الأزمة السورية أمام «امتحان الميدان».. بعد فشل الحل السياسي

خبراء يتوقعون استمرار الصراع ما لم تحدث تغيرات في موازين القوى

بيروت: كارولين عاكوم 

0236بينما كانت الأنظار تتجه أواخر عام 2010 ومطلع 2011 إلى موجة الربيع العربي التي شغلت العالم أجمع واجتاحت كالإعصار تونس ومصر وليبيا واليمن، انطلقت مظاهرة صغيرة في مدينة سورية نائية ربما لم يسمع بها أغلبنا احتجاجا على اعتقال نظام الرئيس السوري بشار الأسد تلاميذ مدارس جازفوا بحياتهم وكتبوا على جدار مدرستهم «جاك الدور يا دكتور». هذه المظاهرة الصغيرة في مدينة درعا أصبحت نواة الحراك الشعبي السوري ضد نظام الأسد،
وحولت اسم المدينة منذ 15 مارس (آذار) 2011 إلى «مهد الثورة».

الثورة السورية بدأت سلمية بمظاهرات فاجأت النظام وقضت مضجعه حتى في دمشق نفسها. رجال ونساء وأطفال وطلاب مدارس يجوبون الشوارع ليل نهار مرددين شعارات مناوئة للنظام ويرفعون لافتات مكتوبة بخط اليد تطالبه بالرحيل. النظام لم يحاورهم، بل واجههم بالرصاص والقتل والاعتقالات، فلم يجد هؤلاء مخرجا إلا أن يدافعوا عن أنفسهم بحمل السلاح. فتحولت شيئا فشيء من ثورة سلمية إلى حرب أهلية مسلحة تورطت فيها أطراف خارجية، مثل حزب الله اللبناني وإيران وميليشيات شيعية من جهة، مقابل مئات آخرين من عناصر تنظيم القاعدة ومجاهدين من شتى أنحاء المعمورة، لتصبح «الحرب الأخطر» على المنطقة والغرب والولايات المتحدة منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول).

«الشرق الأوسط» تسلط الضوء على مدى ثلاثة أيام، اعتبارا من اليوم، على ملفات الأمن واللاجئين ودول الجوار وجوانب أخرى من تداعيات الثورة التي تطوي هذه الأيام عامها الثالث وتدشن الرابع لتصبح الأطول والأكثر دموية من بين شقيقاتها في دول الربيع العربي بعد مقتل أكثر من 140 ألف سوري وتشريد الملايين، بينما لا يلوح في الأفق حل سياسي أو دبلوماسي أو حتى أمني، ليضع خاتمة للثورة السورية التي صار اسمها مع مرور الأيام «الأزمة السورية».

تدخل الأزمة السورية عامها الرابع في ظلّ صورة غير واضحة المعالم السياسية والعسكرية المحلية منها والدولية بعد سقوط أكثر من 140 ألف قتيل وآلاف المعتقلين وتهجير الملايين في موازاة احتدام المعارك على مختلف الجبهات والتي أدّت مجتمعة إلى زعزعة استقرار منطقة بأكملها.

وفي حين يرى البعض أنّ هذه السنة التي يفترض أن تشهد انتخابات رئاسية، قد تكون حاسمة لجهة الحل العسكري أو السياسي، مرجحين كفّة «امتحان الميدان»، يجد خبراء في المعطيات أنّ الصراع في سوريا سيكون طويل الأمد ما لم يشهد تغيّرات في موازين القوى على الأرض من خلال حصول المعارضة على سلاح نوعي، والذي بدأت بوادره تظهر بعد فشل مباحثات جنيف2.

وعلى وقع اشتداد المعارك بين المعارضة وقوات النظام في مختلف المناطق السورية والفجوة الواضحة بين مواقف الطرفين، فإن الرئيس السوري بشار الأسد باشر في الإعداد لـ«المعركة الرئاسية»، «مفصّلا إياها على قياسه» ليس فقط بإعلان استعداده للترشّح ورفضه المشاركة في أي حوار مع المعارضة يكون الهدف منه تسليم السلطة، إنما بتعديل قانون الترشّح بما يناسبه ويقطع بذلك الطريق أمام المعارضين، فيما مطلب المعارضة الأساسي هو تطبيق مقررات جنيف1 وأهمّها تشكيل الهيئة الانتقالية لإدارة شؤون البلاد على أن لا يكون للأسد دور فيها.

