بأسلوب لا يخلو من “الابتزاز”، اشترط النظام السوري خلال الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية في مدينة جدة السعودية، البدء في مرحلة إعادة الإعمار قبل الحديث عن عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وذلك بعد إعادة دمشق لجامعة الدول العربية.
وقال نائب وزير خارجية النظام السوري أيمن سوسان إن الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية ناقشت عودة اللاجئين السوريين إلى مدنهم وقراهم، معتبراً أن النظام “قام بكل ما يترتب عليه” من أجل عودتهم بما في ذلك مراسيم العفو والمصالحات. وتابع أن “العودة تتطلب مقومات وتوفير خدمات في مناطقهم، وذلك لا يتحقق إلا بإطلاق إعادة الإعمار في سوريا”، مضيفاً “هنا ندرك التلازم بين عودة المهجرين وإعادة الإعمار لتوفير العودة الكريمة لهم، ولكن هل تتم إعادة الإعمار بوجود عقوبات وحصار اقتصادي، فالدول التي تمارس تلك الإجراءات القسرية على الشعب السوري هي التي تعيق عودة المهجرين السوريين إلى بلدهم”.
نوايا النظام
ولا يرى المستشار الاقتصادي خالد التركاوي في حديث النظام السوري أي جديد، موضحاً لـ”القدس العربي” أن النظام كشف عن نواياه هذه منذ العام 2016، عند حدوث أزمات لجوء في الدول المجاورة لسوريا، في لبنان والأردن وتركيا.
ويتابع الباحث في مركز “جسور للدراسات” بالإشارة إلى تطابق رؤية النظام مع روسيا، حيث دعت موسكو في أكثر من مؤتمر نظمته في دمشق حول ملف اللاجئين، إلى إعادة الإعمار من قبل الدول الغربية والعربية. وقال التركاوي إن الواضح أن الدول العربية تربط ملف الإعمار بتقدم الحل السياسي في سوريا، ما يعني أن “الدول العربية لن تكون سخية تماماً بدون الحصول على تنازلات من النظام”.
وتعقد المحاذير التي تفرضها العقوبات الأمريكية والأوروبية الحسابات على الدول التي ستقدم الأموال للإعمار، حيث تمنع عقوبات “قيصر” الأمريكية تقديم أي أموال مخصصة لإعادة الإعمار. وفي هذا الجانب، يقول الكاتب والمحلل السياسي الدكتور باسل المعراوي، أن الدول العربية لن تلتفت إلى طلبات النظام بالحصول على الأموال لإعادة اللاجئين، لأن ذلك فوق طاقتها أولاً، وثانياَ لأن منح النظام الأموال ينقلها من حالة المناكفة والابتزاز مع الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي الى حالة شبه مواجهة سياسية.
وحسب الكاتب فإن القرارات الأممية ذات الصلة تفرض القواعد لعودة اللاجئين ويسبقها بالطبع عودة الإعمار، ولكن قبل كل ذلك يجب انخراط النظام بالحل السياسي الأممي، علماً أن الدول العربية قدمت الخطوة الأولى للنظام بإعادته الى المنظومة الرسمية العربية وتنتظر منه مقابل تقديم الخطوة الثانية.
وفي السياق، لفت المعراوي إلى المواقف الأمريكية “الصارمة” لجهة التطبيع مع النظام السوري وبدء مرحلة إعادة الإعمار، لافتاً إلى قانون “محاربة التطبيع مع الأسد 2023” وهو القانون الذي جرى التصويت المبدئي عليه بتوافق من الحزبين الأمريكيين (الجمهوري والديمقراطي).
ويمنع القانون الجديد الإدارات الأمريكية من الاعتراف بأي حكومة يترأسها رئيس النظام السوري بشار الأسد، ويوسع العقوبات المفروضة على النظام بموجب قانون “قيصر”، بهدف إرسال رسائل للدول التي طبعت مع الأسد أو التي تسعى لذلك.
وقالت منظمة “التحالف الأمريكي من أجل سوريا” إن قانون مكافحة التطبيع، يعد الأقوى والأضخم والأهم من نوعه منذ إقرار قانون “قيصر”، ويتضمن مفاعيل بالغة الأهمية للوضع السوري والعربي والدولي. في المقابل، لا تستبعد مصادر أخرى أن تقدم الدول العربية الأموال للنظام السوري، تحت عناوين “إنسانية”، وخاصة إن أبدى النظام مرونة حيال المطلوب منه، مثل التعاون في مجال تهريب المخدرات.
