الإخوان وإيران و مستقبل سوريا

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

حركة الإخوان المسلمين جمعية نخبوية اسلامية أسست على غرار الحركة الماسونية ( محافل أخوية  ذات نظام هرمي وقواعد صارمة ) لتتحكم بالسياسات والأحزاب ومن ثم بالدول (الإسلامية) وفق أطر عامة ومبادئ وأهداف تحددها الحركة الدينية الطابع ، لكن بطريقة طفيلية وانتهازية تحقق أولا مصالح الأشخاص الفاعلين فيها والجهات الدولية التي تسهل لهم عملهم وتقف خلفهم ، فاستخدام وتشغيل الحركات الإسلامية لم يبدأ مع القاعدة وداعش ، بل مع حركة الإخوان التي أريد بها عرقلة الحركة القومية العربية الصاعدة خاصة بعد حرب السويس ، وقد استفادت حركة الإخوان كثيرا من تجربة الحركة الماسونية العالمية وبنيت على غرارها ، وسعت لتقليدها بالوسائل والغايات لكن ضمن العالم الإسلامي الذي  فشلت الحركة الماسونية فيه… لذلك هي بمثابة رأس مصنّع مستتر يستعمل أجساداً مختلفة يمكنه إنكارها أو تغييرها أو التضحية بها حسب الظروف، كما فعلت سابقا مع الطليعة المقاتلة ومدينة حماه ، وحاليا مع منظمات عسكرية سورية أخرى تحاول توحيدها تحت اشرافها السياسي لتقبض ثمن تضحياتها في صفقاتها مع ايران وروسيا وأمريكا والنظام أيضا، مضحية بكامل الثورة بعد أن قضت منها وطرا . خاصة بعد أن قدمت الحركة نفسها كحصان مشترك لكل من ايران وتركيا معا المتفاهمتان مع روسيا ، مستعينة بتجربة حماس كنموذج عملي عنها يحقق مصالح ايران وتركيا معا دون تناقض .

في مطلع هذا العقد دخل مشروع الإخوان في الشرق الأوسط مرحلة جديدة مع اندلاع ثورات الربيع العربي التي استخدمت إيمانها في تحدي أشرس الأنظمة ، وسرعان ما أثمرت سلطات إخوانية في كل من تونس واليمن وليبيا ، لأن هذه الحركة هي الوحيدة التي تملك أدوات السيطرة والهيمنة على ثورات اندلعت عفويا في الشارع المفتقد للتنظيم ، وكانت هي الخيار الأفضل للدول الغربية التي فقدت الأنظمة العسكرية القومجية التي طوعتها ودجنتها ، فاستخدمت حصانها الثاني أي عدو هذه الأنظمة لكن المروض جيدا ، وبذلك دعمت ورعت وصول الإخوان للسلطة خوفا من انفلات الأمور وتحقيق الحرية الحقيقية ، وفي مصر نجحوا في الوصول للسلطة بسهولة بالغة وتسهيل من الجيش وتمويل من الدول ، وحكموها سنة قبل أن ينقلب الجيش عليهم وعلى الديمقراطية بأوامر خارجية أيضا وتمويل من ذات الدول ، وفي سوريا هيمن الإخوان بسهولة منذ بداية محاولات تشكيل مجالس قيادية لثورتها على قرار هذه المجالس وصاروا يتحكمون بها مستترين وراء واجهات كرتونية علمانية وشيوعية وأقلوية وبعثية قومية وكردية ، واستطاعوا أن يوجهوا المؤسسات والدعم المقدم لخدمة مشروعهم الخاص ، وعلى حساب المصالح الوطنية للشعب والثورة … وسعوا أيضا للهيمنة على قرار الفصائل العسكرية وتطويعها  وتوظيفها في خدمة مشروعهم الذي وصل في سوريا حاليا لمرحلة قطف الثمار ، وكل ذلك برعاية وتسهيل وتمويل وتسليح مجموعة من دول اصدقاء سوريا .   

