يثب

أهلا بترامب أهلا بالحرب

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

يطغى الطابع المهرجاني الإعلاني على الخبرة السياسية الفعلية في حملات الترشيح الأمريكية ، فلا يتم البحث عن الشخصية السياسية الأكثر خبرة وحنكة بل عن الشخصية المسرحية الأقدر على الاستعراض ، وتنقسم الحياة السياسية بين حزبين لا يختلفان أيديولوجيا بشكل واضح ، إنما بنوعية الفئات الداعمة حيث يميل كبار الملاك والرأسماليين لدعم المرشح الجمهوري ، بينما يميل العمال والموظفين لدعم المرشح الديموقراطي ، وترجح الكفة بينهما فئة متذبذبة بين هذا وذاك ، متقلبة المزاج تحسم النتائج ، فقد اختارت في الانتخابات الماضية رئيسا أسود من أب مسلم للتعبير عن الشفاء الكاذب من العنصرية والتعصب الديني ، لتختار بعده رئيسا لا يخفي بل يباهي بالنزعة العنصرية لديه وكراهيته لغير ديانات … وبينما حاز من فوره الرئيس أوباما على جائزة نوبل للسلام لأنه انسحب من العراق ليسلمها لداعش والحرس الثوري الإيراني ، ثم ليترك سوريا ساحة قتل واستنزاف لمن هب ودب من دون فعل شيء ، فإن الرئيس ترامب قد حاز من فوره أيضا على تهمة التشدد والعنصرية وأثار انتخابه المخاوف من احتمال التورط بحرب عالمية ثالثة صارت حديث الكثيرين ، بعد أن نحج اليمين المتشدد في الهيمنة على السلطات في أكثر من دولة ومكان بدءا بروسيا بوتين ، وايران خامنئي وصولا لترامب وناتانياهو ، وغدا فرنسا وبعدها لا ندري النمسا أم بولونيا أم ألمانيا وربما السويد التي يحكمها الإشتراكيون منذ 35 سنة .   وهذا لا يعني فقط تفكك الاتحاد الأوروبي بل يعنى قبل ذلك تعطل منظومة المجتمع الدولي كله ، وهو ما لمسناه في التعامل مع الأزمة السورية التي تحولت لمذبحة للبشر والقيم والانسانية تنذر بأفدح العواقب على مستوى العالم المحكوم أكثر فأكثر بالقتلة والمتجبرين والطغاة والمتعصبين ، ليس البغدادي إلا واحدا ضعيفا منهم يبررون بسببه ، ويستخدمونه ذريعة لممارسة حقيقتهم العنصرية الحاقدة .

وهنا قد يسأل سائل ما أهمية أن يفوز هذا الشخص أو ذاك في رئاسة أمريكا ، وكم سيكون مدى تأثير شخصه على سياسة دولة عظمى بهذا الحجم ؟ لديها مؤسسات عريقة ! ولديها سياستها وخططها الاستراتيجية ! ، فهل يغير كثيرا وجود هذا الشخص أو ذاك في البيت الأبيض ؟؟.

للجواب نعود أولا للتاريخ ، فعندما قرر الرئيس السابق بوش غزو العراق كان حماسه الشخصي هو المحرك الحقيقي للعملية ، وعندما قرر أوباما عقد اتفاقية مع ايران وحماية نظام الأسد كان أيضا حماسه الشخصي هو المحرك … بينما كان واضحا لو أن منافسه ماكين قد فاز لكان قد استخدم القوة التي بحوزته ضد ديكتاتور يقتل شعبه بدم بارد .

