يثب

متى تنتهي الحرب في سوريا ؟

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

عندما سئل العماد ميشيل عون : متى تنتهي الحرب في لبنان ؟ كان جوابه : عندما ينفجر الوضع في سوريا !! حدث هذا في أواخر الثمانينات عندما ترأس العماد عون حكومة عسكرية بتكليف من أمين الجميل ليلة انتهاء ولايته وتعذر انتخاب رئيس بديل له كالعادة… يومها كان حافظ أسد يستثمر هذه الحرب ويسعى لإدامتها والتلاعب بأطرافها … شن العماد عون حرب التحرير ضد الجيش السوري ، فكان أن استغل حافظ غزو صدام للكويت واشترط لدخول التحالف ضد صدام أن يحكم قبضته في لبنان ، فهاجم بموافقة أمريكية مثلث عون ، وفرّ  العماد عون للسفارة الفرنسية وحكمت سوريا لبنان من دون منازع … ترعرع وتقوى حزب الله تدريجيا خلالها ، وبعد عشرين سنة ، عندما حدث ما تنبأ به عون أي انفجار الوضع في سوريا، تدخل حزب الله لمساعدة النظام فيها واستنفرت إيران قدراتها من أجل ذلك ، مستفيدة من التأكيد الأمريكي أنها لن تستخدم قوتها في سوريا ، ولم تجد نفعا المنافسة الروسية على دعم النظام في تقليص دور ايران وتحكمها بالنظام السوري ، ولا في مجريات الحرب الأهلية التي تشنها ضد العرب السنة الذين تقلص وجودهم المادي إلى أقل من النصف وتحولوا من أغلبية مطلقة في سوريا لأقلية كبيرة نسبيا ، بعد أن دمرت مدنهم الرئيسية تباعا وليس آخرها حلب …

الحرب الأهلية في لبنان لم تنته بعد، رغم برود مظاهرها ، ورغم انفجار الوضع السوري ، والعماد عون الذي حاصره تقدمه بالعمر إنقلب على نفسه وعاد لمصالحة النظام السوري ، ثم التحالف مع حزب الله ليصبح رئيسا للجمهورية اللبنانية المحكومة من الحزب وإيران وليس فرنسا، والحرب في سوريا ما تزال في أوجها بمشاركة وانخراط كامل من إيران وحزب الله ودعم روسيا العسكري والجوي … ومع تدخلات الدول الأخرى المحدودة يخوض العرب السنة حرب وجود من دون مساعدة مادية تذكر إلا من قبل تركيا التي تسعى لتجنب خطر تشكيل دولة كردية كأولوية لديها ، في حين ينقسم العرب بين مشغول في حروبه وأزماته الداخلية وبين متآمر مع النظام السوري وحليفه ايران … ويغيب المجتمع الدولي عن الساحة مستمتعا بتنامي الحرب بين المتطرفين السنة والمتطرفين الشيعة ، ولا يهمه من الموضوع سوى ضبط تدفق اللاجئين إليه … وهكذا تستمر هذه الحرب وتدوم من دون أن يلوح أفق قريب لوقفها …

الأمل الوحيد المتبقي لوقف هذه الحرب قبل تقويض الوجود العربي السني في الشرق الأوسط ، هو بالضبط ما قاله ميشيل عون : تنتهي الحرب في لبنان عندما ينفجر الوضع في سوريا ، وبالقياس عليه وعلى الحدث التاريخي نقول تنتهي الحرب في سوريا والعراق ولبنان واليمن عندما ينفجر الوضع في إيران … فإيران هي أصل البلاء في المنطقة وهي من تبني مشروع إيران العظمى على حساب تخريب الشرق الأوسط وتغيير بنيته السياسية والديموغرافية … وهي تشبه بسلوكها هذا سلوك النظام النازي الذي حاول الهيمنة على أوروبا … وكما لم تنته الحروب المدمرة في أوروبا من دون تدمير النظام النازي ، لن تنته الحروب في الشرق الأوسط من دون تدمير نظام الملالي وتوابعه … وهذا لا يعني الوجود الشيعي التاريخي ، بل فقط التعبير السياسي الممثل له حاليا .

 وعليه ليس هناك فجوة أمل إلا بتسعير الخلاف الأمريكي الإيراني خاصة حول الملف النووي ، فإذا حسم الرئيس الأمريكي الجديد أمره واستخدم العين الحمراء ضد إيران عندها قد نجد الفرصة لإيقاف مذبحة الشعب السوري والعراقي واليمني … وهذا يتطلب شكلا سياسيا وعسكريا لقوى المعارضة لا يتبنى آيديولوجيا تخيف الغرب وتضطره للإحجام عن المساعدة … كما فعل طيلة السنوات السابقة العجاف … ويتطلب سياسة حكيمة من حكومة أردوغان تضمن ألا ينفجر الوضع التركي قبل الوضع الإيراني ، وأن يتركز دعمها بالتعاون مع السعودية في سوريا على إعادة تشكيل قوى المعارضة السورية بما يتناسب مع هذا الهدف … أي بعكس سياساتها السابقة طوال تلك السنوات العجاف أيضا … ويتطلب من الأردن تنسيق الجهود للعمل سريعا على فرض منطقة آمنة في الجنوب السوري صارت أكثر من ضرورية لوقف النزيف السكاني العربي من جنوب سوريا لحساب الغزو الاستيطاني الفارسي . فالعرب الذين لم يتنبهوا لخطورة اسقاط صدام واعتمدوا بشكل مطلق على أمريكا التي سلمت إيران (عن قصد أو غير قصد)  كل من العراق ولبنان ثم سوريا تباعا، سوف يدفعون الكثير من وجودهم التاريخي شرق المتوسط إذا لم يستنفروا قواهم ويحزموا أمرهم في مواجهة مشروع ايران العظمى … والله المستعان .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.