و بعد التقارب التركي الروسي الإيراني صار اسقاط النظام هدفا مستبعدا من أجندات تركيا كما أعلنت صراحة ، وهذا ينطبق على الأحزاب والشخصيات المعارضة التي تتلقى دعمها ورعايتها والتي بدأت بأكل التين، وهنا وجد الإخوان فرصتهم السانحة  للهيمنة على الملعب بقوة وبوجههم الحقيقي ، فخرجوا عن صمتهم واستتارهم ، وأكثروا من البيانات والمؤتمرات التي تقول نحن هنا ، فهم إما أن يحققوا صفقة مع النظام بمساعدة تركيا وتسهيل ايران يحتكر فيها الإخوان تمثيل المعارضة عند بشار ، أو إذا فشلت الصفقة ، فيتم اقتطاع مساحة من سوريا تقيم الحركة فيها دولتها كما حصل في غزة ، بانتظار التحضير لخطوة أخرى .  فالدولة المقترحة في حلب وادلب لن تكون أمارة للنصرة ، المصنفة ارهابية ، ولا للأحرار الذين تمت السيطرة  على قرارهم إخوانيا عن طريق فريقهم الذي صعد لقيادتها بصعوبة بالغة و بعد سلسلة تصفيات طالت أغلب قادتها ، التي توقفت فجأة بقدرة قادر … ما سيقوم هو دويلة للإخوان المعتدلين الذين يستخدمون النصرة وغيرها كأدوات عسكرية لتحقيق هدفهم السياسي … لذلك تقف حركة الإخوان حاليا خلف جهود توحيد الفصائل الاسلامية ، لا لتقاتل وتنتصر على النظام ، بل لتكون هي واجهتهم السياسية الفعلية القادرة على استعمالهم كورقة في التفاوض معه ، للأسف مسعاها هذا باطل يرتدي حلة الحق ، ويسير فيه كل من الائتلاف والوطني والحكومة المؤقتة ، وهيئة العلماء ، وقيادة هيئة الرياض للتفاوض (عن وعي أو جهل)  وتخدع به مجموعة من الفصائل الإسلامية الهامة كالنصرة وأحرار الشام ، وجيش الإسلام … متأثرين بواجهة الدين ، من دون الانتباه لحقيقة وتكوين هذه الحركة الانتهازية الطفيلية التي وسعت هامش انتهازيتها ومناورتها لتشمل كل المتناقضات ولتخدم مصالح كل الدول التي ترعاها وتقدم لها التسهيلات اللوجستية ، ومصالحها الخاصة ومصالح أفرادها المنعمين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، وليس مصالح الشعب السوري المنكوب ، فالحكمة تقتضي أن تكون أي وحدة عسكرية مضمونة الولاء السياسي الوطني ، وإلا فالشرذمة أسلم ، خاصة وأن الظروف تتجه للسلم مع النظام والتوجه لمحاربة غيره .

