يثب

الإرهاب في سوريا … توصيف وتصنيف خاطئ

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

تهتم أجهزة المخابرات العالمية في تحديد الجماعات الإرهابية في سوريا التي يحتمل أن تهدد الغرب فقط ، ولا تعتمد معايير موضوعية وعلمية تنطبق على الجميع ، فكل الجماعات والممارسات الارهابية في المنطقة التي لم تستهدف الغرب هي خارج البحث والتفكير ، ناهيك عن سلوك الأنظمة الإجرامي، والغرب نفسه يتصرف بمعايير مزدوجة ولا يؤمن بعدالته ويعطل محكمة الجنايات الدولية … ومع ذلك يبرر لنفسه شن الحروب بالتعاون مع قتلة ومجرمين عاثوا فسادا وقتلا في المنطقة، ضد الشعوب التي تدافع عن نفسها بحجة محاربة الارهاب، وذلك بوقاحة وأنانية تصل حد العهر .

أي أن عملية التعريف والتصنيف الدولي هذه مسيسة وليست معيارية حقوقية وعنصرية ومزدوجة المعايير … وتختلف باختلاف ضحاياها فإذا كان الضحية غربي وكان مستخدم العنف اسلامي فهي ارهاب، وإذا كان غيره فهي حادث مؤسف.

النظام المجرم الذي يقتل شعبه بهدف ترهيبه وترحيله لأهداف سياسية واضحة وهو البقاء في السلطة … يصبح شريكا في محاربة الإرهاب المزعوم، والشعب الذي يدافع عن نفسه وبيوته وعيشه وكرامته يصبح ارهابيا، فقط لأنه تسلح بالقيم الدينية في هذه المواجهة القاسية … ولأن أجهزة مخابرات دولية دست منظمات تدعي انتماءها للثورة لتقوم بعمليات ارهاب استفزازية استعراضية ضد الغرب لتستخدمها كمبرر للاستمرار في جريمتها ضد الشعب والمدنيين .

لذلك نحن نعترض على هذه المقاربة العنصرية الظالمة والفاقدة للموضوعية والعقلانية ، وهذا لا يعني أننا نؤيد الارهاب، بل بالعكس من ذلك نؤيد محاربة كل أنواع وأشكال الارهاب ، ونرفض محاربة الارهاب بالارهاب ذاته ، وعليه فنحن نعارضها بمنهج مختلف  في التعريف والتوصيف والتصنيف :

تعريف الإرهاب : من المتفق عليه دوليا أنه استخدام العنف (من دون تمييز) لترهيب المجتمع بهدف تحقيق غايات سياسية .. وهو فعل يمكن أن تقوم به مجموعات أو منظمات بأسباب وأيديولوجيات مختلفة . لكن الاستخدام الممارس عمليا للتوصيف هو المنظمات الاسلامية التي تتبنى الجهاد وتقوم بعمليات انتحارية . مع أن الارهاب في القرن الماضي كان شيوعيا وماركسيا … ولا علاقة له بالدين .

أنواع الارهاب في سوريا :

  • – إرهاب السلطة الحاكمة : تقوم السلطة الحاكمة بتعمد نشر الخوف والرعب وتستخدمه من أجل البقاء في السلطة ، وتمارس من أجل هذا الهدف السياسي كل من : الاعتقال والقمع والخطف والتعذيب والقتل والقصف واستهداف التجمعات السكنية بكل صنوف الأسلحة بما فيها الكيميائية وباستخدام جيوش أجنبية وميليشيات طائفية، وتستخدم سياسات الحصار والتجويع بشكل منهجي وعلى نطاق واسع شمل أغلب الشعب السوري .
  • – إرهاب جيوش الاحتلال: تقوم الجيوش الروسية والايرانية بقصف المناطق الثائرة بهدف تركيعها واعادتها للخنوع والقبول بسلطة نظام الأسد … والقبول بالوصاية عليه وبالسلطات الطائفية لتحكمه…
  • – إرهاب الميليشيات الحليفة للنظام : حزب الله والميليشيات العراقية والأفغانية والايرانية تقوم بإرهاب منهجي طائفي ضد المناطق السنية وترتكب جرائم تهجير وابادة … كذلك منظمات كردية تقوم بترهيب وترحيل السكان العرب من مناطقها .
  • – ارهاب المنظمات الاسلامية : منظمات تستخدم الجهاد الديني كآيديولوجيا وتبرر استخدام العنف الهجومي ضد المجتمعات لتحقيق غايات دينية وسياسية . ( هذا البند سنتوسع به ، لأنه الوحيد الذي ينظر له كإرهاب ..)

