دفاعا عن الجنرال

د . كمال اللبواني

Kamalبالأمس التقيت الجنرال سليم ادريس رئيس أركان الجيش الحر ومعه قادة الجبهات العسكرية وقادة المحافظات ، و بعد حديث صريح وطويل شعرت بضرورة توضيح الموقف لمن غابت عنه بعض زوايا الموضوع:

– قلنا له لماذا لم تمتثل لقرار الشرعية ؟

الشرعية ؟ مجلس الثلاثين ؟ .  من هم؟ وماذا يمثلون؟ ولماذا هم أصحاب القرار؟ وكيف تم تعيينهم ؟؟ هل هم يمثلون قوى الثورة .. عندها أقف باستعداد أمام حضراتهم ! … لكن لماذا وزير الدفاع المتشاجر مع رئيس الحكومة والذي بادله الاهانات والاتهامات يشترط  تنحيتي أنا  للعودة عن استقالته المصطنعة .. ومن أوحى له بذلك ومن يقف وراءه ويمده وضمن أي سيناريوا يتم ذلك ، ومن هو صاحب معادلة إما أن نخرب الحكومة أو نستولي على الأركان … ولماذا اتخذ القرار في ليل وسرية ، ولم نتدارس مشاكل المجلس والأركان والحكومة وغيرها ونتوافق على حل، بعيدا عن الكيدية والشخصنة ، وعقلية الاستزلام وشراء النفوذ والولاءات، والاستقطاب والاقصاء التي يعمل بها للأسف رئيس الإتلاف المتحالف مع بعض الشيوعيين والإخوان ، ألستم انتم ضحية هذه العقلية مثلنا ؟

– وهل للموضوع علاقة بعودتهم  الخائبة من جنيف نقصد تحالف جربا – كيلو – طيفور وشغيلتهم ؟

وهكذا .. ما نريد قوله أن مسألة الشرعية المفترضة التي يدعيها البعض، لم تأت من تفويض الشعب، بآليات التفويض الصحيحة، بل أعطيت لأشخاص معينين، يأمرهم من يملك النفوذ والمال، و تتخذ مجالسهم المعينة بتوافق الدول الداعمة والجهات الوصائية قرارتها بالمحسوبيات والصفقات والتدخلات والتدليس، ويغيب  عن هذه المجالس فكرة المؤسسات واحترام النظام والمواثيق …  فغياب شرعيتها مزدوج : أولا هي معيّنة ، غير منتخبة من هيئة ناخبة محددة، وثانيا هي لا تحترم نظام العمل المؤسسي ووسائل اتخاذ القرار …  ومع ذلك يدعون الشرعية والتمثيل الفريد للثورة والشعب، لا لشيء إلا لأن أكثر من  100 دولة تريد أي هيكل سياسي للمعارضة، لكي تعترف به وتتعامل معه كجهة ممثلة للشعب السوري، بعد القطيعة مع النظام .. وقد احتارت كثيرا بسبب الفرقة والتنازع الذي يحدثه تدخلها السافر هي ذاتها، الناجم عن تنافسها على السيطرة على قرار المعارضة ، و تحريضها على التناحر غير الشريف على الزعامة بين وكلائها… و لكنها في النهاية تمثيل كاذب يقبع في فنادق الخارج وليست ناتج الداخل والثورة ولا الشعب السوري …

الشرعية أخوتي ..  لا تبدأ من المال النفطي ، ولا تأتي بالرافعة الأجنبية … الشرعية تأتي من خنادق القتال وسجون الطاغية .. و من الشعب بطرق التفويض المعروفة ، و تتدعم بالتاريخ  الناصع والموقف الناضج ، وبحسن الأداء  والنزاهة ونظافة الكف واحترام المؤسسة والنظم والمواثيق .

أما إذا كانت الشرعية المزعومة تبدأ من المال السياسي ، وهو الواقع بكل أسف ، فإن مصادر هذا المال تأبى أن تقدمه حتى الآن لمؤسسة وطنية مراقبة، وتختار من الوكلاء المضمون ولاؤهم، لكي تزودهم بالمال الذي يشترون به الولاءات والنفوذ  ومن ثم القرار ، وتختار من هم كاملي التبعية ، فاقدي الموقف، ممسوحي الشخصية، وعليه يتم تلقائيا استبعاد الشخصيات الوطنية، ذات التاريخ  واللون  والموقف، والذين يجدون أنفسهم في الصفوف الخلفية وراء المتسلقين والانتهازيين وحملة المناشف، يستجدون دورا أو تقديم خدمة صغيرة ،أو يتعففون ويغادرون. أو يتحولوا لحملة مناشف ومعطراتيه بكل هوان وصغر واسفاف، يشبه دورهم دور شريف شحادة ، لكن بلونه المعارض الأخضر مطبلين مهللين لقائدهم الملهم  مع فارق الاسم والطلة … أسمعهم كيف يكيلون المديح على الشاشات بشكل متناسب مع الراتب الضخم الذي يتقاضونه … دون خجل من الله ومن الشعب ودموع الأمهات .