عنصر الخطورة في حركة الإخوان ، والذي يجعلها أداة بيد الآخرين أنها رأس بلا جسد وبلا مرجعية شعبية ، فهي ليست حزبا سياسيا تقليديا ، تنتجه حالة مجتمعية محددة الجغرافيا البشرية التي تشكل الأساس والمرجعية له … إنها بالعكس حركة منفصلة عن القواعد ، قادتها يعيشون في الخارج وتربطهم مع دول الإقامة علاقات وطيدة وسرية وودية جدا ، هم عصبة فوقية أيديولوجية تضامنية شبكية واسعة منتشرة في كل العالم الإسلامي ومنظمة بطريقة نخبوية ، محروسة بالسرية وبالترهيب. فمن يغادرها أو يكشف أسرارها أو يخونها يتعرض للانتقام ، وقد صفت العديد من خيرة قياداتها ومفكريها عندما حاولوا تصويب مسارها وبنيتها ، و أعطت لنفسها موقعها القيادي وتعاملت مع العامة كتابع سلبي مستلب الإرادة لهذه القيادة، هدفها المعلن هو تطبيق الدين الإسلامي الحنيف ، والفعلي هو السيطرة على الحياة السياسية والتحكم بالشعوب عبر امتلاك السلطات في الدول الإسلامية ، والاستئثار بها وتسخيرها ، ثم أخونة الدولة والمجتمع والاقتصاد ( أي تركيب نظام شمولي على الطريقة الشيوعية لكن باسم الإسلام ) مع ترجمة ذلك المشروع لمصالح خاصة توزع على الأعضاء بحسب نفوذهم … لذلك (لا أستغرب هيمنتها على ثورات الربيع ) بل أستغرب أن تدعي أنها شريكة في ثورة الحرية. لأنها على تضاد مع مبدأ الحرية تكوينا وسلوكا ، فهي مشروع استبداد شمولي مطلق يشبه الستالينية ، ولا تعبر كحركة عن قطاعات أو طبقات في الشعوب الحرة تتغير بتغيرها ، بقدر ما هي نخبة تضع نفسها فوق الشعوب وترسم لها المسار الذي يجب عليها السير عليه رغما عنها ، فهي عدو دائم للعلنية والشفافية ، تعتمد التمويه والتورية والتقية ، وعدو دائم للحرية من حيث المبدأ  طالما أن الحرية قد تستخدم في مخالفة الدين ومن يحكم باسمه شرعا ، بعد تحويل الدين من رسالة  إلى أشخاص وسلطات مقدسة طاعتها واجبة أكثر من الآلهة التي تركت للناس الحرية بينما تفرض السلطة عليهم طاعتها بالقوة والإكراه … الحرية تعني أن يختار الشعب قادته ، بينما الإخوان هم تجمع قادة مسبقين يريدون ركوب وترويض الشعب . فكيف يحترمون حرية شعب يتهمونه بالجاهلية ( سيد قطب: جاهلية القرن العشرين أشد وأدهى من جاهلية ما قبل الإسلام ).  وإذا قضت الحرية والديمقراطية على الحركة الماسونية وفككتها وأبطلت نفوذها ، فلماذا تقتل حركة الإخوان التي جاءت على شاكلتها نفسها بتطبيق مبدأ الحرية القاتل للاستبداد والعمالة والفساد معا ؟؟؟

تخطط حركة الإخوان المتعددة المحافل بشكل مركزي وبطريقة متناسقة وعلى المدى البعيد وتملك مصادر تمويل كبيرة … وتسعى في كل دولة تبعا لخصوصيتها ، وتتعاون هيئاتها معا عبر الحدود بين الدول ، فالقول أن اخوان سوريا ليسوا اخوان مصر ، صحيح جزئيا وليس كليا ليعطي قدرا من المرونة في التكتيك السياسي ، لذلك أخذت هذه الحركة شكل حماس في فلسطين و شكل حركات عسكرية أخرى في اليمن أو سوريا … و أقامت روابط مع حزب العدالة التركي وحاولت استخدامه كأداة في مشروعها بل توريطه أحيانا ، وهي أيضا تقيم روابط مع الثورة الاسلامية الإيرانية منذ اندلاعها وتحاول جاهدة اقامة جسور التعاون الاستراتيجي معها … وكل ذلك التناقض لا يشكل مشكلة لوحدتها التنظيمية والمالية والسياسية والاستراتيجية المبنية فعليا على التضامن الشخصي والمصالح المتبادلة ، ضمن خيمة واسعة غير محددة تتخذ من الدين شكلا لها . نقول شكلا لأن المبادئ والقيم الدينية يمكن أن تطبق فقط بعد استلامهم للسلطة ، أما في مسعاهم إليها فكل شيء مبرر كوسيلة ، أو كشر لا بد منه ؟؟؟

بالنسبة للإخوان لا مشكلة من حيث المبدأ مع إيران ، بل يتوجب التواصل معها تحت شعار عدم الانجرار لفتنة طائفية يستفيد منها أعداء الإسلام والمسلمين ، وهم لا يرون في سلوك ايران في سوريا مثلا ( من قتل وتهجير بحق المسلمين) مبررا لاستعداء نظام الملالي أو عدم التعاون والتشارك معه في إدارة سوريا ، فالشيعة والسنة معا يجب أن يكونوا في مشروع اسلامي واحد مقاوم ، ولا يهم مثل هذا الخلاف المذهبي إذا كانت الغاية مصالح سياسية ، ولا أهمية أيضا لحدود الدول الحالية التي لا مانع عندهم من تغيير خارطتها تبعا لمصالحهم السياسية، فالاستقرار الوطني في أي بلد غير ضروري قبل استكمال مشروعهم ، بل عدم الاستقرار لغير سلطتهم هو المطلوب.

