داريا بعد الزبداني … والحبل على الجرار ( تشييع دمشق )

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

كانت مهمة علي زيود الأساسية عندما تسلم محافظاً لريف دمشق ومكث في منصبه ما مكث ، هي إحاطة المدينة بطوق من المستوطنات العلوية والأقلوية التي أصر من خلال زرعه لنبتة الدفل السامة فيها على تذكيرنا بتهويد القدس . مع فارق كبير أنه لم يبن مستوطنات منظمة صالحة للسكن ، فهذا مكلف وطويل ومكشوف ، بل أطلق فوضى العمران وساهم في سلب ملكيات الأرض باستخدام  سطوة الجيش وقانون الطوارئ ، وسمح ببناء العشوائيات التي تحولت بقدرة قادر لمستوطنات مكتظة ذات بنية طائفية صارخة ، بنيت من أموال الفساد والاختلاس والرشوة التي يتقاضاها من ترك ضياعة وجاء للتشبيح في دمشق ، ودبر لنفسة وظيفة في الدولة بصفة مخبر مدعوم بقافه يستخدمها كأداة للتشبيح على المواطنين والمؤسسات وينهب ويسرق كل ما يقع تحت يده ، ويحتال ويبتز ويسلب كل ما يوجد في طريقه ، لا يفرق بين  خاص أو عام وحلال أو حرام وعيب وقانون فهم جنود الأسد الذين يسكنون عرينه ويشاركونه إلتهام فريسته  …

هكذا بنيت عشوائيات دمر والهامة  وقاسيون لتغلق مدخل الشمال ، وال 86  والسومرية وحي الشرطة في المعضمية لتغلق المدخل الغربي و بنيت مساكن برزة وعش الورور والضاحية وتشرين وجوبر في المدخل الشمالي ، و الطبالة وجرمانا والصناعة  والسيدة زينب في الشرقي ، ولكن النظام بقي عاجزا على حصار دمشق من الجنوب ، رغم محاولته في صحنايا ونهر عيشة ، فقد وقفت في وجهه عشوائيات سابقة كبرى هي مخيمات اللاجئين الفلسطينين والنازحين السوريين من الجولان أو البادية ،  أقصد فلسطين واليرموك والحجر الأسود والسبينة ، ووقفت داريا من الجهة الأخرى كأكبر تجمع سني حرس مع حي الميدان والقدم البوابة الجنوبية لدمشق … وكانت هذه المناطق هي الأكثر اشتعالا بالثورة ، لعلة الفقر والاضطهاد الطائفي وميزة النخوة والشجاعة ، وهي الجبهة التي تعرضت أكثر من غيرها للخذلان مع أنها الأخطر على النظام ، وكلمة خذلان لا تكفي لوصف ما حدث من تآمر ووخيانة وغدر وخسة طالت مقاتلي هذه الجبهة وفصائلهم ثم طالت المدنيين الذين تعرضت ممتلكاتهم للدمار بل الإزالة التامة في بعض المناطق وهجروا وجوعوا حتى الموت تحت قصف البراميل ، وبقيت داريا صامدة في وجه أعتى الهجمات ، حتى تآكل صمودها بفعل الحصار الطويل الذي لم يعمل أحد على فكه ، وبفعل تآكل كل الجبهة المحيطة بدمشق ، والهدنة غير المعلنة مع دوما ، وأهم من ذلك مسعى أعيان دمشق ذاتهم … الذين سعوا بكل الوسائل إلى تبريد جبهة دمشق ، واعترضوا بطرق مختلفة على دعم الثوار بالسلاح مرة تحت مسمى السلمية ، ومرة تحت ذريعة التطرف ، ثم الإرهاب وكل ذلك  خوفا على ممتلكاتهم التي يحميها النظام شريكهم بالمال والفساد ، وشركاءه في جريمة ابادة ريف دمشق وتهجير أهله وصولا لتهجير داريا … ليستكمل النظام عملية محاصرة دمشق ، و بعد ذلك يكون من السهل عليه اجتياحها ديموغرافيا بعد أن هجر وقتل خيرة رجالها ونسائها …

ما يجري في دمشق ومحيطها ليست مسألة صراع على السلطة أبدا ،  ولا قضية اسقاط أو بقاء نظام ( إنها الواجهة فقط  التي يجب أن تدوم أطول فترة ممكنة ) ما يجري هو مسألة تغيير ديمغرافي منهجي متكامل تقوم به الطائفة العلوية بدأت منذ أكثر من عقدين وتستكمل الآن بالعنف والحرب مدعومة من ايران وروسيا… إنها عملية تشييع للمدينة السنية تقليديا ، وما جرى في داريا يشبه ما جرى في الزبداني ، وما جرى في الزبداني يشبه ما جرى في القصير حيث باشر حزب الله استيطانهما بشريا ، وعملية تشييع دمشق تشبه عملية تشييع حمص ، وكما يهجر من تبقى من أحياء حمص تباعا  رغم المصالحات ، فإن ما تبقى من أحياء دمشق الخانعة سيكون تهجيرها أسهل بكثير بضغوط أمنية ومعاشية وأخلاقية وتجويع وتشبيح لا يشمل فقط أهل مضايا ووادي بردى والسبينة وداريا وعربين ودوما … بل سيشمل أيضا السنة حتى لو سكنوا في المالكي … وعملوا في شركات رامي مخلوف .

المصيبة أن هذا العمل تم برعاية الأمم المتحدة التي تشرعن بل تشترك في جريمة التغيير الديموغرافي حيث تقلص عدد العرب السنة للنصف وتحولوا من أغلبية مطلقة لمجرد أقلية كبيرة ،  وأن يتم تنفيذ اتفاقية تسليم داريا بالتزامن مع عملية جرابلس  بتفاهم وتنسيق دولي غير مسبوق ، وأن يرعى هذه التسويات والتسليمات جهة تدعي المعارضة وتهيمن على قرار الائتلاف والمجلس وهيئة الرياض ، وتمسك ورقتي الحرب والتفاوض معا ، و تستفيد من التقارب الروسي التركي الإيراني ، وتتحرك لتجمع مصالح الدول مع مصالحها الحزبية وترى في اقامة دويلتها في ادلب نصرا ينسيها خسارة حمص والقلمون ودمشق قلب العروبة وعاصمة الأمويين … و تراهن على التحالف التركي الإيراني لإيجاد حل في سوريا يشاركها السلطة مع النظام ، ولا تمانع أن يتقلص لتفاهم على تقاسم مناطق النفوذ في سوريا : ادلب ونصف حلب لتركيا ، وحمص وثلاث أرباع دمشق لإيران ( قابلة للزيادة )

المقال التالي : الإخوان وإيران في سوريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.