العلاج الفعال لأمراض المعارضة ؟

د. كمال اللبواني

جميعنا ينتقد وينتقد أمراض المعارضة وقد يشتم ويلعن بسبب حرقة قلبه ، والقليل من يشخص الحال ، لكن المفقود هو من يضع العلاج ، فبعد مقالي السابق عن فشل المعارضة بسبب غياب المؤسسة الوطنية ، سألني أحد أصدقائي متى نبني هذه المؤسسة ؟ وبالفعل فإن طرح هذا السؤال ينقلنا من عالم السلبية لعالم الفعل ، ومن التشخيص للعلاج …

الجواب يتطلب أن نعلم أولا ما هي مواصفات ومعايير المؤسسة الوطنية، ثم نبحث في الإمكانات المتاحة لبنائها … ولكن قبل ذلك لا بد من التذكير أن مشاكلنا ليست فقط بسبب الغريب الذي يتآمر ، بل أيضا بسبب قصورنا الذاتي الاداري والتنظيمي الذي ينفذ مخططاته ، ولو كنا ناجحين إداريا لفرضنا ارادتنا بعد كل هذه التضحيات التي يندر أن يقدمها شعب من الشعوب ، كما لا بد من التنويه أيضا أن الحل في سوريا الذي سيفرض من الخارج هو ليس في صالح الشعب السوري مهما كان ، هذا إذا لم يتأخر ويتأخر بانتظار هلاك الشعب وهلاك سوريا أيضا ، وهو ما يجري فعليا . لذلك فعلاج أمراضنا بأيدينا هو المخرج الوحيد لكلي لا نتحول نهائيا كشعب سوري ( أخص منهم العرب السنة ) لسكان مقابر جماعية أو مخيمات التشرد .

المؤسسة الوطنية هي التي ينتجها الشعب بالاختيار أو الانتخاب ، بناؤها يبدأ من القاعدة إلى القمة ، لا تعين نفسها كما فعل المجلس الوطني ، تأتي من الداخل وليس من الخارج كما فعل هو ، يسميها الشعب وليس تنازع ومحاصصة مخابرات دول أجنبية ، تمول وطنيا أو عبر صندوق وطني حر التصرف بالمال ، حتى لو كانت مساعدات خارجية ، وليس عبر هبات الأمير والشيخ الشخصية الهادفة لشراء الولاء والحياء … بعد ذلك تخضع لنظام ودستور عمل وطني ، ثم لمراقبة الشعب ، وليس سفراء الدول ومخابراتها ، ولآلية تقييم ومحاسبة وتفتيش مالي وإداري ، وبرنامج تجديد دوري لشخوصها ، فلا تعلن نفسها ناديا مغلقا أبديا …. المؤسسة الوطنية تنبع من الأرض من الشارع والناس ، ولا تصطنع في فنادق عواصم الدول ، ولا بتمويلهم وبدعوات محددة منهم كما حصل مع الائتلاف . فالطبيعي أن يفرز العمل النضالي أو الوطني من هو أقدر على القيادة بفعل التجربة العملية محليا ، ثم أوسع فأوسع وصولا لتشكيل مجلس وطني بطريق الاقتراع أو الاختيار المتدرج … يحتفظ هذا المجلس بصلته التي لا تنفصم مع عمله وناسه وأرضه بحكم تكوينه وبحكم عمله ، ولا يتلقى الأوامر والتعليمات من هذا وذاك ممن يغدق عليه المال ، الذي يجب أن يكون فقط عبر صندوق وطني ، يضع هذا المجلس نظام عمله من خلال تراكم خبراته النضالية ولا يوضع له من قبل الدول الأجنبية … يمول عمله من صندوق وطني يخضع له ، ولا يتلقى أعضاؤه الرشاوى من السفير والأمير والوكلاء عنهم من التجار والمستثمرين … لذلك كله نقول أن مؤسسات المعارضة كلها : المجلس والائتلاف وما نتج عنهما  وصولا لهيئة الرياض ومنصة القاهرة وموسكو … ونساء ديمستورا ، كلها مؤسسات غير وطنية بل مؤسسات عمالة تستخدم لتخريب وافشال الثورة ثورة الشعب التي هي خطر حقيقي على كل من يدعي صداقة سوريا ، ويدعي رغبته بمساعدتها ، فيقدم لها ما هو يشبه الخمر ضرره أكثر من نفعه .