وفي هذا الإطار، يرى الباحث اللبناني وأستاذ العلاقات الدولية سامي نادر، أنّ كل المعطيات تشير إلى أنّ الصراع في سوريا طويل الأمد، إلا إذا حصل تغيّر في موازين القوى، مذكرا بما قاله كبير موظفي البيت الأبيض، دينس ماكدنو، بأن القتال في سوريا بين «تنظيم القاعدة» و«حزب الله»، ما يصفه نادر بـ«الاستنزاف الإيراني»، قد يكون لمصلحة الولايات المتحدة الأميركية. وأضاف نادر في حديثه لـ«الشرق الأوسط» «سيأتي يوم ويستعجل فيه حزب الله الذي يستهلك قواه العسكرية في سوريا إلى استعجال الانسحاب من سوريا ويكتشف أن إيران وقعت في الفخ».

وعن احتمال الحسم العسكري إذا تغيّرت موازين القوى، يذكّر نادر بما سبق لوزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل أن أعلنه لجهة دعم فكرة تسليح المعارضة، معتبرا أنّ تغيّر موازين القوى سياسيا أو عسكريا هو الذي سيؤدي إلى إمكانية الحسم. وأوضح «إذا وصلت المفاوضات الإيرانية – الأميركية إلى تسوية مستدامة شاملة تأخذ بعين الاعتبار الطرف العربي، من شأنها تقديم الدعم العسكري إلى المعارضة قد تحسم الأمور، لكن ما لم تحصل هذه التغيرات، فالأمور ستّتجه نحو المجهول وبالتالي إطالة فترة الصراع».

ويبدي نادر اعتقاده بأنّ الرئيس الأميركي باراك أوباما، وبعد فشل التعويل على الانفتاح مع روسيا إثر الأزمة في أوكرانيا، قد يتّجه نحو اتخاذ قرار التصعيد في سوريا طاويا بذلك صفحة الشراكة مع روسيا.

من جهته، يرى كريستوفر فيليبس الباحث في مركز شاتام هاوس في لندن، أنّ سوريا دخلت لائحة «النزاعات التي لا يمكن حلها» على غرار السودان والصومال، وقد بدّد بحسب فيليبس فشل مفاوضات «جنيف2» التي جمعت للمرة الأولى ممثلين عن النظام السوري والمعارضة، الآمال الدبلوماسية بالتوصل إلى حل سياسي للنزاع رغم نفي العواصم الغربية ذلك.

وربط فيليبس بين الأزمة في أوكرانيا وفي سوريا، معتبرا أن المجموعة الدولية اليوم حولت أنظارها إلى الأولى حيث تدور أزمة كبرى بين الروس والغرب، وهي تخوض أساسا صراع قوة حول الملف السوري. وأضاف فيليبس «إنه أمر مأساوي بالنسبة إلى سوريا أن تندلع الأزمة الأوكرانية الآن»، مشيرا إلى أن تدهور العلاقات بين الغربيين والروس لن يشجع موسكو، أبرز حليف لنظام الأسد، على تليين مواقفها في الملف السوري.

وكما في السياسة كذلك عسكريا، فالأمر لا يختلف كثيرا بعدما دخلت أطراف خارجية على الخط لمؤازرة الطرفين وباتت المعارك تشمل معظم المناطق السورية التي يتقاسمها النظام والمعارضة التي تلقّت وعودا بالحصول على مساعدات عسكرية، بعدما أصبح المجتمع الدولي مقتنعا بعدم نيّة النظام بالتوصل إلى حلّ سياسي، وفق ما يقول عضو المجلس الأعلى للقيادة العسكرية في الجيش الحر، رامي دالاتي. ويشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّ إعادة تنظيم الجيش الحرّ وكل المجموعات التي تقاتل على الأرض تحت مظلّة هيئة الأركان وتشكيل نواة جيش وطني ستساهم إلى حدّ كبير بتنفيذ هذه الوعود بعدما كانت الحجج التي يتسلّح بها البعض هي تشرذم المعارضة العسكرية والخوف من أن تصل الأسلحة إلى مجموعات متطرفة.

