كثفت إسرائيل من وتيرة غاراتها في الداخل السوري منذ الهجوم الذي شنته حركة “حماس” في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وتقول إنها تستهدف مواقع تابعة للجماعات المدعومة من إيران بخاصة “حزب الله” اللبناني. وعادة ما تستهدف إسرائيل مطاري دمشق وحلب الدوليين وتخرجهما عن الخدمة، وفي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أخرج الطيران الحربي الإسرائيلي مطار دمشق عن الخدمة، بعد ساعات قليلة فقط من استئناف عمله، وجاء في بيان للخارجية السورية “تحذر سوريا الكيان الإسرائيلي من مغبة هذه الاعتداءات على البلاد وفلسطين وجنوب لبنان، وسيرى أنه سيدفع ثمن حماقاته وتهوره”.
“صراع واسع النطاق على الحدود الشمالية لإسرائيل”
ويقول المحلل العسكري الإسرائيلي إيال عليما في حديث صحافي، إن “هناك مبررات لضرب مطار دمشق بشكل متكرر من أجل إبقائه خارج الخدمة”، ويتابع أن ذلك يأتي ضمن “المعركة بين الحروب التي تشنها إسرائيل على الأرض السورية، لمنع نقل شحنات الأسلحة الإيرانية”. ووفقاً للمحلل الإسرائيلي “هناك رسائل يريد الجيش الإسرائيلي إيصالها من وراء الاستهداف ليس فقط لإيران بل للنظام السوري”، ويرى أن التغيير في طبيعة الضربات التي شهدتها الأيام الماضية مفاده بأنه “إذا سمح النظام السوري لميليشيات إيران بالعمل ضد إسرائيل انطلاقاً من سوريا فسيدفع الثمن، وهذا ما يحصل”.
وفي مقالة للمراسل العسكري في “يديعوت أحرونوت” رون بن يشاي، كتب أن “إيران تعمل على تسريع نقل الأسلحة الدقيقة إلى ’حزب الله‘ استعداداً لصراع واسع النطاق في الشمال، وعلى تسريع عملية تسليم الصواريخ والقذائف عبر سوريا، وتحاول أيضاً نقل أنظمة دفاع ضد المروحيات والطائرات من دون طيار الإسرائيلية، التي يستخدمها ’حزب الله‘ بالفعل”. وتابع بن يشاي أن نقل الذخيرة الإيرانية إلى “حزب الله” عبر سوريا هو نوع من الصورة المعكوسة، فبينما تنقل الولايات المتحدة الإمدادات إلى إسرائيل، كذلك تفعل طهران وحلفاؤها في المنطقة. وتعطل إسرائيل هذا الانتشار في سوريا، خصوصاً في المطار العسكري في دمشق حيث تصل بعض الشحنات.
تعطيل إمداد “حزب الله” بالأسلحة
وفي الـ25 من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، ذكرت وسائل إعلام تابعة لـ”الحرس الثوري” الإيراني، أن ضابط “فيلق القدس” ومسؤول الدعم اللوجيستي لـ”الفيلق” التابع لـ”الحرس” في سوريا رضي موسوي قضى في ضربة جوية إسرائيلية على منطقة السيدة زينب في ريف دمشق.
وكانت صواريخ إسرائيلية استهدفت موقعين لـ”حزب الله” اللبناني والميليشيات الإيرانية في منطقة السيدة زينب.
هذه الاستهدافات وعمليات الاغتيال تسلط الضوء على الوجود الإيراني وتحديداً “حزب الله” على الأراضي السورية، حيث تشن إسرائيل هجمات على ما تعتبرها أهدافاً مرتبطة بإيران وميليشياتها هناك.
متى دخل “حزب الله” إلى سوريا ولماذا؟
في شهر سبتمبر (أيلول) أعلن الأمين العام للحزب حسن نصر الله أن “حزب الله” سيقاتل إلى جانب رئيس النظام السوري بشار الأسد.
وبعد ذلك بقليل دخل مقاتلون من الحزب سوريا بعد أن ظل حتى ذلك الحين بمنأى عن الحرب هناك إلى حد بعيد.