وفي المقال السابق حملت كل من يقبل العمل في هكذا مؤسسات المسؤولية عن ضياع تضحيات الشعب أي اتهمته بالخيانة غير المقصودة ، ونصحت كل من لا يريد أن يخون ضميره ووطنه أن يستقيل منها ، فرد علي أحدهم أنه هذا مستحيل أن يحصل في بسبب الثقافة العربية … لذلك وبسبب هذا لم يبق من مجال سوى اسقاط هذه المؤسسات الغير وطنية ، وانتاج بديل عنها …

كيف نسقطها ، وكيف ننتج البديل ؟

أما اسقاطها فيتم بفضحها وتعريتها ومقاطعتها ، أيضا هناك وسائل أخرى أقل أدبا أو سلمية يمكن أن تستعمل مع من لا يفهم أنه يضر بالصالح العام وأن  ما وضع بيده ليس من حقه ، ولم يفوضه به الشعب ، فاغتصاب السلطة جريمة يعاقب عليها مرتكبها بكل قوانين العالم … ناهيك عن التصرف بالمال العام والفساد المالي والإداري ، وكذلك خصخصة الشأن العام  وتحويله لمزارع هي جريمة ضد الشعب … كل ذلك يجب وضعه في الحسبان . وصولا لإنشاء محاكم في الداخل تدرس القضايا المحالة إليها وتصدر فيها القرارات … وتشكيل فرق تنفيذ وأمر في الداخل والخارج … أي لا بد من سلطة قانونية تنفيذية أمنية تمارس دورها ولكن كيف ننشؤها هي أيضا ؟

نحن ما نزال في مرحلة التعرية والفضح والتوعية ، ويجب أن نتجاوزها للفعل الحقيقي ، بالتظاهر والاعتصام ، وبعد ذلك مباشرة بالتحرك من أجل الحجز والاعتقال ، لكن ذلك يحتاج لمؤسسة الأمنية القضائية للقيام به وهي تحتاج للقوة والمال … فكيف الحل …

بناء مؤسسات جديدة بدءا بموسسة الأمن والقضاء ليس قرارا بل لا بد من آليات يبدعها الداخل ، وهذا حتى الآن يبدو في مهده لأن شرط القيادة في الداخل ما يزال هو الحصول على مصدر التمويل ، فالمال هو من يولد القيادة وطالما أن المال أجنبي فالقيادة عميلة وخائنة ومتعددة بتعدد مصادر الدعم ،  الحل إذن بسيط هو في استخدام ما توفر من قوة عرف محلية حتى قبل تشكيل سلطة أمنية قضائية للسيطرة على المال وضبطه ضمن مسار وطني .

الحل يبدأ من اعتبار كل مال وكل سلاح يأتي من الخارج هو ملك عام للشعب ، ثم الاستيلاء عليه ووضعه في تصرف مجالس عرفية محلية مدنية وعسكرية، وفي حال عدم وجودها المسبق تطلق يد الجميع في ملاحقة واحجاز كل من يحصل على مال ولا يضعه في صندوق عام ويصرفه عبر مجلس أو هيئة محلية ، وتقديمه للمحاكمات العرفية .