فهذا (الدكتور المفكر) مثلا : قد استبعد لأنه أراد أن يعدد ولاءاته، وحاول ارضاء أكثر من طرف نافذ في الوضع السوري، و عندما تحرك على عدة حبال معا ، أيام المجلس الوطني ، سقطت الزعامة  من يده وصار يسير وراءها في ركب وكلاء وموظفي الشيوخ ورجال الأعمال. وهذا (السياسي المخضرم ) هو الآخر يطرق  بنفسه أبواب مصادر الدعم .. دونما فائدة تذكر  لأنه ببساطة قد يكون لديه مشروع لم يفصح عنه، و قد يخرج عن الخط الداعم في لحظة أو مكان، في النتيجة أجبر هو الآخر على البقاء خلف العرب البدوان، رغم الرافعة الغربية الصليبية التي حاولت رفعه،  وهكذا تجدون أن  الكتل تتوزع وتصوت وفقا لرغبة مصادر الدعم، ليصبح الاستقطاب مبني على أساسها، وليس على أساس برامج أو أيديولوجيات وطنية، و التنافس بينها يصبح تناحرا بين الوكلاء على الاستئثار بالقرار والكراسي والمال ،

لقد استغل محور (كيلو – الجربا)  غياب بقية الدول الخليجية وتركيا عن الملف السوري، لزرع أزلامه في كل مكان، والتغول على القرار السياسي والعسكري والاغاثي السوري ، وهذا هو السبب الحقيقي الكامن  وراء اقالة رئيس الإركان الذي كان يحافظ على درجة عالية من الحياد بين مراكز النفوذ، و بين الدول الداعمة . فاتخذوا قرارهم في ليل متذرعين بعجز وشلل الأركان .. الذي لا يمكن أن يحل بهذه الطريقة .

التصارع والتقاسم والمحاصصة ليست فقط في الائتلاف بل في المجلس العسكري الأعلى الذي تشكل صوريا بعد شد شعر كبير وطويل انتهى ليس باختيار الأكفأ ، بل بشراكة ومحاصصة تتبع حجوم وقوة مصادر التمويل ( التي هي مصدر الشرعية بكل أسف) واختير سليم ادريس من بين الضباط كرجل توافقي، لقدراته الادارية والسياسية واعتداله أولا قبل قدراته الميدانية ، ولكونه يستطيع أن يتحمل كل هذه التجاذبات والتناقضات والتدخلات السافرة …   تخيلوا أن الحابل والنابل يوزع الرواتب على ضباطه وقطعاته ويشتري ولاءاتهم ، وتخيلوا العمليات العسكرية تمول وتنفذ من دون المرور عنده ، وتخيلوا أن يوزع ما يأتيهم من عتاد بناء على قرار سياسي يحرم منها المجاهدين لأنهم اسلاميي الهوى .. والذين ثاروا بدورهم على ذلك وسلبوه مخازن الأركان، رغم ذلك تفهم الرجل تصرفهم ، ولم يعمل بردات الفعل ، أما رفاقه قادة الجبهات والمجالس العسكرية فهم مقاتلون حقيقيون في الجبهات حافظوا على ما تبقى من شرف ووطنية الجيش العربي السوري الذي أراد النظام أن يزجه كاملا في قتل شعبه ، وحافظوا على الصيغة الوطنية للسلاح المعارض ،أمام  الزحف المليشيوي والحزبي ، ووقفوا ضد التطرف ، وهم فعلا لا يستحقون من سياسيي التمويل والفنادق  هذا الاجحاف والاستبعاد عن ساحة القرار ، وهم الأولى باختيار من يقودهم ويدير أركانهم .

