يثب

من هم قادة المعارضة السورية التي ستفاوض النظام ؟؟؟

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

بعد إجتماع الرياض واختيار وفد مفاوض يمثل المعارضة السورية … يبدو واضحا أن المطلوب من هذه العملية هو إعادة انتاج النظام لكي يتوقف الصراع في سوريا، وهذه النتيجة التي انتهت إليها خمس سنوات من الثورة تؤكد وترسخ اعلان فشلها، ليس بسبب مؤامرة خارجية كما سوف أشرح ( رغم وجود هذه المؤامرة لكنها ليست هي السبب الكافي ) بل بسبب بنية المعارضة السورية وثقافتها ذاتها:

قيادة المعارضة السورية أو من يسمون كذلك هم عدة أصناف:

1- صنف شارك النظام سابقا وشبح معه ، وعندما اختلف مع رموزه على نسب الحصص والمنافع وتعرض للعض، تحول للمعارضة وصار ينتقد النظام ، ليس لعلة فيه بل لأنه تحول من شريكه لضحيته، وهذا يشمل رجال الأعمال والنافذين في المجتمع الذين يشكلون مكونا أساسيا من الوفد المفاوض الذي تم اختياره … والذين مارسوا الفساد في مؤسسات المعارضة بشكل يفوق ما مارسه رامي مخلوف نوعا وقذارة . فهم لم يكونوا ضد النظام لأنه فاسد ، بل هم ضد أشخاص النظام فقط ، يحملون مثلهم ثقافة الفساد والاختلاس والغش والتزوير ، ويريدون أن يتحكموا هم بهذا النظام  ويتنعمون هم أيضا بفساده …

2- صنف آخر يمثل جماعات سياسية ترى في نفسها أنها أولى بقيادة النظام ، فهي لا تختلف عنه في البنية والفكر والسلوك بل في الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم مؤهلين أكثر من شخوص النظام … نميز منها التيار الناصري الذي أوجد الاستبداد في مصر ، والتيار البعثي العراقي الذي أنتج نظام صدام ، والتيار الشيوعي الذي أنتج الأنظمة الستالينية في آسيا وأوروبا الشرقية، والتيار الإخواني الذي أراد استبدال مصدر شرعية الاستبداد والتسلط والشمولية من الفكر الثوري إلى العقيدة الدينية . ويعتبر نفسه أولى بالاستبداد واحتكار السلطة لأنه يستمد شرعيته من السماء . ولكنه أبدا لم يعترض على بنية الاستبداد ولم يؤمن يوما بسلطة الشعب الدنيوية التي تراقب الحاكم وتعزله. ونظامه الموعود شاهدناه في مصر لفترة بسيطة.

3- المنظمات الكردية التي لم تكن ضد النظام إلا بقدر ما كانت ضحيته، و لم تعترض سابقا على التمييز القومي وعدم احترام حقوق الإنسان لأنها ضده من حيث المبدأ بل لأنها ضحيته، وعندما استطاعت بناء ملامح سلطتها الخاصة  عادت لتمارس بحق غيرها ما كان يمارسه النظام بحقها، وبشكل عنصري وقمعي فاق ما فعله النظام العربي .

4- صنف آخر يتكون من مجموعة من نشطاء الأقليات المستقلين الذين سبق واعترضوا على النظام لأنه لم يعطيهم حصة مرضية في نظامه الطائفي، لم يعترضوا على طائفيته وجرائمه بل على توزيع فوائد هذه الطائفية والجريمة … أي على الحصة من (سوق السنة)  وليس على تعفيش ممتلكات السنة.

5- منشقون عن النظام شاركوه لفترة طويلة وكانوا جزءا منه وعمادا فيه باستبداده وفساده، ولكنهم اعترضوا مؤخرا ليس على بنيته ونظام حكمه وثقافته ، بل على سلوكه الإجرامي بعد الثورة ، والذي يفترض أنه متوقع وطبيعي أن يصدر عن هكذا نوع من الأنظمة. وهم فكرا وسلوكا ما يزالون جزءا من هذه الثقافة الاستبدادية الفاسدة ، ولم يخرجوا منها .

6- مقاتلون خرجوا ضد النظام الطائفي الأمني المستبد المتغطرس المتوحش بسلاحهم، ولكنهم مارسوا الطائفية والاستبداد وحتى التعذيب الوحشي وانتهاك حقوق الانسان والأقليات بذات القدر الذي مارسه النظام بحقهم … فثورتهم ليست ضد الطائفية بل ضد طائفة، وليست ضد الوحشية بل فيها. مبررهم الوحيد أنهم يدافعون عن أنفسهم بطريقة العين بالعين.

