سوريا: في ‘جبهة الجنوب’ وصل المال وبانتظار تدفق السلاح… جبهة النصرة حاضرة وبقوة في درعا

لندن ـ ‘القدس العربي’ ينشغل العالم بالأزمة في القرم وإجراءات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في المنطقة التي أعلن يوم الجمعة ضمها رسميا للتراب الروسي.
وفي دمشق يستفيد النظام السوري لبشار الأسد الذي يواجه انتفاضة دخلت عامها الرابع الأسبوع الماضي ويزداد ثقة بنفسه. فهو وإن خسر مناطق شاسعة لجماعات متعددة ولم يعد يسيطر إلا على المدن والعاصمة ومناطق الساحل التي تتعرض هذه الأيام إلى هجوم واسع إلا أنه وبدعم من إيران ووكيلها اللبناني حزب الله استطاع تحقيق بعض الإنجازات في حلب وحول دمشق والقلمون.
وبعد ثلاثة أعوام من الحرب لا تزال روسيا مصممة على مواصلة دعمه. ويرى المعلقون أن الأزمة الأوكرانية تلقي بظلالها على الوضع السوري، ففي الوقت الذي تعاونت فيه الولايات المتحدة وروسيا على نزع أسلحة النظام السوري الكيميائية وعلى عقد مؤتمر جنيف-2 فسيكون التعاون صعبا في ظل العقوبات الإقتصادية التي فرضت على نظام فلاديمير بوتين بسبب ما يجري في القرم.
ولاحظت آن برنارد مراسلة صحيفة ‘نيويورك تايمز′ في تقرير لها من العاصمة السورية دمشق أن الأحداث الأخيرة في أوكرانيا شجعت بشار الأسد على المضي قدما والتحضير للإنتخابات الرئاسية رغم الظروف التي تمر بها البلاد من تمرد مسلح وانتفاضة شعبية.
وفي الوقت ذاته جعلت المسؤولين السوريين يشكون في إمكانية ممارسة موسكو ضغوطا على الحكومة في دمشق لتقديم تنازلات في القريب العاجل.

تحالف قوى الحرب الباردة

ولاحظت الصحيفة أن الحكومة السورية تتصرف بنوع من الثقة في ظل التطورات في القرم، وتعتقد أن شيئا لن يتغير على واقع ظلت فيه روسيا تعطل قرارات عقابية على سوريا في مجلس الأمن الدولي.
وتضيف أن منظورا يتنازل فيه طرفي النزاع ويفضي إلى وقف الحرب في سوريا وبرعاية أمريكية- روسية بات بعيدا، ويبدو حلفاء الماضي أثناء الحرب الباردة يقفون إلى جانب بعضهم البعض ‘ضد العدوان الغربي’.
وترى الصحيفة أن العلاقات القوية التي تعود لأكثر من ثلاثة عقود بين روسيا وسوريا والتقدم الذي حققه الجيش السوري في يبرود واستعادته قلعة الحصن الصليبية التي تطل على الطريق الرئيسي من دمشق إلى اللاذقية عزز حسا لدى المسؤولين السوريين وبين الخبراء والمراقبين بأن الأسد باق في السلطة.
ونقلت عن صحافي مؤيد للحكومة السورية تقييمه للوضع ‘بصراحة، موقف الحكومة يقول: لم نعد بحاجة لجنيف’.
وتشير الصحافية إلى أن أصحاب المحلات والدكاكين في الأسواق شعروا بهذا وقاموا برسم علم سوريا على أبواب محلاتهم كعلامة ضد المعارضة السورية التي تبنت علم الثورة السورية أثناء الكفاح ضد الإنتداب الفرنسي، مع أن بعض أصحاب المحلات قالوا إنهم رسموها خشية تعرضهم لمشاكل من مؤيدي الأسد.
ويرى المسؤولون السوريون والروس أن ما يجري في سوريا من حرب والأحداث الأخيرة في القرم هي جزء من معركة واحدة ومواجهة مع الغرب ممثلا بالولايات المتحدة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة وانهيار الإتحاد السوفييتي السابق، وهي المرحلة التي فتحت الباب أمام الولايات المتحدة بالعالم.
وفي هذه المرحلة يقوم النظامان الروسي والسوري بمواجهة المؤامرات الغربية للإطاحة بأنظمة غير مريحة للغرب ولكنها ‘شرعية’ نظام الأسد في دمشق ونظام فيكتور يانوكوفيتش في أوكرانيا الذي أدت تظاهرات شعبية ضده وعزله عن السلطة إلى تدخل موسكو في شبه جزيرة القرم.

