية «كوموش خانة» عن حزب «الحركة القومية» في العام 2019.
وقال المصدر التركي، ان القوميين الأتراك لا يهتمون كثيراً بالمسألة السورية، وغالباً يأتي تنفيذ مثل هذا المشروع خدمة لغايات انتخابية، والمحتمل أن يترشح فاران للانتخابات التركية المقبلة، ولذلك يأتي تنفيذ هذا المشروع». ويثير المشروع التركي بإعادة أكثر من مليون لاجئ سوريا وتوطينهم شمال سوريا قرب الحدود التركية مخاوف من احداث عملية تغيير ديمغرافي، اذ تهدف انقرة على ما يبدو لزعزعة تواجد المجتمعات الكردية شمال سوريا وتقطيه امتداداتها من عفرين الى شرق سوريا من خلال زرع مجمعات سكنية عربية وتركمانية.
وتبدو سياسة التمييز على اساس عرقي متجذرا في السياسات التركية نحو سوريا والعراق حتى بعهد حزب العدالة ذو الجذور الاسلامية، وحتى في ملف انساني كاللجوء ، فبعد 2015 اغلقت تركيا حدودها امام دخول اللاجئين من سوريا والعراق، وانتهجت سياسة سجن ثم ترحيل كل من يعتقل عند الحدود من اللاجئين، لكن اللاجئين السوريين والعراقيين من اصول تركمانية وحتى التركستان في إدلب كانوا يحظون بمعاملة تفضيلية، إذ منحوا إذناً بالدخول لتركيا ومنحوا إقامات إنسانية بينما أعيد اللاجئون من أصول عربية لسوريا والعراق ، وقد وثقت «القدس العربي» سابقاً هذه الحالات في سجن أنطاكيا ونشرت حيثياتها عام 2018.
القدس العربي