7- الصنف الأخير والأهم وهو المتزعم هم مجموعة رخيصة من خدمة النظام السابقين وأزلامه الصغار ومأجوريه وعملائه استفادوا من خبرتهم في الاستزلام والتدليس وحمل المناشف ، وتحولوا بذات الصفات لخدمة الدول النافذة التي رعت اجتماع الرياض ووحدة المعارضة ، وبالتالي صاروا في قيادة هذه الثورة والمعارضة التي يفترض أنها خرجت ضدهم وضد أمثالهم ، والنظام ذاته يحتقرهم  ولا يتقزز من شراكتهم ، ويأنف من التحاور معهم ، فهم فعلا مقرفين أكثر من النظام لأنهم يمثلون فضلاته وروثه … لذلك مشاركتهم بالسلطة الانتقالية ستعطيها نكهة مميزة وطعم جديد مقزز أكثر .

منذ ربيع دمشق كنا نقول أن معارضة شخوص النظام شيء ، ومعارضة منطقه وبنيته وثقافته وسلوكه شيء آخر ، لذلك كنا نحرص على اقامة الحوارات التي تنشر الوعي بهذا النظام ومكامن الخلل الذي يجعلنا جميعا نعاني منه ، ونسعى لنشر ثقافة مختلفة عن ثقافة الاستبداد والشمولية والتعصب الديني والقومي والطائفي . لكن هذا الربيع قتل مبكرا وهو طفل يحبو ليعود بعد عشر سنوات متفجرا على شكل ثورة غضب شعبية عفوية ، الربيع العربي كان يفتقر فعلا لنضوج ثقافة الحرية والديمقراطية والمؤسسات ، وتركز فقط على شخوص النظم السابقة وسلطاتهم ، ويعاني من غياب النظرية والثقافة ، وغياب التنظيم ، والمؤسسات البديلة . فالربيع العربي كان عبارة عن تفجر داخل النظام العربي وليس ثورة ضده وعليه ، لذلك كانت نتيجته هي اعادة انتاج الأنظمة بطريقة أخرى  إن كان في تونس أو في مصر أو ليبيا واليمن ، واليوم في سوريا .

وحدهم المثقفون العصاميون المطلعون على تجربة أوروبا الديمقراطية والتحولات في أوروبا الشرقية ، هم من كان على علم ودراية في بنية النظام وفي عناصر التغيير المطلوبة، وهم من صاغ شعارات الثورة الأولى التي لم تتحول لممارسة أبدا ، بل سرعان ما طمرت تحت شعارات أخرى ذات طبيعة مشابهة لطبيعة النظام الطائفي الشمولي ، ولكن بتلاوين مختلفة … وسرعان ما طبقت أشكال أخرى من نظم الفساد والاستبداد والوحشية باسم المعارضة.

فالثورة هي ثورة على نظم وبنى وأنماط تفكير واجتماع يتجسدون في أشخاص ، والمعارض ليس فقط من يكتب بوست أو يخرج في مظاهرة ، بل هو من يحمل ويطبق ثقافة وقيم مختلفة… والثورة على احتكار التمثيل والاستبداد وعلى الفساد وتغييب القانون وحرية الرأي وحق المشاركة في الحياة السياسية من دون تمييز ، وعلى الوساطة والمحسوبيات والتشبيح ، وانتهاكات حقوق الانسان وكرامته ، والمعارضة هي ثورة تغيير في الذات تسبق قهر الآخر وهزيمته … فتغيير النظام ليس في تغيير شخوصه فقط ، واستبدالهم بشخوص يعيدون بناء نظم مشابهة . بل بتغيير الأسس التي قام ويقوم عليها ، وتغيير الثقافة السياسية والوعي الذي تقوم عليه ، وهذا لم يتغير حتى الآن ، ليبدو أن الشعوب العربية ستحتاج للتيه 40 عاما في صحراء الفشل والتخبط التجريبي قبل أن تظهر أجيال جديدة بوعي جديد أدركت بمعاناتها مكامن الخلل وطورت وسائل المناعة ضدها …

اليوم نصل إلى نهاية إعلان فشل الثورة، التي سقطت وبقي النظام بسبب عجزها عن انتاج قيادة غير هذه ، و غدا عندما تعود المعارضة السورية المتجسدة في الرياض لحضن النظام فهي تعود إلى نفسها ، بعد أن فشلت في إزاحته واحتلال مكانه، و فشلت تماما في انتاج أي شيء مختلف عن هذا النظام في كل مؤسساتها وهيئاتها التي عرفناها جيدا،

النظام باق بكل الأحوال إن سقط شخص بشار أو بقي ، بمشاركة المعارضة أو من دونها … لا فرق،  فمن يسمي نفسه معارض هو بشار آخر في الواقع وعليه أن يعارض نفسه وسلوكه أولا ، لأنه شكل من أشكال النظام وأحد تعبيراته ورجالاته ،