الصداقة الروسية- السورية

ويعتقد أكاديمي روسي زار دمشق على رأس وفد طلابي هذا الأسبوع ‘القرم هي سوريا القادمة’.
ووصفت الصحيفة الوفد الطلابي الذي خرج من محل إقامته في فندق داما روز حيث قام اثنان منه برسم ‘لوحة للسلام’ وزار الوفد المعالم السياحية في دمشق والنوادي الليلية ونظمت له اجتماعات مع مؤيدين للنظام، وهو ما دعا الصحافية للحديث عن انتشار شعور بحب روسيا ‘روسوفوليا’ خاصة بين الجيل الجديد من مؤيدي النظام، والذين تدفقوا مثل أبائهم على موسكو للدراسة وأثنوا على خطط الحكومة تدريس الروسية في المدارس السورية.
في مقابل الصداقة بين النظام ومؤيدي الحكومة الروسية، حدث تضامن بين المتظاهرين الأوكرانيين والمعارضة السوريةـ حيث رفع المتظاهرون الأوكرانيون شعارات الثورة السورية في ‘ساحة ميدان’ وسط كييف.
وتقول الصحيفة إن الحكومة السورية تتعامل مع التطورات الأخيرة في القرم كعلامة على تراجع التأثير الأمريكي في العالم وأن ما حدث في القرم هو نتاج تدخلات واشنطن في شؤون الآخرين من العراق وأفغانستان ووسط آسيا وأخيرا أوكرانيا. ويقول رجل أعمال من حمص نقلت عنه الصحيفة إن ‘أمريكا تجبر العالم على معارضتها، حتى بلد صغير مثل سوريا يقوم بتحديها’.
وتقرأ الصحيفة طبيعة العلاقة الروسية- السورية والتي تعود لحكم الأب حافظ الأسد الذي نقل مستوى العلاقات مع الإتحاد السوفييتي إلى أعلى الدرجات ووضع بلاده في الفلك السوفييتي حيث تبنى التخطيط الإشتراكي، وأرسل البعثات للدراسة هناك حيث عاد الآلاف من السوريين ومعهم زوجات روسيات لا زال الكثير منهن يعشن في سوريا رغم الحرب الأهلية.
كما أن نصف أساتذة الجامعات هم من الذي تلقوا تعليمهم في الجامعات السوفييتية ولا يزال العديد من المسؤولين والمعارضين على حد سواء يتذكرون أيامهم في روسيا.
ولم تتغير علاقات سوريا مع روسيا بعد انهيار المحور الشيوعي إلا بدرجة قليلة حيث احتفظت موسكو بقاعدتها العسكرية في طرطوس.
ومع أن بشار الأسد الذي تلقى دراساته في بريطانيا اتجه نحو الغرب وفتح بلاده للشركات الغربية بدرجة أصبحت معها اللغة الإنكليزية لغة التخاطب في مجال التعاملات التجارية وبين النخبة بدلا من الروسية، إلا أن اندلاع الثورة ودعم الغرب لها أعاد سوريا إلى المحور السابق حيث مكن السلاح الروسي والصيني والدعم الإيراني نظام الأسد من البقاء في السلطة حتى الآن.

اللغة الروسية

وتعززت العلاقات أكثر بعد قيام موسكو بالتوسط في تدمير الترسانة الكيميائية التي أبعدت شبح الحرب والضربة الأمريكية على سوريا بعد الهجوم الكيميائي في الغوطة الشرقية في آب/أغسطس العام الماضي. وخرجت مظاهرات ورفعت لافتات في دمشق تشكر روسيا، وقرر وزير التعليم تدريس الروسية بدلا من الفرنسية في صفوف المدارس.
ومقابل الدعم الروسي والحب لروسيا ورغبة العائلات في تعليم أبنائها الروسية تعبيرا عن الإمتنان ‘لأنهم هم الذين يساعدون السوريين’ حسب امرأة من بلدة الزهرة في شمال سوريا والتي تسكنها غالبية شيعية. ففي مناطق المعارضة هناك شعور بالحنق والإحباط من الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي لا يجيد إلا إطلاق التهديدات، ولا يزال مترددا في تقديم السلاح للمعارضة. وبعد انهيار محادثات جنيف -2 جرى حديث عن تغيير في الموقف ودعوة أوباما المسؤولين في البيت الأبيض للبحث عن خيارات جديدة وإعادة النظر في القديمةـ لكن أوباما رغم كل هذا لا يزال مترددا في تقديم أسلحة ثقيلة للمقاتلين مثل الصواريخ المضادة للطائرات.
ومع ذلك يجري الحديث عن فتح جبهة جديدة في الجنوب السوري وهي التي لم تتكشف ملامحها بعد سوى ما رشح من تقارير في صحف عربية وأمريكية وبريطانية عن لقاء مسؤولي استخبارات الدول المعنية بالحرب في سوريا الداعمة للمعارضة وما جرى من تغييرات في المسؤولين السعوديين الذين يديرون ملف التعامل مع المعارضة.

