يثب

الآلهة و السلطة

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الإله ملك وسلطان توج نفسه بنفسه لأنه خالق ، فتخضع كل المخلوقات لسلطة الرب الذي خلقها ووضع نظام الكون ، فهي بحريتها وجبرها ، بإرادتها ومن دونها ، خاضعة لنظام وناموس الكون الذي خلقه خالق أحد ، فرد صمد ، وفقا للعقيدة الدينية وفلسفتها عن الوجود .

{ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ } (سورة الرعد 15)

وكما للوجود رب وحاكم ، كذلك للأسرة رب ، وللقبيلة سيد يحفظ نظامها … وللمدينة ملك ينظم أمور العيش فيها . فكل نظام اجتماعي وكل عيش مشترك لابد أن يُحكم بضوابط ومعايير وسلطات ، وهكذا نشأ الترابط الشكلي والوظيفي بين سلطان الرب والسلطة السياسية وتداخل الدين مع السياسة فصارت سلطة الحاكم : ( ملكا أو رئيسا مفدّى ، أو أميرا أو خليفة …. إلخ ) تحاكي سلطة الرب وتستمد منها ، وصارت ممارسة السلطة أو الخضوع لها نوع من الشرك عندما تخرج عن حدودها وضوابطها الوظيفية البشرية ، فالمسألة التي تفرق بين السلطتين هي أن سلطة الرب سلطة خالق سيد خلق وحكم ، بينما سلطة الحاكم هي سلطة عبد وضيع مخلوق تسلق للحكم وحول نفسه لما يشبه الإله الذي لا ينازع ، فمتعة السلطة المستبدة ومكاسبها تفوق أي متعة أخرى . لأنها تشعر الحاكم بألوهيته وليس بعبوديته … وما التكالب على السلطة والسلطان في هذا المعنى إلا سعي للشرك والكفر والزقوم طالما كان هذا السلطان لا يفهم حدوده ودوره ومسؤوليته التي حرص الخليفة الثاني عمر على توضيحها ووضع ضوابطها خوفا من الشرك والضلال .

طورت المجتمعات عبر التاريخ نظم السلطة فيها ، و أصبحت السياسة هي من تنتج سلطة الدولة في المجتمعات والحاضرات ، والسياسة شيء آخر مختلف عن الدين جملة وتفصيلا ، وإن كانت قيم الدين تسعى لتكون القيم العليا للمجتمع ، فهي ليست بديلا عن السياسة التي هي عملة انتاج التوافقات الإجتماعية التي تنتهي بنظام وسلطة تحكم عيش البشر المشترك وتخدمه ، بآليات وطرق معقدة تضمن أن لا تتحول لطاغوت وجبروت يظن بنفسه إلها يحيي ويميت ، وتعتبر الديمقراطية هي أرقى نظام لها تأسست بعد الثورة الفرنسية التي نزعت طابع القداسة عن السلطة.

إذن قضية السلطة ليست قضية بسيطة أو غير هامه فهي قضية يتمحور حولها الوجود الاجتماعي جله ، ولا يصلح التدين بفسادها ، وفساد السلطة أو طغيانها هو دمار للمجتمع والقيم والدين ومدعاة للحرب التي نشهدها على البشر والمساكن … ومن يدعوا للتصالح مع السلطة المتجبرة الطاغية خوفا على المجتمع أو البيوت هو داعية للشرك حتى لو ارتدى عباءة شيخ جامع … ومن يقاتل بشار وبوتين وخامنئي في سوريا من أجل الحرية والديمقراطية وليس السلطان والطغيان ، هو الوطني المؤمن بأن العبودية هي فقط لله وحده سبحانه . وحسم مسألة السلطة والنظام السياسي في سوريا هو شرط استعادتها وليس العكس . وما تدخل الدول المختلفة للدفاع عن نظام بشار إلا حرصا على نظامها الطاغوتي ذاته … وخوفا من انتقال رياح الحرية إليها ، فالشعوب العربية عموما والشعب السوري خصوصا يقاتل بالنيابة عن شعوب العالم أجمع ، وثورته ستغير العالم كما غيرته الثورة الفرنسية إنشاء الله .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.