فالنظام في الإدارة الفيدرالية نظام رئاسي مركزي ، مراقب من قبل الكونغرس ، يهتم بشؤون السياسة الخارجية والدفاع والنظام المالي ، بينما تعيش الولايات حياتها ونظمها الخاصة محكومة بطريقة محلية تختلف من ولاية لولاية . في أمريكا تتميز نوعية الإدارة عن غيرها من الدول حيث يعتمد النظام الرئاسي في كل سوية ودائرة من الدوائر حيث يوجد رئيس مسؤول يعمل الباقين على تنفيذ تعليماته ، فكل موظف رئيس في مكانه ومستواه ، ويتحمل المسؤولية عن نجاحه وفشله ، وصولا لرئيس الاتحاد الفيدرالي الذي تنحصر في مكتبه القرارات الأعلى ويعمل لخدمته عدد كبير من المؤسسات والغروبات من المستشارين والموظفين الذين يناقشون ويحضرون ويقترحون لكنهم لا يقررون ، فالقرار في النهاية لشخص الرئيس أو لمن يعطيه بعضا من صلاحياته … أي أن الرئيس يحكم فعلا في أمريكا ، باستثناء حالة نادرة هي أوباما الذي فضل أن يلعب دور مدير للبيت الأبيض ، وليس رئيسا فيه ، وأن يتردد ويترك القرارات لموظفيه البيروقراطيين ، مما انعكس تخبطا وسلبية على كل القضايا التي تعامل معها … أدت في النهاية لتحول كبير لدى الناخب الأمريكي الذي تحول عن دعم كلنتون الديمقراطية (رغم جاذبيتها ) وفاجأ العالم بدعم ترامب الجمهوري المحافظ (رغم جلافته) .

في المحصلة لن يكون هناك شخص رئيس أسوأ من أوباما على الأقل بالنسبة للسوريين ، لأنه أهدى جائزة نوبل لبشار الكيماوي والحشد الإيراني الذي يعيث خرابا في الشرق الأوسط . أما صعود ترامب فهو يعكس مدى جنوح المجتمعات نحو اليمين المتشدد ، ربما بسبب الأزمات الاقتصادية والأمنية وتحديات العولمة والاستهلاك والسكان والأمن التي لا تجد حلا ضمن سياسات اليسار والنظام العالمي الحالي … وهذا بدوره يضع العالم على أبواب حرب عالمية ثالثة ربما ستكون بالتقسيط وأقرب للحروب الأهلية التي تعبر عن فشل واهتراء الدول المتناحرة ذاتها ، التي تنزع للتعصب والعنف قبل أن تنهار ، بما فيها العظمى ( روسيا وأمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا ولا ننسى الصين التي توشك على الدخول في حرب أهلية بسبب التناقضات الهائلة التي تتفاقم داخل مجتمعاتها في ظل النظام الشيوعي الذي يطبق رأسمالية غريبة عجيبة )…

وهكذا بدا واضحا خلال سنوات عجاف مرت على سوريا أن اسقاط الأسد يتطلب اسقاط خامنئي وبوتين وأوباما وتغيير النظام العالمي برمته … لذلك تحولت مذبحة الشعب السوري المستمرة لوصمة عار ولعنة تلاحق كل المسببين والمشاركين والمتواطئين عن قصد أو اهمال وسوء تقدير وتنصل من المسؤولية … فالعالم فعلا ينقصه القيم والحكمة والسياسيين المحترمين … ومثل هكذا عالم لن يعرف السلام والاستقرار … فشخص ترامب سيكون له دور مميز في رفع سوية التوتر الدولي الذي يبدو أنه قد أصبح ضروريا لدفع عملية التغيير العالمي ربما سلما وعلى الأغلب حربا، ولن نعدد الخاسرين الكثر من هذه الحرب إقليميا ، لكننا كسوريين لا أمل لنا من دون حدوثها. والرئيس الأمريكي الجديد سيكتشف عاجلا اسوة بالروسي الحاجة لاستخدام التفوق العسكري للتعويض عن التراجع الاقتصادي والسياسي … وما الغزل بين الشخصين إلا لتشابههما وتمهيدا لجولة حميمة بينهما … لذلك نحن السوريين الذي يمارس عليهم بوتين ما يمارس … نقول أهلا بترامب ، أهلا بالحرب …

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.