يثب

السلفية والإخوان… الجزء 1

د. كمال اللبواني
Kamalانطلقت الثورة السورية من المساجد. وفي مواجهتها لآلة القتل والقمع الرهيبة، تطورت شعاراتها المنادية بالحرية والكرامة لشعارات دينية بسرعة،… فحصل تنظيم الإخوان المسلمين على موقع متميز جدا داخل المعارضة السورية الحديثة التشكل العفوية التنظيم، وحصل على دعم دولي ومالي ولوجستي كبير، فهو على عكس البقية بدأ من قوة تنظيمية عريقة ومنتشرة في العالم، ومن تاريخ سياسي قديم، ويستطيع الاعتماد على حراك شعبي هائل القوة (إسلامي) الهوى والشعار ..ومع ذلك، وعلى عكس المتوقع من هذا التنظيم، لم يتمكن من قيادة واستيعاب الحركة الثورية، التي وجدت نفسها تسير بشكل متزايد وراء القيادات السلفية الجهادية تلقائيا وبشكل عفوي تقريبا ومن دون تنظيم حتى الآن، متخلية عن كل الألوان الأيديولوجية الأخرى الإسلامية وغير الإسلامية…
والسبب هو أن حزب الإخوان تحول مع الزمن، من فكرة وأيديولوجيا تجمع الناس لتحقيق هدف سياسي ملح وحامي الوطيس ومحرض فعلا، إلى مؤسسة عالمية مستقرة أشبه بدولة افتراضية، وتحول الانتساب لهذا الحزب إلى إقامة في بيت متعدد الغرف، وليس انضمام لحركة تسير في الشوارع لتحقيق غايات، نعم نستطيع تسميته بالبيت الإخواني وليس بالحزب، وفقدان هذه الخاصة جعله يتصرف ببرود شديد، فتصرف الإخوان كجماعة ذات ألوان وأدوار متعددة، وكرجال في دولة لها مصالح مختلفة، وليس كحزب سياسي أو كثوار يسعون وراء أهداف ويضحون من أجلها .. فكانوا يمارسون السياسة المتأنية المحسوبة، وهو أسلوب محافظ بالضرورة.
فتأخروا أشهرا على الانضمام للثورة، وأشهرا أخرى على قبول أنها ثورة مسلحة. ثم كانوا خجولين جدا في طرح أفكارهم الاسلامية، بل ابتعدوا عن الوقوف في مقدمة الثورة وتحمل المسؤولية فيها.. وحرصوا على تقديم واجهات ليبرالية وشيوعية لتسير أمامهم، لكنها مطيعة لهم، لأنها تحتاج لقوتهم كي تكسب بعض الاعتراف بها، ولا تربطها علاقة قوية بالثورة، ومؤخرا ساروا وراء واجهات غير مخلصة للثورة أصلا.. وعندما مارسوا الكفاح المسلح لم يمارسوه كما فعلوا في الثمانينات كطليعة مقاتلة، بل بشكل محافظ أيضا، القليل جدا من العمليات المدروسة جيدا، وبإمكانات محسوبة جيدا، وبعتاد ضخم، واهتموا بالتخزين أكثر من الاستهلاك وبالعمل اللوجستي أكثر من القتالي..
وهكذا شكلوا مجموعات مسلحة منظمة، لكنها ذات سلوك دفاعي، تهتم بالحصول على النفوذ والموارد، ولم تقدم إلا القدر القليل من الإنجازات العسكرية الثورية، التي سبقتهم إليها الجماعات المغامرة المندفعة الثورية الروح، حتى من دون دعم ولا عتاد يذكر، لقد تصرفوا (كدولة-حزب)، مصالحه كبيت أهم من غاياته كأيديولوجيا، وحاولوا احتكار توزيع السلاح والمال والإغاثة بهم، لربط الناس عن طريقها وشراء ولائهم… وهو ما تسبب لهم بعكس ما أرادوا .. أي بالكثير من العداوة والبغضاء. خاصة وأن الكميات الواردة لم تكن مجزية أو كريمة، بل شحيحة ومخجلة بعد احتساب حصة الفساد الهائلة منها، وبدل أن يتعففوا عن هذا العمل، ويسلموه لمؤسسات وطنية غير مسيسة نظيفة ومراقبة، ويلتفتوا للبطولة والقتال في ساحات الوغى، تحولوا لسكان مكاتب وأعضاء لجان ووفود ومؤتمرات وطلاب كراسي وتمويل، وهكذا تحول مسعى الغرب وبعض الدول الصديقة لجعل الإخوان يقودون الثورات العربية (كإسلاميين معتدلين مقبولين منهم) … إلى وبال عليهم في سوريا وقبلها في مصر.