وبدل اصلاح كل هذا الخلل ، يعود الخائبون المخادعون من جنيف، الذين برّروا ذهابهم إليه بضمانات وبوعود كاذبة لم يتحقق منها شيء ، ويجددوا خداعهم بوعود كاذبة بسلاح نوعي ،  وبدل أن يستقيلوا ككل فاشل مراوغ متسلق، ينقلبون من فور عودتهم على مؤسسة الأركان والجيش الحر لتخريبها، فيقيلوا رئيس الأركان ليتغولوا على القرار العسكري، ويعمموا فشلهم ، ويرمون بتبعيته على شخص ادريس والعسكريين، مع أن هذا الفشل هو فشل سياسي بامتياز ، هم من تسبب به ، عندما تركوا الشأن العسكري تحت هيمنة ورحمة مراكز التمويل والدعم ، ولم  يحصنوه من التدخلات ولم يؤمنوا  موارد وطنية تسنده وتعزز استقلاله، والتي وقعت بسبب غيابهم السياسي بيد داعش والعصابات، ثم عدم بذل أي جهد لتوحيد الفصائل العسكرية، وهو واجب السياسيين أولا وأخيرا . ثم توجوا خيباتهم بالذهاب لجنيف متسببين بالانقسام السياسي  والعسكري، وبحالة الاحباط التي تقف وراء تسليم الجبهات في أكثر من مكان .

نعم هم يحولون الأنظار عن فشلهم وتراجع الثورة ، ويتذكرون فجأة أن هناك معركة في سوريا ، وأن هناك أركان معطلة كليا ، بعد أن كانوا منشغلين عنها في فنادق وحفلات التصوير في جنيف ، ويقررون فجأة أن سبب الفشل هو شخص ادريس ويستبدلونه بقرار كيدي بامتياز ، دون أي اصلاح أو تغيير في الظروف التي أحاطت بعمله، لينقلوا المعركة بعيدا عنهم لمكان آخر ، ويذروا الرماد في العيون، لكي لا تتمعن في خيباتهم، التي تستدعي المحاسبة بل المحاكمة، ويكفي هنا العودة لتصريحاتهم التي سبقت ذهابهم لجنيف لنعلم كم كذبوا على الناس (ومن فمك ادينك يا ابن الإنسان ).

أخيرا أقيل الجنرال ادريس ، بقرار من أحد وكلاء مصادر المال والشرعية، الذي يريد استغلال تراجع المنافسين للتغول على قرار الثورة والشعب،  وبيعه في سوق البزار الدولي على سوريا والمنطقة ، و ليضيع مصالح الشعب الأبي وتضحياته ، في سوبرماركت  الدول الداعمة والنافذة بكل آسف ..

أقيل ادريس بسبب اختلال التوازن الذي جاء به ، لكنه لم يخسر وطنيته واخلاصه وشرفه العسكري، مثله كمثل بقية الضباط الشرفاء الذين انشقوا عن النظام وتطوعوا لخدمة الثورة ، ويكفي أن نذكر بمواقفه من ثوابت الثورة والوطن ….  لكنه أيضا تخلص من المداراة  والمجاملات التي كنا نلومه عليها … وعاد ثائرا بين شعبه يقاسمهم الخبز والعرق والدم ، ونحن معه نشد أزره … لأن ذلك أقرب للتقوى، وأبعد عن شرعية التمويل والولاءات والاستزلام  والفساد وسرقة أموال الثورة و شراء قرارها من صغارها . فالقسمة مشروعة عندما تكون فرزا بين الخبيث والطيب والحق والباطل ..

هل ستحرض هذه الاقالة الرغبة في اعادة هيكلة الائتلاف والمجالس العسكرية والأركان،  لتكون أكثر تمثيلا للشارع ، ولقوى الثورة ، وتعيد انتاج قياداتها كلها  وتعيد النظر بوسائلها . أم ستتبعها خطوات  جديدة نحو الوراء في طريق التفريط والهزيمة  … طريق جنيف والتنازل للمجرم ووأد الثورة … هل ستتحد قوى الأركان والجبهات الاسلامية والمنسحبين والمستبعدين وتقود مشروع الاصلاح ، أم ستتسابق لتحقيق صفقات خاصة ، كل طرف لحسابه الخاص  على حساب الطرف الآخر ، ومن خلف ظهره ، وعلى حساب الصالح العام أخيرا ، هل سيعود المتمردون على الاستبداد والفساد داخل المعارضة للحضن الدافئ وتمسيح الجوخ وتقاسم الغنائم ( و يا دار ما دخلك شر ، وما في خلاف ولا فساد ولا تغول ، والأمور بخير وعال العال …. وخلي الأسد قد ما بدو ، المهم نرضي ممولينا ، ونأخذ حصتنا من الموضوع  ويقول عنا الأمريكي شجعان لإنو بعنا قضية شعبنا  وما استحينا ) ؟؟؟ …

الأيام القادمة ستحمل لكم الجواب .

2014/2/23

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.