تحولت المواد الغذائية، ولا سيما القمح، إلى وسيلة جديدة من وسائل النظام السوري في حربه ضد المدنيين، إلى جانب سياسة التجويع التي يدفع ثمنها الشعب السوري بارتفاع سعر رغيف الخبز. فبعدما كان القمح المادة الوحيدة التي بالكاد يستطيع المواطن السوري الحصول عليها، في ظل شح المواد الغذائية وارتفاع أسعارها إذا وجدت، تحولت اليوم إلى «عملة نادرة» في معظم المناطق، ولا سيما تلك الواقعة تحت سيطرة المعارضة والمحاصرة من قبل النظام، أي مراكز المدن، وفق ما يؤكد ناشطون لـ«الشرق الأوسط»، مشيرين إلى أن «العائلات باتت تقايض المواد الغذائية التي يحصلون عليها كمساعدات، بربطة الخبز التي لا يملكون ثمنها».
وكان النظام السوري أصدر قرارا الأسبوع الماضي برفع الدعم عن القمح وزيادة سعر الكيلوغرام من مادة الخبز من تسع ليرات سورية إلى 15 ليرة، وسعر ربطة الخبز من 15 ليرة إلى 25 ليرة، ثم عاد قبل أيام ورفع سعر الأرز والسكر بنسبة 100 في المائة، وهو ما أثار خوف السوريين من توسع دائرة الغلاء، التي وصلت، بحسب الناشط عامر القلموني، منذ بداية الأزمة إلى اليوم إلى أكثر من 500 في المائة، مؤكدا في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن أزمة الخبز لم تعد مقتصرة على مناطق سورية من دون أخرى، بل وصلت حتى إلى العاصمة دمشق.
وفي تبرير منه للقرارات الأخيرة، أعلن وزير التجارة الداخلية السوري، سمير قاضي أمين، أن رفع سعر القمح سيسمح للحكومة بتوفير نحو 70 مليون دولار سنويا، وهو أمر مرتبط بارتفاع سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي في الأعوام الماضية. وكانت «منظمة الإغاثة الدولية» أعلنت نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أن سعر الخبز تضاعف خمس مرات في سوريا منذ اندلاع النزاع عام 2011.
في المقابل، يعد مساعد رئيس الحكومة السورية المؤقتة للشؤون الاقتصادية، المنبثقة عن الائتلاف السوري المعارض، أسامة القاضي، «نظام الأسد عمد إلى رفع سعر الخبز ليجد مبررا له من أجل رفع أسعار شراء القمح، وذلك كي ينافس الأطراف التي تقوم بشراء القمح من الفلاح مثل الحكومة المؤقتة والهيئة الشرعية». وأوضح أن «الحكومة المؤقتة رصدت مبلغ عشرة ملايين دولار تقريبا لشراء القمح في حلب ودرعا وإدلب، ويهدف نظام الأسد إلى إغراء الفلاح من خلال رفع سعر القمح من 37 ليرة للكيلو الواحد إلى 45 ليرة».
وأكد القاضي أن رفع سعر الخبز «سوف تتبعه ارتفاعات أخرى في الأسعار، التي ارتفعت أصلا بسبب الضغوط التضخمية الطبيعية المفروضة على الاقتصاد السوري وبسبب كثرة العرض وقلة الطلب، وضعف إنتاج القمح، الذي انخفض من 2.5 مليون طن في العام الماضي إلى 1.8 مليون طن»، مشيرا إلى أن «الأسعار ارتفعت منذ بداية الثورة إلى اليوم بنسبة ما بين 300 و500 في المائة».
ورأى القاضي أن هذا الأمر يدل على أن «هناك تضخما مكبوتا داخل النظام الاقتصادي، وهذا يجعل الأسعار تفلت من عقاله ولا يستطيع السيطرة عليها»، مضيفا أنه «عندما يفقد النظام السيطرة الأمنية على المدن ومعظم المعابر الحدودية، ويعاني عقوبات اقتصادية ولا يستطيع بيع النفط ويعاني شللا بحركة المطارات، فهذا يعني أن هناك فلتانا اقتصاديا».
وتعمل الحكومة السورية المؤقتة والمجالس العسكرية، بالتعاون مع الناشطين في معظم المناطق، على شراء محاصيل القمح وتوزيعها في المناطق المحررة، وفق ما يؤكد مصدر في «الجيش الحر» لـ«الشرق الأوسط»، فيما يبقى الوضع أفضل في تلك الواقعة تحت سيطرة النظام الذي يتولى مهمة توزيع المساعدات على العائلات.
ويشير المصدر إلى أن «المشكلة تكمن بشكل أساسي في مراكز المدن المحاصرة من قبل قوات النظام مثل درعا وحماه وحمص»، لافتا إلى أن «(الجيش الحر) نجح، الأسبوع الماضي، في إدخال شاحنتين من الطحين وشاحنة دواء إلى ريف حمص الشمالي المحاصر مقابل تسليم النظام 53 جثة لعناصره».
وفي الإطار نفسه، يعد الناشط عامر القلموني أنه «عندما يتحول الخبز إلى وسيلة حرب بيد النظام ضد شعبه، فهذه إشارة واضحة إلى أن الشعب السوري مقبل على مرحلة أصعب اقتصاديا واجتماعيا». ويوضح، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أنه «وإضافة إلى ارتفاع سعر الخبز والمواد الغذائية، فإن حصول المواطن السوري على الرغيف بشكل خاص والمواد الغذائية بشكل عام ليس بالأمر السهل، إذ إن وصولها إليه يتطلب في معظم الأحيان المرور بحواجز النظام، حيث يضطر التاجر إلى (شراء العناصر)، أي إعطائهم مبالغ من المال تفوق سعر المواد نفسها»، ويعطي مثالا على ذلك، بأن الطريق من دمشق إلى الزبداني أو القلمون أو الريف الغربي يتطلب المرور بأكثر من 15 حاجزا، والنتيجة تكون ارتفاعا كبيرا في أسعار ربطة الخبز.
يذكر أن إجمالي المساحات المزروعة بمحصول القمح في جميع المحافظات السورية بلغ حتى مطلع فبراير (شباط) 2014، وفق ما أعلنت وزارة الزراعة السورية، نحو 1.2 مليون هكتار مقابل 1.1 مليون هكتار للشعير، في حين تشهد البلاد موجة جفاف شديدة ونقصا كبيرا في كميات الأمطار مقارنة بالأعوام الماضية.
وكان برنامج الأغذية العالمي توقع الشهر الماضي انخفاضا قياسيا في إنتاج القمح بسوريا، في ظل «جفاف وشيك»، كما توقع خبراء أن سوريا قد تحصد أسوأ محاصيل القمح منذ 40 سنة، بسبب عوامل الحرب والجفاف التي تشهدها البلاد، مشيرين إلى أن محصول القمح سينخفض لأقل من مليون طن وبأحسن الأحوال لا يزيد على 1.7 مليون طن، فيما كان متوسط إنتاج القمح في سوريا نحو 3.5 مليون طن قبل الأزمة، ما يكفي لتلبية الطلب المحلي ويسمح بتصدير كميات للخارج.
الشرق الاوسط