وعودة المعارضة والنظام للتوافق هي كعودة العاشق لعشيقته ( ولقاء فيينا بينهما سيكون أشبه بقصيدة نزار قباني : ما أحلى الرجوع إليه ) والغرب أدرك أنه لا بد من وقف هذا الصراع العبثي بين مكونات وشخوص وتجسيدات النظام المختلفة ، وأن الحل هو بالتوفيق بينها تحت شعار وقف حمام الدم الذي لم يعد صراعا بين حق وباطل لذات السبب، بل بين باطل وباطل ،

والشعب أيضا أدرك أن حلمه بالحرية وسلطة القانون والعدالة والنزاهة والمحاسبة والديمقراطية هو حلم مقتول لا محالة إن سقط النظام وحكمت المعارضة أو بقي النظام وسقطت المعارضة ، بل مقتول حتما إذا توافقوا معا فهم لن يتوافقوا إلا على باطل يجمعهم ثقافة وسلوكا، طالما أن من يعارض النظام يعارضه بثقافة النظام ذاتها، لكن هذا الشعب حصر حلمه الصغير بأن لا يرى  شخوص القتل والإجرام ، و أمل في تبديل الجلاد والسياف والسجان ومع ذلك خسر حلمه الصغير هذا على أيديكم .

 ما سيجري في كل حال هو استبدال استبداد باستبداد جديد وفساد بفساد آخر … وكفانا  اتهاما للآخرين … فأنتم يا مجلس الرياض وقبله الائتلاف والمجلس الوطني ، وبشخوصكم التي تتكرر ذاتها، لم تكونوا يوما معارضة للنظام بل معارضة لشخوص النظام من داخل ثقافة النظام وبقيمه ذاتها، ولم تكونوا ممثلين للتغيير الذي يطمح به الشعب، ولم تجسدوه في سلوككم يوما حتى عندما سنحت لكم الفرصة، بل كنتم وستبقون طلاب سلطة فساد واستبداد واختلاس وتشبيح على الشعب. والدول التي تساعدكم لا تعرف الحرية ولا الديمقراطية ولا تحترم كرامة وحقوق شعوبها ذاتها فكيف ستحترم كرامة وارداة شعب آخر … إنها سعيدة بأمثالكم لكي تقضي على أمل شعوبها بالتغيير . فأنتم الأبطال الحقيقيين الذين يستحقون التكريم في نظرها. بينما تموت النساء والأطفال تحت الحصار وفي خيم التشرد دون تفكير حتى في إغاثتهم من دول تبذر مئات المليارات .

نحن نفهم أن السلطة هي ما تنشدونه من وراء معارضتكم ، فكل فرد منكم قد عبر عن تمسكه بالزعامة والسلطة بشكل يشبه بشار ، وصراعكم وتنحاركم لم يكن يوما على شيء آخر غير تخاطف المنافع والسلطة، بدليل توحدكم أخيرا بكل ألوانكم على بقاء النظام بشرط أن تكون لكم حصة فيه بضمانات دولية ،

نعم أنتم كلكم بشار وخلافكم معه لم يك إلا سحابة صيف وسوء تفاهم، ومن الطبيعي أن تنتهوا لهذا الوفاق والتآخي معه ، ومن الطبيعي أن يعود الحبيب للحبيب ، عملا بقول الشاعر

( بدل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول )

كل شهداء الثورة وكل تضحياتها لا قيمة لها عندكم ، لأنها سقطت خطأ في مكان ومعركة خاطئة ومؤسفة  بين النظام والنظام… نحن ندرك أننا قد خسرنا معركة الحرية والكرامة منذ أن شاهدنا سلوك المجلس الوطني والائتلاف ووحدة تنسيق الدعم ، والحكومة المؤقتة والمجلس العسكري الأعلى ، وأمراء الحرب، وكذلك نوع العدالة وسلطة القانون التي سادت في المناطق المحررة، ومستوى العمل المؤسسي والنزاهة التي سادت العمل الإغاثي … اليوم مطلوب منكم ومن الدول الراعية ، فقط تنظيف سجن الأسد وشركائه وإعادة الخدمات إليه لكي يعود السجناء لقيودهم وبدلاتهم الجزائية ومهاجعهم، ربما يتابعوا حياتهم تحت سلطتكم …. فهل ستفعلون؟ هل تعدوننا باعادة تشغيل سجن كبير كان اسمه سوريا …

إحذروا ذلك لأن السوريين قد يفكروا ويخططوا لثورة جديدة ، عندها لابد ستقتلوهم كما قتلهم بشار فأنتم الثورة والشرعية والديمقراطية ومن يعارضكم هو ارهابي حتما، إحرصوا على استبعاد أكبر قدر من السوريين عن سجتكم ، فما تبقى من سجناء في حظيرتكم يكفوكم … وقد يسكتوا طويلا وقد يفكروا بثورة أخرى ضدكم أيضا لا ندري … لكنهم إذا فعلوا فلن ينتجوا قادة من أمثالكم أبدا لأنهم تعلموا الدرس؟ والمؤمن لا يلدغ من حجر مرتين .

وكل ثورة وأنتم بخير .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.