الخطير بالموضوع أن يطرح الإخوان أنفسهم كسلطة بديلة عن بشار ترضي الأطراف المتنازعة في سوريا وقد أقنعوا الغرب بذلك في بداية الثورة ، كما أنهم الآن بعد ذبح الثورة وتدمير سوريا  يمكنهم أن يكونوا الحليف الموثوق لكل من ايران وتركيا معا ، وحماس أفضل مثال عملي ، ونظام الغنوشي ومرسي الذي انفتح بشكل مدهش على ايران أيضا مثال آخر ، كما يمكنهم أيضا أن يقدموا أوراق اعتمادهم للروس كإسلام معتدل براغماتي بديل عن التطرف كما سبق وقدموها للغرب الذي تبناهم ودعمهم لتزعم الربيع العربي … قبل أن يكتشف متأخرا أنهم الأساس النظري واللوجستي المولد لحركات التطرف والإرهاب ، وأنهم من يهيء الأرضية له وهم من يقطف ثماره . فقلص الغرب دعمه لهم ، بل قام بالانقلاب عليهم والعمل على تثبيت السلطات العسكرية الموالية له بواسطة الجراحة التصنيعية في تونس وليبيا واليمن ومصر ، مما جعل إخوان سوريا يستجدون حلا سياسيا مع الأسد ويحركون واجهاتهم للعمل السريع على إنجاز صفقة معه عن طريق موسكو التي ستشرق منها شمسهم بعد أن غربت شمسهم في الغرب …

لم يقتصر عمل الإخوان على الشمال السوري الذي أحكموا القبضة عليه ، بل لهم في دمشق والجنوب قوة ونفوذ أيضا ولهم مشروعهم الذي يعملون عليه حاليا بحجة تفعيل جبهة الجنوب ، مع أنه استغلال للظروف بهدف السيطرة العسكرية على الجنوب بواسطة شعار توحيد الفصائل تحت مسميات اسلامية تارة أو وطنية تارة أخرى ( 18 آذار ) لكنها دوما إخوانية القيادة والتوجيه والرعاية وتحت شعار التمرد على الموك ، وهم سيحاولون عاجلا أم آجلا تحريك إخوان الأردن المتربصين ، وإخوان وحمساوية الضفة الذين ينتظرون الفرصة للانقضاض على السلطة المتداعية هناك ، فيتسببوا باعادة احتلال الضفة ، وحدوث تغيير ديموغرافي كبير فيها يقضي على حلم الدول الفلسطينية ، تحت ستار ودخان الجرائم التي تحدث في سوريا والعراق ، كما سيعاودوا محاولتهم في مصر مستخدمين هذه المرة منظمات متطرفة ، ليستكملوا مشروعهم وصولا لتونس والجزائر واليمن وحتى السعودية وباكستان .

طبعا الغايات والشعارات الإخوانية ليست هي ما يتحقق ، كغيرها من الشعارات والأهداف ، خاصة وأن الإخوان يقفزون فوق الكثير من الحقائق في سبيل وصولهم لغايتهم ، فشراكة ايران في حكم سوريا بالتوافق مع تركيا لن تتحقق حتى لو رعاها الروسي لفترة (نكاية بالأمريكان) واستخدمها كورقة ضغط عليهم ، واجتماع المسلمين ، بل المتشددين من الشيعة والسنة معا هو مزيج خطير جدا يعاكس سياسة استنزافهما التي اعتمدت في العراق وسوريا ولن يرضى أو يسكت عنها الغرب الذي يربيهم ليتقاتلوا وليس ليتفقوا … كما أن ايران لا تثق بهم ولا بحماس وهي تنتظر جمع المزيد من الأوراق لمقايضتها مع الغرب ، فهي لا تهدف من التجارة بالقضية الفلسطينية إلا للتحول لدولة عظمى شيعية طائفية نووية معتمدة في المنطقة من الغرب الصليبي كعادتها وكشرط وحيد يبقيها وسط بحر من السنة ، فعدوها الأول ليس الغرب البعيد  الذي تغازله وتطلب وده ، بل السنة الذين قتلوا الحسين ( امبراطورية الفرس ) ، ولهذا السبب أيضا يبدو لي أن تفاهم تركيا مع الفرس والروس هو تفاهم مؤقت جدا ومرحلي مرتبط بالحاجة لمنع اعلان الدولة الكردية المدعومة أمريكيا ، ليعود بعدها الخلاف التاريخي للصعود للسطح ( فأين تذهبون ؟ ) .