كل مال يأتي بهدف سياسي أو اغاثي أو عسكري هو مال عام،  أمانة تسلم لصاحبها ( المجتمع ) ، أمانة يجب التحريص عليها وضبط توزيعها وفقا لبرنامج ، وهذا ما سيفرض حتمية وجود إدارة وقيادة ، إذن البدء بتشكيل صندوق وطني عام له فروع محلية ، والعمل على اقامة تحالفات أمنية محلية لتنفيذ ذلك تقوم بوضع كل الموارد تحت أمرته ، ومعاقبة كل من يحتكر الدعم لنفسه ، والقضاء على هذه الظاهرة  …

لكي لا تبقى ثورتنا رهينة وثوارنا مجرد متسولين يتحكم بهم الفاسدون والمرتزقة والعملاء ، لا بد من استخدام القوة الثورية للقبض عليهم كلصوص للمال العام والقرار السياسي ، ولا بد من استهدافهم كخونة ، وحصر حق استلام وادارة المال العام والدعم بصناديق وطنية محلية عرفية أو عامة ، تشرف عليها مجالس منتخبة ، عندها ستنتج آلية إدارة و قيادة سياسية وطنية حقيقية .

رحم الله ياسر عرفات فقد قاد ثورة من الشتات تتلاعب بها الدول وتعيش على التمويل الخارجي ، بجهازين فقط هما الصندوق الوطني الذي حصر كل تمويل به ، وجهاز فتح 17 كجهاز أمني يتعامل مع كل من يخون ويخصخص الشأن العام … واستطاع أن يحرر وينشئ دولة .

إذن العلاج هو في اعتبار كل من يقبض الدعم ويتصرف به كمال خاص،  هو خائن مفسد يطبق عليه حد الفساد في الأرض وتطلق يد الثوار للتعامل معه بفتوى شعبية وشرعية وعرفية … الحل يبدأ بوضع اليد على كل موارد الثورة وإدارتها عبر مجالس ثم بتطوير مؤسسة مالية وقضائية لتنظيم ذلك ،

إذا لم نمنع ونقطع يد الفساد والاختلاس وشراء الضمائر وبيع الولاءات سنبقى مكاننا ، ويجب أن يطبق هذا الحد عرفيا بالبيد طالما لا توجد سلطة قضائية تنفيذية مختصة . لقد انتبهت الدولة الاسلامية وجبهة النصرة لذلك ، وبسببه استطاعت التمدد والاستمرار رغم الحصار والضغط العكسري الهائل عليها … فلماذا لم تقم المعارضة بذلك وهي أولى به :

في أول اجتماع لي بعد خروجي من سوريا مع المجلس الوطني طالبت بذلك في اجتماع تونس ، لكن برهان وشلة العشرة تجاهلوا هذا وأفشلوه عن علم وقصد … والسبب أنهم كانوا يتوهمون أن الدول هي من ستسقط بشار وتأتي بهم للحكم ، لذلك كل همهم هو ارضاء الدول ومنع غيرهم من احتلال مراكزهم …

ويوم عملنا على تشكيل الائتلاف كبديل لهذا المجلس المعطوب … كنت حريصا على إعلان حكومة تنفيذية تقوم بهذا الدور فور تشكيل الائتلاف ، وهذا ضمن وثائقه التأسيسية ، لكن جماعة الاخوان والدول المتآمرة عهم ، تلاعبوا بهذا الموضوع وأجلوه وأفشلوه ، بانتظار أن يصبح جهاز الإخوان  الأمني والعسكري والمالي هو الوحيد الذي يسيطر على الثورة … وقد حاولت عند اقرار النظام الداخلي للائتلاف أن أضع شرط  كشف الذمة المالية لكل عضو ، ورفض أي مساعدة مشروطة لا تأتي عبر صندوق وطني ، ومعاقبة كل من يحصل على مال ولا يودعه هذا الصندوق . فاعترض الجميع على ذلك . لكون فساد المجلس الوطني قد طال الجميع وانتقل بذاته وشخوصه للائتلاف ، وعندما طالبت الشيخ معاذ في أول اجتماع للائتلاف بالبقاء في القاهرة في حالة اجتماع دائم وتنظيم أمور الثورة  وبيتنا الداخلي وفتح مكاتب مالية وسياسية وعسكرية والمباشرة بوضع اليد على مقدرات الثورة وادارتها بكل شؤؤنها … ترك الاجتماع وطار للتصوير في الإليزيه مع صحبته ، ثم طار لمؤتمر أصدقاء سوريا في مراكش ولحقوه كشلل متسابقين لتقديم أوراق اعتمادهم كزعماء سوريا ، مع أن ذلك المؤتمر كان ينتظر منا تشكيل حكومة ليعترف بها قانونيا وليس سياسيا ، لكن هذا لم يحصل في اجتماع القاهرة ، ولم يحصل بعد ذلك ، إلا عندما ضمن الإخوان أن تكون الحكومة لهم وبيدهم وحدهم …