وفي السياق نفسه، قال الخبير دافيد غارينشتيان – روس أمام لجنة برلمانية أميركية «من الواضح الآن أن سقوط الأسد لم يعد حتميا كما كان يعتقد الكثير من الخبراء قبل سنة»، معربا عن اعتقاده أنّ كلا الطرفين غير قادر على حسم المعركة، و«السيناريو الأكثر ترجيحا هو أن الحرب ستستمر عشر سنوات إضافية أو حتى أكثر».

في المقابل يبدو واضحا بالنسبة إلى عضو المكتب التنفيذي في الائتلاف الوطني أحمد رمضان أنّ الحل السياسي بات شبه معدوم بعد فشل جنيف2، لا سيما أن الوصول إلى هذا الحل مرتبط بموافقة النظام على تنفيذ مقررات جنيف1، ولا سيما نقل السلطة وتشكيل هيئة حكم انتقالية، وهو الأمر الذي لا يزال النظام يرفضه، وهذا ما سبق لكل من أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي والمبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي إضافة إلى أمين عام الأمم المتحدة بان كي قد أعلنوه صراحة من دون أن يجري تحديد موعد جديد لمباحثات جنيف2. ويعود رمضان في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى مسار الأزمة السورية منذ بدء الاحتجاجات في درعا، التي تشير برأيه إلى عدم إمكانية رضوخ النظام إلى الحل السياسي، قائلا «منذ اليوم الأوّل بدأت الاحتجاجات سلمية وأراد الشعب والمعارضة تحقيق التغيير بعيدا عن العنف حتى إنّ وفودا من بعض المحافظات التقوا الأسد لكن كل المحاولات باءت بالفشل والنظام هو من أصّر على تغيير طابعها واتباع أسلوب العنف بدءا من أطفال درعا ومن ثم اتباع الأسلوب الأمني والدموي وصولا إلى الإبادة الشاملة التي لم يعد يميّز فيها بين مدني وعسكري وطفل وامرأة، حتى إنّه وعلى وقع المباحثات المتعثرة التي كانت تعقد في جنيف2، كان عدد القتلى يصل يوميا إلى 100 ربعهم من النساء والأطفال، ولكن رغم ذلك لم يستطع إخماد الثورة».

وميدانيا، يرى رمضان «أنّ الوقائع على الأرض أثبتت أنّ النظام الذي يستمد استمراريته السياسية من بعض الدول التي تسانده، ولا سيما روسيا وإيران، ليس قادرا على الحسم العسكري منفردا، وقد شهدت نهاية عام 2012 وبداية 2013، إنهاء للصراع الثنائي الذي كان قائما بين المعارضة والنظام، ليتحوّل إلى صراع متعدّد الأقطاب، بعد دخول حزب الله والحرس الثوري الإيراني والميلشيات العراقية التي تتولى جميعها القتال ميدانيا، بينما مهمة قواته ترتكز على القصف الجوي. ويعتبر رمضان، أن الفرق بين النظام والمعارضة ميدانيا، هو أن المعارضة لم تستدع مجموعات خارجية للقتال إلى جانبها ولم تحصل على السلاح الكافي للمواجهة، على عكس النظام، متوقعا تغيّر المعطيات العسكرية على الأرض لصالح المعارضة في المرحلة المقبلة، لا سيما بعد اتخاذ قرار بدعمها عسكريا، وقد بدأت أولى الخطوات في هذا الإطار، باتجاه القلمون وحلب.

* محطات

* أدى النزاع السوري إلى مقتل أكثر من 140 ألف شخص وإصابة أكثر من نصف مليون آخرين بجروح بحسب أرقام المرصد السوري لحقوق الإنسان، كما أسفر عن ملايين اللاجئين وألحق دمارا هائلا بأجزاء واسعة من البلاد.

وفي ما يأتي المحطات الأساسية من النزاع الذي انطلق في 15 مارس (آذار) 2011 واختتم عامه الثالث:

* 2011:

– 15 و16 مارس: مظاهرات ترفع شعارات ضد «الطاغية»، واجهتها السلطات بحدة في دمشق ودرعا (جنوب)، متحدثة عن وقوف «جماعات متطرفة» خلفها.