الجبهة الجنوبية

وتناولت صحيفة ‘لوس أنجليس تايمز′ الموضوع في تقرير لها حيث نقلت عن قيادات ميدانية تلقيها أموالا وأسلحة من الدول الداعمة.
وتنقل عن قيادي في الجنوب انشق نصف جنوده الـ 2000 إلى جماعات إسلامية بسبب عدم توفر العتاد والمال لديه، قوله إنه تلقى ظرفا محشوا بالمال في الشهر الماضي من دولة لم يسمها واستخدم المال لدفع رواتب من تبقى معه من المقاتلين. وتقول الصحيفة إن ما أطلق عليها ‘الجبهة الجنوبية’ أصبحت مركز اهتمام وتركيز للإدارة الأمريكية في محاولة منها وحلفائها لتقوية المعارضة السورية التي تتراجع في الآونة الأخيرة حيث تحول الأردن لنقطة انطلاق لعمليات الدعم بحسب الصحيفة، ففي الأردن يقوم المسؤولون الأمريكيون وحلفاؤهم الخليجيون خاصة السعودية والإمارات العربية المتحدة بإعادة تغيير مسارهم في محاولة يرى الكثيرون أنها الأخيرة لحرف مسار الحرب الأهلية التي بدأت تتحول وبشكل كبير لصالح الأسد.
وتضيف الصحيفة أن هذه المحاولة قد تكون متأخرة نوعا ما فالخلافات التي طبعت العلاقات بين الفصائل المقاتلة في الشمال والشرق والمواجهات المسلحة بدأت تظهر وتعيث فسادا في الجنوب.
ومع ذلك تحاول القوى الأجنبية الحفاظ على ما تبقى من فصائل معتدلة في الجيش السوري الحر وإحياء قوتها ضد القوى المتطرفة التي أصبحت علامة على الثورة السورية.
ومن هنا فالمغلفات المحشوة بالمال تعني أن الحصول على ولاء المقاتلين ضروري في حملة الجنوب التي لا تزال في مراحلها الأولى وذلك حسب مقابلات أجرتها الصحيفة مع قياديين في جنوب سوريا. ويرى مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، جوشوا لانديز إن كل مقاتل وناشط يتفاخر بالحديث عن جبهة الجنوب للحصول على أنباء جديدة وإحياء الأمل.
وينبع هذا من كون الجنوب لا يبعد سوى 75 ميلا عن العاصمة دمشق ولقربه من الحدود مع الأردن وإسرائيل اللتين تشعران بالقلق من تزايد سلطة الجهاديين. ولهذا ترى الصحيفة أن عملية تصحيح الإستراتيجية متعلقة بمكافحة الإرهاب أكثر من العمل على الإطاحة بنظام الأسد. ويتهم قادة المعارضة المعتدلة التي تلقى دعما من الغرب جبهة النصرة بالقيام بحملة اغتيالات واختطاف للناشطين والمقاتلين في الجنوب.
وتشير هنا لاختطاف قائد ميداني من قيادات الوسط اسمه فادي قرقماس قائد ‘مغاوير حوران’ لأنها اتهمته بالتعاون مع الحكومة.
ودفع اغتيال قرقماس قادة الجيش الحر إلى الإجتماع والبحث في شأن فتح معركة مع جبهة النصرة في نفس الوقت الذي يقومون فيه بمواجهة النظام.
وبحسب قيادي ‘لدينا اقتناع كامل بأن جبهة النصرة في الجنوب مثل داعش في الشمال’ مشيرا إلى الدولة الإسلامية في العراق والشام والتي أوجدت حضورا لها في شمال وشرق البلاد لكنها غائبة في الجنوب.
مال بدون سلاح