نعم لم أكن غافلا عن هذا الأمر وضرورته ، وقد حاولت منذ عام 2012 أن أقنع المعارضة بدءا ببرهان ومعاذ ثم المالح والجربا ، وعبثا فعلت ، ومن ثم حاولت مع الدول الشقيقة والصديقة تباعا فلم أجد سوى التنكر والتجاهل ، حتى قال ليس السفير الفرسي الصديق شوفالييه : اسمعني كل ما تقوله صحيح وضروري لكن حكومتي لن تتعامل إلا مع الائتلاف فافعله من خلال الائتلاف فهذا هو المخرج الوحيد … وهكذا عدنا لمحاولة اصلاح الائتلاف بدعم وجوه جديدة تنفيذية وادارية كرياض حجاب والمنشقين الذين لديهم خبرة بشؤون الدولة ، لكنهم أسقطوه عدة مرات وخان المشروع من خانه مقابل حصة في السلطة الانتقالية التي توهموا أنها ستولد في جنيف حيث سارعوا لحضوره ، ثم رياض في هيئة تفاوضية لا قيمة لها وليس في مؤسسة تنفيذية هو خبير بها . وهكذا ومنذ جنيف أيقنت أنه لم يعد ممكننا التفكير بالاصلاح من داخل مؤسسات المعارضة حسب نصيحة  شوفالييه فاستقلت ، وبدأت  أطالب بتفكيك هذه المؤسسات والتشهير بها ، ليس خدمة للنظام كما يدعون ، بل قطعا ليد الفساد والافساد المسؤولة عن ضياع تضحياتنا وتعميق مأساتنا ، وإطالة أمد محرقتنا …

أيها المقاتلون أيها المواطنون يا قومي المعذب لنبدأ من نقطة واحدة : ( كل الدعم بكل أنواعه ) الوارد للثورة هو ملك عام حرام المساس به ، ومن يحتكره أو يوظفه لمصلحة خاصة يعتبر خائنا مفسدا ، ويطبق عليه حد الفساد في الأرض … بهذا العلاج تنقلب آلية العمل السياسي من خصخصة الشأن العام  وتقسيمه لإمارات ، ومن توظيف المال لافساد وشرذمة الثورة ، إلى آلية عمل تعيد انتاج وطن … والأداة التنفيذية هي سلاحكم الفردي ، فإذا كان المفسد لا يخاف الله فالأولى به أن يخافكم . هدفكم الأهم هو كل من يحصل على دعم ولا يقدمه لصندوق عام علني مراقب، وكل من يسرق قرار الشعب ويتحدث باسمه من دون آليات تفويض حقيقية ، فهو أخطر من الجاسوس والمخبر ، لأنه يعمل بأجر وأمر وتكليف من مخابرات الدول التي تدعي (صداقتكم ) التي كانت نتيجتها حتى الآن تدمير سوريا وتقسيمها واحتلالها ، وسقوط مليون قتيل وتشرد عشرة ملايين مواطن ، ذنبهم معلق بأخطاء هذه المعارضة المريضة ، التي لم ينفع معها الدواء فاستحقت الكي الذي هو آخر الطب .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.