ما سيحققه الإخوان فعلا من وراء سلوكهم ليس ما يتكلمون به من شعارات اسلامية  تشبه شعارات البعث القومية ، بل ما تحدده شروط الواقع ونوعية القوى الفاعلة فيه وتوازناتها ، لذلك فإن المرجح أن يكونوا سببا في بقاء النظام واستمراره تحت راية الحل السياسي ( ويلعبوا دور حصان طروادة في انهاء صمود الثورة المحاصرة ) ، خاصة وأنهم يقفون وراء مسلسل الهدنات والمصالحات التي تثبت النظام وتريحه ، وهم من يدفع وراء ضرورة التفاوض معه . ثم يصدرون البيانات الخطابية للتمويه ، كبيانهم يوم رفضوا المشاركة بجنيف فوجدنا قادتهم في اليوم التالي على الطاولة هناك حيث رفضوا وأدانوا . فهم بهكذا سلوك لم يدينوا سوى أنفسهم ، ولم يحتقروا سوى عقول شعوبهم .

أما إذا فشل مسار التفاوض، فيكونوا سببا لتقسيم سوريا وفصل الشمال العربي السني عن الجنوب العربي السني ، تماما كما كانوا سببا في انفصال الضفة عن غزة وطعن القضية الفلسطينية في مقتل … فلا هم حرروا فلسطين ولا أوقفوا مسار التفاوض بل هم ذاتهم من عاد للتفاوض مع اسرائيل لكن عبر وسيط … وبالتالي لم يتحقق شعارهم باقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب ، وهو الشعار الذي برروا فيه تمردهم على السلطة وحربهم مع فتح ، بل أقاموا دولتهم ضمن معكسر مكتظ اسمه غزة وحاصروا الناس فيه بسبب عنتهم السياسي … مسعى الإخوان الحالي يسهل تسليم سوريا للأجنبي تباعا ( الإيراني والروسي والتركي … ) مقابل وصولهم ومشاركتهم في السلطة ، ومشروعهم هذا يتناقض بشكل جوهري مع الوجود الوطني وأهداف الثورة ويساهم في تقويض الوجود العربي في المنطقة …

المشكلة في هكذا نوع من الحركات أنها تقف في منتصف الطريق ، كما حدث مع الماسونية حيث قوضتها الديمقراطية ذاتها التي سبق وروجت لها في شعاراتها ، فالشعوب لا تقبل الوصاية والهيمنة والتدليس عليها وسرعان ما تنفر من هذه الطريقة المتعالية بالتعامل معها ، وحالما تحصل على حريتها ترمي بكل الانتهازيين والمتسلقين الذين ركبوا حركات الشارع واسقاط الأنظمة ، لكي يتسنى لهم ظروف الصعود مكانها ، فاستبدال استبداد باستبداد غير ممكن عبر الثورات بل الانقلابات فقط ،، لأنه إما أن تكمل الثورة طريقها نحو الحرية ، أو تقع في الفوضى العارمة … و من غير المعقول أن نتوقع نفعا للشعب السوري الذي ديس بالأقدام من تحالف الإخوان والنظام ، فهو تحالف على باطل وجريمة وعلى ركوب هذا الشعب كمطية .