وفي شهر يونيو (حزيران) عام 2015، قال نصر الله “لم نعد موجودين في مكان من دون مكان في سوريا، نحن موجودون اليوم في أماكن كثيرة، وأقول لكم اليوم سنوجد في كل مكان في سوريا تقتضيه هذه المعركة”.
ووفقاً لدراسة لمعهد “كارنيغي” للشرق الأوسط في سبتمبر 2018 “قام ’حزب الله‘ بجهوده الأولية لإيجاد حل سياسي، وهو يضع في الاعتبار موقف إيران، التي كانت تطل على الأزمة السورية بكونها تحدياً لمواقعها الإقليمية، وبالتالي رأى الحزب حاجة إلى التدخل مباشرة أو عبر حلفائه. وكشف النقاب عن دور الحزب في عملية صنع القرار الإيراني في مذكرات العميد حسين همداني نائب قائد الحرس الثوري الإيراني الذي قتل قرب حلب في أكتوبر 2015، إذ أشار همداني إلى أنه في ربيع عام 2012 طلب منه المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي التشاور مع زعيم الحزب حسن نصر الله الذي قيل إنه كان مسؤولاً عن سياسة محور المقاومة في سوريا. كان نصر الله التقى خامنئي في طهران في أواخر 2011 لاتخاذ قرار حول التدخل، أي بعد تسعة أشهر من انطلاق الانتفاضة السورية، ثم عاد لبيروت لبدء الاستعدادات، بسبب الحاجة إلى تأطير هذا التدخل على نحو ملائم في المشهد السياسي اللبناني الذي كان يعيش أصلاً حال استقطاب حادة”.
وفي الذكرى السابعة للحرب السورية قال مدير “المرصد السوري لحقوق الإنسان” رامي عبد الرحمن إن حوالى 122 ألف عنصر من قوات النظام السوري والمسلحين الموالين لها من جنسيات سورية وغير سورية قتلوا، بينهم 63820 جندي سوري و1630 مسلحاً من “حزب الله”، وإن عدد مسلحي الحزب في سوريا تراجع أخيراً بشكل كبير، بالتزامن مع تراجع حدة ورقعة المعارك، في ظل تعتيم القيادة عن الأعداد الحقيقية لعناصر الحزب الذين سقطوا هناك.
لماذا لا يزال “حزب الله” في سوريا؟ وما مهمته هناك؟
وفي عام 2013 وبالذكرى السابعة لنهاية حرب يوليو (تموز) 2006 بين إسرائيل والحزب، أعلن نصر الله استعداده للذهاب شخصياً للقتال في سوريا في مواجهة “الإرهابيين التكفيريين”، وقال “إذا احتاجت المعركة مع هؤلاء الإرهابيين التكفيريين أن أذهب أنا وكل ’حزب الله‘ إلى سوريا، سنذهب إلى سوريا”.
ويرفض “الحزب” تحديد موعد لانسحابه من سوريا، وكان نصر الله ربط انسحابه في حال طلبت القيادة السورية ذلك، مضيفاً “ليست لدينا معركة بقاء في سوريا، وما يبقينا هو الواجب والقيادة السورية، ولكن في الوقت ذاته نقول إنه لو اجتمع العالم كله ليفرض علينا أن نخرج من سوريا، فإنه لن يستطيع، فهذا الأمر يحصل في حالة وحيدة وهي أن يكون بطلب من الحكومة السورية”، وذلك في يونيو 2018.
ويقول الصحافي المتخصص في الشؤون الأمنية والسياسية عبدالله قمح إن “حزب الله” قام “خلال فترات متقاربة ومتباعدة بسحب أعداد كبير من عناصره من مواقع في سوريا، تحديداً قوات النخبة لديه، وأبقى على عناصر وقوات محددة في مواقع معينة بالتنسيق مع الدولة والجيش السوريين، لا سيما في المنطقة الجنوبية تحديداً عند الحدود مع الجولان السوري المحتل، وفي المنطقة الشرقية من سوريا لناحية دير الزور، كما في محيط دمشق وريفها الغربي. وهو ترك نفسه في حال تأهب ربطاً بأي تطورات محتملة ورهناً بقرار من الدولة السورية، إذ أبقى نفسه على تنسيق كامل معها من خلال غرفة عمليات مشتركة”.
