“مقوّيات” للأسد

لو أدرجت اللجنة الاولمبية لعبة فن تقطيع الوقت في مبارياتها لكانت الميدالية الذهبية من نصيب النظام السوري بلا منازع، ولو قررت كبرى الجامعات احداث كلية لتدريس الماكيافيلية السياسية لوجب ترك كرسي العمادة للبعثيين السوريين، ولو خصصت لجنة الاوسكار جائزة لاطول الافلام الابوكاليبتية لاقتضى حصر الترشيح لها بفيلم الازمة السورية بادارة المخرج بشار الاسد.

ثلاث سنوات، وفيلم الاثارة والتشويق المجبول بالدم والبؤس لم يتوقف لحظة. النظام لم يفوت فرصة الا اغتنمها لتكريس مبدأ البقاء للقوي. راهن كثيرون على اسقاطه وإلحاق رئيسه بركب بن علي ومبارك والقذافي وعلي صالح. سقط الرهان تلو الرهان، لا بل يكاد يسقط كبار المراهنين انفسهم. حفر كثيرون حفرة في سوريا سقط الجميع فيها الا النظام نفسه الذي لا يزال يناور ويعاند ويلعب. جعل ضعف المعارضة وخلافاتها قوة له وسراً للبقاء. واتخذ من تطرف بعض اطرافها وانجرارهم نحو الارهاب ذريعة وحجة لأبشع انواع الرد الساحق. كما جعلهم ورقة مقايضة في البازار الدولي لمكافحة الارهاب وازمة البديل. افاد من الحلفاء اكثر مما افادوا منه، جعلهم ركيزة لتثبيت حكمه، في حين صار وجودهم في سوريا ضرورة وجودية وخروجهم منها خسارة لا تعوض.
ومع اطفاء الشمعة الثالثة للازمة يثبت النظام انه الامهر في فن كسب الوقت وسياسة حافة الهاوية، واشطر من ماكيافيلي نفسه في علومه، وافضل من حفظ امثولة مصائب قوم عند قوم فوائد. المقويات تنهمر عليه في هذه المناسبة غير السارة للشعب السوري، وجلها كان محظوراً عليه لكنه هذه المرة يأتيه من خصومه. اولى الهدايا جاءت من الخليج، فاول المصابين في حريق البيت الخليجي، المعارضة السورية التي يشكل “الاخوان” ابرز اعمدتها. فالتصنيف السعودي لهذه الجماعة بانها “ارهابية”، هو وصفة لمزيد من الصراع والاقتتال داخل صفوف “الائتلاف الوطني” وداخل صفوف المعارضة عموما. وبما ان رهطاً كبيراً من هذه المعارضة يحظى بالرعاية القطرية في مواجهة كتلة وازنة تلقى دعما من السعودية فلا غرابة ان يتحول الخلاف بين الدوحة والرياض اقتتالاً في الرقة وحلب ودير الزور. وهنا لا يمكن تجاهل انقرة التي توفر قاعدة خلفية للثائرين السوريين، فهي حتما لن تكون راضية عن “اللائحة السعودية”.
حتى مصائب الحلفاء قد تكون فوائد لنظام دمشق. فالصفعة التي تلقتها روسيا في اوكرانيا والتي لا تزال ترن في آذانها قد تحفز موسكو على رد مماثل في سوريا وربما دفعت بدمشق الى مزيد من المماطلة في تدمير ترسانتها الكيميائية وتوسيع حربها على خصومها المحليين.
وفي ظل “المقوّيات الجديدة” كيف يمكن تصحيح الخلل وفرض شروط على النظام؟

امين قمورية –  النهار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.