والخطير فعلا أن تكون ايران وتركيا قد وجدت بديل بشار المناسب لهم وهو تنظيم الإخوان واتفقوا على تسليمهم سوريا لكي يستمروا كنظام ضمن محور المقاومة ويأتمروا بأمر شقيقهم حزب الله المعصوم من الضلال ، وبذات الوقت يمثلون السنة المضطهدين … فالمؤشرات تقول أن الإخوان قد افلتوا من تحكم الدولة الخليجية المكلفة بتربيطهم بها بعد أن أكلوا طعمها وتغذوا به ، وخدعوها بدل أن تستغبيهم ، وخرجوا عمليا عن طاعة الدول الغربية التي رعتهم طويلا بتجاوزهم للخط الأحمر بالتعاون مع الروس والإيرانيين ، فالغرب يتعيش على النزاعات ، وبراغماتية الإخوان وانتهازيتهم ، مكنتهم من القفز فوق الخطوط الحمر ، مما يعاكس الغاية المطلوبة منهم غربيا . فصاروا في خندق الأعداء ، وعرضة للانقسامات ، وطرح على عجل ضرورة ايجاد مجالس تمثيل للمعارضة بديلة عن تلك التي يسيطروا عليها … والمشكلة المحزنة أن تركيا التي يستغلونها ويورطونها (ونظن أنها تتحكم بهم) ، تركيا الجريحة المهددة بوجودها واستقرارها وأمنها ، أنها لم يعد لها طموحات أيديولوجية اسلامية أو قومية خارج حدودها ( دلل على ذلك مصالحة روسيا واسرائيل وفتح باب الحوار مع نظام الأسد  ومصر معا ) ، فكل ما تريده تركيا الآن هو أن لا تقتحم المشاكل عليها حدودها قادمة من سوريا أو غيرها ، وهي تفضل أن توكل المهمات الخارجية لغيرها ، وهذا ما يجعل ايران هي المتحكم الفعلي في النظام السوري (الإخواني الأسدي ) القادم . الذي يكرس وحدة وأخوة المسلمين النصيريين والشيعة والسنة ، ووحدة ومنعة المقاومة والممانعة والجهاد ، ( أمة واحدة ذات رسالة خالدة ) وهذا ما سيدفع بالغرب وأمريكا لعرقلة مسار الحل السياسي الذي طلبوه طويلا ، والذي سيتعثر حتما بسبب هذه المتغيرات والسبيكة العجيبة من التطرف والترهيب والتشبيح ، مما يهيئ لتقسيم سوريا بالتوافق بين المقاومين والمجاهدين ، والشبيحة ، وهذا ما سيحدث غالبا نظرا لعقم العملية السياسية  بعد سنوات من جرائم الإبادة والتهجير التي ارتكبها سادة المقاومة ، فتقسم سوريا سيكون لأربع دويلات وفضلة ( دويلة علوية تشبيحية في الساحل بحماية روسية مباشرة ، ودويلة شيعية ايرانية مقاومة في حمص والقلمون ودمشق . ودويلة اخوانية جهادية في حلب وادلب وصولا للرقة ، ودويلة كردية أوجلانية بحماية أمريكية في الجزيرة ، وتبقى فضلة البادية وحوران للعربان البدوان ، وتسقط الثورة وتسقط سوريا معها ، ويبقى بشار والإخوان وإيران !!!.  

ملاحظة : سيقولون عني أنني ضد الدين والاسلام كعادتهم عندما ننتقد عيوبهم ونوضح خططهم ، لذلك أقول أن الحزب الشيوعي والحركات العلمانية والقومية سواء في السوء ، لكنها أتفه من أن نحللها ونضيع وقتكم بذلك فهي في حكم الميتة … و النتيجة البسيطة التي أردت الوصول إليها : أنه لا يمكن الوثوق إلا بالشعب وبالتنظيمات الشفافة التي تخرج من الشارع وتحتكم إليه ، وكل منظمة نخبوية هي مشروع استبداد وعمالة وفساد وتآمر يستخدم للتقية شعارات دينية أو علمانية أو قومية   لا فرق … فالأساس في الوطنية هي الشفافية والحرية واعتبار الشعب صاحب السيادة العليا على قراره وسلطاته ، وليس جاهليا يستوجب الحرابة  أو جاهلا يحتاج للتعليم ، والثورة ليست على شخوص النظام ، بل على مفاهيم النظام وبنيته الفكرية والسياسية والتكوينية بشخوصه وبغيرهم ممن يتنطحون للجلوس مكانهم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.