سوريا … الحياة والموت

د. كمال اللبواني

إذا مات ابن آدم انقطع عن حياة الدنيا … لكن المسألة قد لا تكون أحيانا مسألة حياة أو موت ، بل أن نعيش الموت والانقطاع عن دنيا الحياة إن كان في زنزانة تشبه القبر ، أو في مهجر لجوء و منفى تشرد لا يقل عنه عتمة وعذابا …

أن تموت يعني أن تنقطع عن أشياءك وناسك الذين يبقون من بعدك ، لكن إذا بقيت حيا وخسرتهم ، فانت تعيش موتهم جميعا، وهكذا نبقى على قيد الحياة لكي نموت كل يوم وبالتقسيط … نموت مع كل شخص نحبه يسقط ، وكل منزل يهدم ، وكل شجرة يجففها اليباس …

سوريا قد خيرتنا بين موتين ، الموت على ثراها ، أو الموت بعدا عنها ، في مكان ليس مكاننا ، وناس ليسوا أهلنا … والفارق بين الموتين هو أن الأول يعتبر شهادة ، والثاني يعتبر نفوقا … حتى السوريين الذين نلتقيهم في المهجر يصبحوا غرباء مختلفين يثيرون التوجس … كما أصبح من بقي في الداخل مخيفا …

خيارات السوريين متقاربة ، أن تعتقل وتموت في زنازينها تحت عصي الجلادين ورفساتهم ، أو تموت من الجوع والأمراض في مدنها المحاصرة ، أو ببراميل النظام وصواريخه وقناصيه ، أو في قوارب اللجوء ، أو حتى بعيدا عنها وشوقا اليها كما مات قيسُ عشقِها … فالفارق بين الميت والسجين أن كلاهما ينقطع عن الحياة ويدخل في الموت ويختفي في النسيان ، وكلاهما يزار وتقرأ له الصلوات في محاولة مقاومة لنسيانه ، لكن السجين يختلف عن الميت بأنه تسأله فيجيب ويرد التحية…

تموت أنت وتبتعد عن أشيائك أو تنعزل عنها … أو تفقدها وتبقى من دونها … فعندما تغيب الأشياء .. تبقى الكلمات ، وحيث يضيق المكان.. يتسع المعنى ، وفي هكذا حال الطريقة الوحيدة لرؤية ما تحب وقد غاب عنك هو أن تغمض عينيك …

الأفراد يولدون ويموتون و المجتمعات تستمر وتعطيهم هويتهم وتصبح هي حياتهم ، لكن عندما تموت هذه المجتمعات فماذا سيحدث للأفراد الذين يصبح عليهم العيش ككائنات منقطعة عن هويتها وحياتها ؟

سوريا هويتنا وحريتنا وحياتنا الوحيدة قد أصبحت وطنا للموت… بل سوريا ماتت كدولة ومجتمع وهوية وحياة ووطن فمتنا كأفراد حتى لو ما زلنا نلفظ أنفاسنا … وبقيت في ذاكرتنا الصورة والكلمة والحلم والأمل .. ؟؟؟ هل سنعمل على استعادتها من موتها … أم نمعن نحن في عتمة موتنا دونها ؟ بعد أن فرضت علينا أن نكون قاتل وقتيل… فارقتنا أو أجبرتنا على فراقها إن كان بالموت فيها أو الموت خارجها … إنها سوريا الموت الذي تعددت أسبابه … فمتى يعود ربيعها وتستعيد أسباب الحياة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.