أبو الغيط يرحب بعودة سوريا
رحب أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية أمس الأربعاء بعودة سوريا إلى الجامعة العربية مع اجتماع وزراء الخارجية العرب تمهيدا للقمة المقررة في جدة بالسعودية.
ووافق وزراء الخارجية العرب هذا الشهر على إعادة عضوية سوريا بشكل كامل للجامعة بعد تعليقها لمدة 12 عاماً بسبب حملة الحكومة السورية على المحتجين. ومن المقرر أن يحضر الرئيس السوري بشار الأسد القمة في جدة الجمعة حيث من المرجح أن يجتمع مع رؤساء وملوك عرب سعوا لإضعافه على مدى سنوات.
ويتواجد وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في جدة حالياً لحضور الاجتماعات التحضيرية، وأجرى محادثات مع نظرائه من الأردن والإمارات ولبنان وآخرين. وقال وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب إنه تحدث مع المقداد حول عودة اللاجئين ومكافحة تهريب المخدرات في المنطقة، وهما قضيتان كانتا أساسيتين في مفاوضات الدول العربية مع سوريا في الأشهر القليلة الماضية.
وبحث وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله أمس الأربعاء مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد الوضع في سوريا والمنطقة. وذكرت وكالة الأنباء السعودية “واس” أن الوزيرين التقيا في جدة أمس على هامش الاجتماع الوزاري التحضيري لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في دورته الثانية والثلاثين.
وبحث الجانبان خلال اللقاء، مستجدات الأوضاع على الساحة السورية والمنطقة، وتبادلا وجهات النظر حيال الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، وتلك المطروحة على جدول أعمال الاجتماع الوزاري التحضيري لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في دورته الثانية والثلاثين.
قطر لحل يرضي الشعب
وصرح رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أمس الأربعاء، بأن الحل لإعادة الاستقرار بسوريا يجب أن يكون مرضياً للشعب التواق إلى الاستقرار.
جاء ذلك خلال مؤتمر صحافي عقده مع وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، بعد جلسة مباحثات رسمية عقدت بالديوان الأميري القطري، تابعها مراسل الأناضول في إطار زيارة رسمية غير معلنة المدة تقوم بها الأخيرة إلى الدوحة.
وقال: “أوضحنا موقفنا بشأن اتخاذ قرار عودة سوريا للجامعة العربية، دولة قطر لا تريد الخروج عن الإجماع العربي حول هذا الموضوع، ولكن يترك لكل دولة قرارها السيادي في تطبيع العلاقات الثنائية”.
وأضاف: ” تقييمنا في دولة قطر بأن الحل الوحيد للتطبيع مع النظام السوري على الأقل بالنسبة لنا، هو ايجاد حل عادل وشامل للمسألة في سوريا وهناك عمل عربي مشترك نتفق فيه جميعا في الأهداف بأن يكون هناك عودة آمنة للاجئين وإيجاد حل سياسي وفق قرارات الأمم المتحدة 2254″. وأردف: “ندعم أن يكون هناك عمل بناء لتحقيق هذه الأهداف وأن تكون أي خطوة تقام محاولة تطبيع مع النظام تسهم في تحقيق مثل هذا الهدف”.
وتابع آل ثاني: “في النهاية المسألة ليست بيننا وبين النظام السوري، المسألة بين نظام وشعبه ويجب أن يكون الحل الذي يتم تطبيقه والذي سيكون لإعادة الاستقرار في سوريا هو حل يرضي هذا الشعب الذي عانى من ويلات الحرب على مدار الـ 12 سنة الأخيرة”. وفي 7 مايو/ أيار الجاري أعلنت جامعة الدول العربية عودة دمشق لمقعدها بعد تجميد دام نحو 12 عاما، و”التأكيد على ضرورة اتخاذ خطوات فاعلة نحو حلحلة الأزمة وفقًا لمقاربة خطوة مقابل خطوة” وذلك عقب حراك عربي قادته السعودية ومصر والأردن، لوضع خريطة حل للأزمة السورية.
ومن المقرر أن تشارك سوريا في القمة العربية التي تستضيفها العاصمة السعودية الرياض في 19 مايو الجاري، لأول مرة بعد تجميد عضويتها عام 2011 على خلفية مواجهة النظام الاحتجاجات الشعبية بالقوة العسكرية. وفي شأن منفصل، أشار رئيس الوزراء القطري إلى أنه بحث مع نظيرته الألمانية “تثبيت وقف إطلاق النار وتقديم المساعدات في غزة”.
القدس العربي