البند الأول والثاني والثالث هو خارج اهتمام الدول ومستبعد من الاعتبار ، فقط يجري التركيز على البند الرابع ، بل يجري تبرير استخدام الارهاب لمحاربة الارهاب … فالدول لا تهتم بمحاربة الارهاب بحد ذاته ، بل فقط النوع الذي يستهدفها ، وتستخدم في حربها وسائل ارهابية وتتعاون مع ارهابيين … لذلك فالحرب على الارهاب هي إرهاب أشد وأبشع منه و امعان في هذا الارهاب ومساعدة لإرهاب آخر هو ارهاب النظام ، وهذا يتسبب في تعزيز الارهاب المضاد كعملية انتقام بالمثل… لذلك نقول أن جهود محاربة الارهاب تدخل في حلقة مفرغة من الارهاب والارهاب المضاد لا يمكن الخروج منها من دون اعتماد معايير ومفاهيم وقيم تنطبق على الجميع … وإلا فإن الوحشية والهمجية فقط  هي من ستحكم بين البشر .

وحتى لو قبلنا بتجاهل البنود الثلاثة لكي لا نبرر الارهاب بالارهاب كما يفعلون، فإننا ندعو لمناقشة مدى انطباق البند الرابع على المجموعات المقاتلة :

  • – الارهاب فعل هجومي : وكل عنف دفاعي ليس ارهابا ، بغض النظر عن لون وشكل العلم والآيديولوجيا التي يتم تحتها هذا الدفاع المشروع عن النفس ضد عدوان غاشم لم تستطع العدالة منعه .
  • – لا بد لأي فعل له هدف سياسي من مبررات آيديولوجية ، ولكن هذه المبررات لا تكفي لوحدها لتبرير التوصيف من دون فعل منطلق منها ، فالذي يحمل أيديولوجيا الارهاب وينقذ طفلا هو ليس ارهابي ، ومن هو تكفيري في عقله وعقيدته ولكنه يدافع عن أسرته وأهله فهو ليس ارهابي … لذلك كل تهمة الارهاب تسقط طالما أن المجموعات لم تنتقل لفعل الإرهاب وما تزال في طور الدفاع المشروع ، والتوصيف الصحيح أنها مجموعات متشددة يمكنها أن تمارس الارهاب ( والامكانية ليست جريمة بحد ذاتها ) فامتلاك السلاح لا يوصف حامله بأنه قاتل.
  • – ما هي عناصر آيديولوجيا الارهاب الإسلامي المقصودة :

باختصار سنعدد الرئيسية منها :

  • – تبرير استخدام العنف لتغيير (المنكر) من دون تفويض اجتماعي وسلطة شرعية .
  • – عدم التمييز بين الكبيرة والصغيرة وبين العبادة والشريعة ولا بين المرجأ حسابه وبين المعجل ( الذي يتعلق بما يحفظ السلم الاجتماعي فقط : القانون الجزائي )
  • – اعتبار أن تحكيم الله ليس فعل طوعي ديني داخلي يتم في ساحة النفس ، بل فعل سلطوي يقوم به الحاكم وسلطته .
  • – الحاكم هو أداة تحكيم الله ، وليس الضمير ، ومبايعة الحاكم وطاعته ضرورة للتدين .
  • – عدم التمييز بين حاكمية الله لكل شيء القاهرة المطلقة بواسطة ملائكته ، وبين سلطة البشر القانونية التي تطبقها الشرطة والحسبة والتي هي بشرية تخطئ وتصيب ولا شرعية لها من دون شورى وتوافق ، وليست مقدسة بأي حال …

بقي أن نبين أن التعامل مع المنظمات الجهادية المتشددة لا يكون بسياسة الأرض المحروقة ، بل يجب ملاحظة أنها تكونت بسبب ظروف استثنائية جدا ، وأن تفكيكها واستعادة المنضوين تحتها لصف المجتمع ليس بالأمر الصعب لو تغيرت الأرضية التي تسببت بتفاقمها …

كل مقاربة موضوع الارهاب من قبل المجتمع الدولي هي مقاربة خاطئة ومرفوضة يمكن ضحدها بسهولة ولا يستطيع النظام والمجتمع الدولي فرضها علينا . ولا يجب أن نسمح له باستخدامها ذريعة للابقاء على النظام أو الاستمرار في التدمير وتبرير الاحتلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.