وتضيف الصحيفة إن المال بدأ بالتدفق ولكنهم ينتظرون تدفق السلاح خاصة الصواريخ المحمولة على الكتف والمضادة للطائرات التي طالب بها المقاتلون في شمال سوريا لمواجهة القوة الجوية للنظام، ولا تزال الولايات المتحدة مترددة في تقديم هذا النوع من الأسلحة خشية وقوعها في يد مقاتلين جهاديين. ومع ذلك يقول قيادي ‘نعتقد أن وصول الأسلحة بات قريبا’ و’حتى الآن لم يصل شيء’.
ويشير التقرير إلى أن مدينة إربد التي كانت مركزا لاستقبال البضائع السورية من الملابس والمواد الغذائية تحولت إلى نقطة انطلاق واستراحة للمقاتلين.
وتضيف الصحيفة أن قيادات الجنوب السوري سوقوا أنفسهم للقوى الغربية والداعمة للثورة السورية باعتبارهم ‘معتدلين’ على الرغم من الحضور الواسع لجبهة النصرة ومقاتلين أردنيين بعضهم من أتباع أبو مصعب الزرقاوي الذي قتل في عام 2006 في العراق. وما يفرق قادة الجنوب أنهم يحملون كما يقول قائد رؤية معتدلة وليست متطرفة وهو ما يفرقهم عن جبهة النصرة.
ونقلت الصحيفة شكوى القيادات من قلة الدعم الذي يصلهم من الدول الغربية عبر الأردن، رغم وصول بعض شحنات الأسلحة من فترة لأخرى والتدريب الذي يقوم به مسؤولون عسكريون أمريكيون في الأردن، لكن هذ الدعم لا يقارن بالدعم الذي يقدم للنظام السوري من روسيا وإيران.
ومن هنا تساءل قيادي في المجلس العسكري الأعلى للثورة السورية في درعا عن السبب الذي يدعو الغرب لعدم تقديم الدعم لهم ‘هل يريدوننا أن نصبح متطرفين؟’. ويقلل قادة المعارضة في الجنوب من أهمية ‘الغرفة الدولية للعمليات المشتركة’ في العاصمة الأردنية عمان، كنقطة نشاط وتنسيق يعمل فيها عملاء للسي أي إيه ومسؤلون امنيون من دول المنطقة.
وتشير الصحيفة إلى أن التحول والتركيز على الجبهة الجنوبية بدأ في منتصف شباط/فبرايرالماضي عندما دعي 50 من قادة الفصائل للحضور إلى مركز العمليات المشتركة وطلب منهم الإنضمام إلى المظلة الجديدة التي أطلق عليها ‘ الجبهة الجنوبية’ وذلك نقلا عن مسؤول في الدعم اللوجيستي.
وضمن الوضع الجديد فقد طلب من قادة الكتائب تقديم قوائم عن المقاتلين لأغراض مالية حيث يتم بناء عليها تقديم أموال تغطي رواتب المقاتلين، وبمقتضى هذا الوضع تحتفظ كل كتيبة باستقلاليتها وقيادتها ولكن تقوم بالتنسيق الميداني. وتم تزويد المسؤولين بمعلومات وصور عن كل مقاتل في كل كتيبة ‘وأصبح الأمر منظما’ حسب قيادي.
وبحسب قادة فكل مقاتل يتلقى مابين 47 -70 دولارا أمريكيا وكل هذا يعتمد على خبرة ورتبة وحجم عائلة المقاتل. وبحسب بيان كتب بالعربية وأعده قادة فالجبهة الجنوبية تضم 30.000 مقاتل منضو تحت رايتها، وتمثل ‘صوت الإعتدال والذراع القوي للشعب السوري’، وأكدت أن لا مكان للطائفية أو التطرف في صفوف المقاتلين ولا في سوريا.
ورغم كل هذا فجبهة النصرة لها 17 مركزا وآلافا من المقاتلين في منطقة درعا حسب مسؤول في الجيش الحر. ولم تفت التحضيرات للحملة الجنوبية عن انتباه النظام الذي زاد من قصفه لمواقع المعارضة وعزز من انتشار قواته في مناطق الجنوب.

إبراهيم درويش – القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.