ويشير أستاذ العلاقات الدولية الأكاديمي خالد العزي إلى أن “حزب الله موجود في سوريا كما بقية الأذرع الإيرانية، ضمن مهمات خاصة للحفاظ على نظام بشار الأسد القائم، وكذلك تأمين خط حماية طريق طهران – بغداد – دمشق – بيروت، وهذا الخط يفتح الحدود أمام الوجود الإيراني في المنطقة ويعطي طهران القدرة للوصول إلى المياه الدافئة التي كانت حلماً تاريخياً لها للوصول إلى المتوسط”. ويضيف العزي “الحزب موجود بطلب إيراني ضمن استراتيجية السيطرة والنفوذ في الدول العربية التي تقع تحت السيطرة الإيرانية، وقرار الخروج أو البقاء من دمشق هو بيد طهران وحدها على رغم خطابات الأمين العام الأخيرة، إذ أشار إلى أن كل طرف من أطراف المقاومة له حرية القرار والتصرف من دون الخضوع لطهران، لكن الحزب يعرف جيداً أن الاستراتيجية الإيرانية هي التي تحدد الرؤية والأهداف للفصائل عامة، وعلى رغم أنه سقط للحزب عدد كبير من العناصر، إلا أنه لا يزال يعتبر أن مهمته كانت استباقية في الدفاع عن المقدسات المذهبية وعن لبنان لكنه بالفعل يدافع عن الخط الذي يربط المنطقة بطهران”.
متى يعود “الحزب” من سوريا؟
يضيف الصحافي عبدالله قمح “لدى قوات ’حزب الله‘ هناك مهمات معينة، فموضوع الجنوب السوري مثلاً يتصل بالملف الإسرائيلي في الجولان. وليس سراً أن ’حزب الله‘ يدعم ويعمل على دعم قوات مقاومة سورية ناشئة هناك، بدليل الاستهدافات المتكررة وطبيعة العمل الأمني الجاري، انطلاقاً من موقعه كمستشار عسكري يعمل بالتنسيق مع الدولة السورية، أي أن وجوده شرعي”. أما عن انتشاره في الشرق السوري فيشير إلى أن هذا “مرتبط، فضلاً عن ضرورات العمل مع الدولة السورية، بطبيعة الانتشار الحربي والعسكري الأميركي هناك، إذ تمثل طرق هذه المنطقة خطاً لوجستياً أساسياً وحيوياً وأحد الطرق المهمة بالنسبة إلى المقاومة، والانتشار العسكري الأميركي هناك من مهماته غير المعلنة أنه يرتبط بمراقبة هذه الطرق استخبارياً ومحاولة معرفة الأساليب التي تستخدمها المقاومة وآلية التنسيق والنقل ومدى الاتصال الحيوي والجغرافي مع العراق. يصبح وجود الحزب هناك يرتبط بالصراع الاستخباري – العملياتي على صعيد المنطقة. أما الانتشار في محيط دمشق فيرتبط بالعمق داخل الجنوب السوري والخطط المتصلة في حماية العاصمة”.
فيما يعتبر الأكاديمي العزي أن “الحزب لا يرى داعياً لهذا الخروج، ولا تزال قواته منتشرة في مناطق سيطرته من الجولان حتى القلمون مروراً بدمشق وحلب ودير الزور، وبالتالي أصبح يحتل منطقة نفوذ واسعة، بعد حمايته للنظام، ولن يخرج من سوريا بشكل عادي، إلا بعد إعادة ترتيب البيت السوري مجدداً، ليكون شريكاً فاعلاً في التركيبة السورية المقبلة، لأن ذلك يعزز دوره ونفوذه أكثر في لبنان، وبالتالي هو لا يحتاج إلى العديد الموجود في سوريا لإشراكه في المواجهات الحالية في الجنوب، ذلك أنه يملك أعداداً كبيرة ومستعد للقتال من خلالها، ويستطيع تحمل خسائر بشرية كبيرة، وهذا ما نشهده اليوم في المواجهات على الحدود الجنوبية”.
عربية