– 23 مارس: تقارير عن مقتل 100 شخص في درعا التي باتت تعد «مهد الثورة». وبدءا من أبريل (نيسان)، توسعت رقعة المظاهرات ضد النظام مطالبة برحيل الرئيس بشار الأسد.

– الأول من يوليو (تموز): مظاهرة في مدينة حماه (وسط)، يشارك فيها نحو نصف مليون شخص، تلتها سلسلة من المظاهرات الضخمة أيام الجمعة من الشهر نفسه. وشنت القوات النظامية حملة عنيفة لقمع الاحتجاجات، أدت إلى مقتل العشرات خلال أسابيع.

– 29 يوليو: عقيد منشق عن القوات النظامية يعلن تأسيس الجيش السوري الحر الذي تشكل بغالبيته من جنود منشقين. وفي مراحل لاحقة، انضم إليه مدنيون حملوا السلاح ضد النظام.

– 18 أغسطس (آب): الرئيس الأميركي باراك أوباما يدعو الرئيس بشار الأسد للرحيل عن الحكم. وفي مراحل لاحقة، فرضت حكومات غربية وعربية عقوبات على النظام السوري.

– الرابع من أكتوبر (تشرين الأول): روسيا والصين تستخدمان حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي ضد قرار يدين استخدام النظام السوري العنف ضد المحتجين. واستخدمت موسكو وبكين هذا الحق مرتين أخريين في عام 2012.

* 2012:

– الأول من مارس: القوات النظامية تستعيد السيطرة على حي بابا عمرو ذي الرمزية الكبيرة في مدينة حمص (وسط)، بعد نحو شهر من القصف العنيف الذي أدى إلى مقتل المئات بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، بينهم الصحافيان ماري كولفين وريمي أوشليك.

– 30 يونيو (حزيران): اتفاق بين القوى الكبرى في جنيف على تأسيس حكومة انتقالية ذات صلاحيات واسعة، من دون التطرق إلى مصير الرئيس الأسد. ولم يجد الاتفاق الذي عرف بـ«جنيف1» سبيلا إلى التنفيذ.

– 18 يوليو: مقتل أربعة من القادة الأمنيين البارزين، بينهم وزير الدفاع داود راجحة وآصف شوكت صهر الرئيس الأسد، في تفجير أثناء اجتماع أمني في دمشق. بعد يومين، شن الجيش السوري الحر هجوما على حلب كبرى مدن الشمال، وسيطر على أحياء فيها.

– 11 نوفمبر (تشرين الثاني): مجموعات سياسية معارضة للنظام تجتمع في الدوحة وتعلن تأسيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.

* 2013:

– الخامس من يونيو: القوات النظامية وحزب الله اللبناني حليف دمشق يسيطرون على مدينة القصير الاستراتيجية في ريف حمص قرب الحدود مع لبنان.

– 21 أغسطس: هجوم بالأسلحة الكيماوية قرب دمشق يؤدي إلى مقتل المئات ويثير موجة سخط عالمية. الدول الغربية والمعارضة تتهم النظام بالوقوف خلف الهجوم، والولايات المتحدة تلوح بشن ضربة عسكرية ضد النظام، قبل توصلها مع موسكو في سبتمبر (أيلول) إلى اتفاق حول نزع الترسانة الكيماوية السورية.

* 2014:

– الثالث من يناير (كانون الثاني): تشكيلات من المعارضة المسلحة تشن هجوما ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، متهمة عناصره الجهاديين بارتكاب ممارسات مسيئة وانتهاكات وبالتشدد في تطبيق المعايير الإسلامية.

– 22 يناير: انطلاق مفاوضات «جنيف2» في مدينة مونترو السويسرية بمشاركة دولية واسعة، ومحادثات مباشرة بين الوفدين الحكومي والمعارض تنطلق بعد يومين في جنيف بإشراف الموفد الدولي الأخضر الإبراهيمي دون تحقيق أي تقدم. وأعلن الإبراهيمي في 15 فبراير (شباط) انتهاء الجولة الثانية من المفاوضات، دون تحديد موعد لجولة مقبلة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.