ففي مصر سرعان ما انقلبت عليهم الدولة العميقة المستبدة الفاسدة (التي لم تفككها الثورة التي توقفت بإقالة مبارك) ونجح الانقلابيون بسهولة في إقصاء الإخوان بل سحقهم، بسبب بعدهم عن الناس وفقدانهم للحس المشترك والتفاعل مع الشارع، والإصرار على التعامل معه بفوقية وبلادة، لكي لا يبقى أمامهم من خيارات اليوم سوى دخول السجون أو ممارسة العمل السري وشريكه الإرهاب .. في حين سقطت الثورة المصرية بسبب قيادتهم لسلطتها، وضاعت إنجازاتها لصالح استبداد جديد (هزلي -دموي مضحك) يشكل نسخة سخيفة عن القذافي والأسد وصدام. فأصبح الشعب المصري بحاجة لثورة جديدة تقودها قوى سياسية مختلفة عن كل ما شهدنا من عفن وتخلف سياسي وصدأ وصديد احتل قيادات الثورات العربية بفعل النفوذ والتدخل الخارجي.
وفي سوريا وجد الإخوان أنفسهم يسيرون كأقلية سياسية معزولة عن الجماهير، في قافلة التخاذل المشكلة من الشيوعين والليبراليين والمتاجرين بالأقليات، هذا الركب الفاقد للرصيد الشعبي والزخم الثوري (حصان الغرب والسفراء)، والمعتمد فقط ومن دون الله على الدعم الدولي والخارجي، والعامل لخدمة أسياده ولو كانت في معصية الخالق… يسيرون في هذا الركب مبتعدين أكثر وأكثر عن الشارع و عن مبادئهم و ثوابتهم ودينهم.
وبسبب الحرص على مصالحهم الدنيوية المتنوعة كبيت متكامل، كانوا معرضين للتناقضات ومضطرين للانقسام الظاهري والحقيقي. لكي يتواجدوا في كل مكان بحيث لا يخسروا أي مصلحة ولا موقع، لكنهم بذلك خسروا أنفسهم كحزب له لون وموقف، وحكموا على أنفسهم بالموت الأيديولوجي، وبدخول متحف التحنيط السياسي، الذي لا يمكن إعادة الروح إليه بتصنيع جسد سياسي جديد لروح متوفية (تأسيس حزب وعد) لأن تأسيس حزب جديد يتطلب أيديولوجيا جديدة فعالة وملهمة للجماهير، وليس البحث عن مستَخدمين ووكلاء مأجورين جدد في مؤسسة مهترئة، رغم أنهم في محاولتهم تلك يعترفون بشعورهم بطعم الموت في حلوقهم، وبالحاجة للولادة الجديدة، لكنهم لم يلتفتوا لتجديد الروح والأيديولوجيا بل فقط للجسد الذي لا يحيى من دون روح…
مؤخرا وبعد (رفضهم وانخراطهم) في الحوارات السياسية البراغماتية مع النظام وحلفائه الإيرانيين، (سرا وعلنا) في (جنيف وغير جنيف)، والتي تتناقض مع روح الثورة وطبيعتها، والتي تهدف للحفاظ على بنية الدولة العميقة المستبدة الفاسدة الطائفية، وتعمل على إعادة إنتاج النظام مطعما شكليا بشخوص من المعارضة، يسعى البيت الإخواني الفاقد للشعبية أو أطراف منه لحجز موقع لهم في التسوية الجديدة مع النظام وبالشراكة مع الشيوعيين والليبراليين والأقلويين، طالما هم من يحظون بدعم الغرب ويراهنون عليه. كما يفعل كل من لا يملك رصيدا في الشارع.
وهذا الموقف الانتهازي الذي يتجاهل الثوار الذين دفعوا الثمن الهائل، ليقبض ثمرته غيرهم من المتسلقين على دمائهم والمتاجرين بتضحياتهم، هو آخر ما أتحفنا به هذا التنظيم الذي يتهرب من إعلان موقف موحد وحاسم من التفاوض مع النظام المجرم حتى الآن، فهو رافض علنا ومشارك فعلا، موجود بشخوصه وغير موجود ببياناته …
مع المنسحبين وغير منسحب، مع المشاركين ومع الرافضين و مع كل ما بينهما .. وهو متواجد بشكل من الأشكال على كل الطاولات والجبهات ……!!! كيف جميعا ومعا.. لست أدري !!!
يظنونها سياسية لكنها هي مقتل السياسية ونهايتها.
ويظنونها برغماتية لكنها هي نفاق يلغي الدين ويناقضه .
والسؤال الموجه إليهم اليوم: أليس فيكم رجل رشيد يقول الحق ولو على نفسه… ؟
أم تظنون أن هذا الشعب غبي ورخيص كما فعل الأسد ومقلدوه في مصر !! أي بؤس.. وأي منقلب تنقلبون.
يتبع في الجزء الثاني ….

 2014/2/16

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.