مجرم أم مجنون ؟ دراسة ( طبية عدلية)

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

ما يحدث  في سوريا فاق مستوى الجريمة ، إلى متسوى اللامعقول ، والسبب في ذلك ليس فقط عوامل عدائية موضوعية حكمت الصراع ، بل أهم منها عوامل ذاتية تكوينية في شخصية المتصارعين وعقلهم … لذلك عادة تطلب المحاكم تقريرا طبيا عن حالة المتهم العقلية قبل محاكمته لتحديد مقدار مسؤوليته عن أقواله وأفعاله ، وأحيانا يتقدم الدفاع بتقرير طبي يثبت عدم اتزان الحالة العقلية لتخفيف الحكم عن موكله بعد ثبوت الجريمة ، فيستبعد القاضي أسباب التشدد ، ويستبدل عقوبة السجن بالمشافي العقلية الاحترازية … فالجريمة سلوك عدواني شاذ يقوم به الفرد ربما بظرف قاهر أو سوء في التقدير أو بنوازع عدوانية لا يستطيع ضبطها ، أو بخلل عصبي نفسي عقلي يؤدي لما سبق .

يجمع كل من التقى بشار ، ومنهم زعماء دول ورؤساء أجهزة مخابرات، على أنه شخصية ضعيفة لا تظهر عليها علامات عدوانية أو مظاهر عنف توحي بنزوعه للجريمة ، بل ينخدع فيه الكثيرون ، ويستغربون كيف يقوم مثل هذا الشخص المتردد الميال للهزل بكل هذه الأفعال التي لم يجرؤ على ارتكابها عتاة الطغاة … لدرجة أن البعض يصفه بالعاجز والمغلوب على أمره ، فيتساءل من يحكم سوريا ؟ وعندما نقول له أن بشار هو الحاكم الوحيد الأوحد الذي يتحكم بالحزب والجيش والأمن والحكومة ومجلس الشعب والمفتي ، ويستطيع اتخاذ القرار الذي يريد ( طبعا قبل التدخل الإيراني والروسي )… يستغرب فعلا هذا الافتراق بين مظهره وشخصيته من جهة ، وبين سلوكه وقراراته من جهة أخرى .

كل من ذهب مع الوفود التي اختيرت لرعاية محاولات التهدئة في بداية الثورة كان يعود من اللقاء معه وهو مقتنع أن المشكلة ليست في الرئيس ، وربما بمن حوله … تلك الوفود التي كان ينظمها الضابط في الأمن السياسي حسام سكر الذي يبدو أنه التقط هذه الخاصة ببشار وحاول تسويقها ، أو انخدع بها وخدع الكثيرين الذين كانوا يعودون من لقائه ، ليسعوا جديا لتهدئة الناس ولفتح حوار مع النظام  بدل الثورة عليه … ومنهم من أصبح في قيادات المعارضة اليوم وما يزال على ذات القناعة .

سابقا اشتغلنا كمؤسسين لحركة ربيع دمشق التي أعقبت تسلمه السلطة ، على تقييم حالة بشار العقلية والنفسية خاصة بعد خطاب القسم ، وما تبعه من اجراءت معاكسة لمضمونه ، حيث استغرب من كان على قرب منه كيف يسلك عكس ما توقعوه ووعد به ، وأحيانا كانوا يظنون بأنه يكذب عليهم ، ومنهم من قدّر أن الحرس القديم انقلب عليه وأجبره ، وعبثا حاول ديبلوماسيون اقناعه ، فكان يقتنع في المساء ليقوم بفعل معاكس في الصباح كما حدث مع أولبرايت التي طلبت منه عدة طلبات عشية تنصيبه ، فكان منه أن ضرب بها عرض الحائط .

لكن بعض الخبراء ممن قابله بهدف تقييم وضعه الصحي العقلي ، استغرب كيف يوضع شخص غير متزن عصبيا وعقليا في قيادة دولة ونظام مثل سوريا ، وبعضهم قال (أنا لا أفهم مقدار حقد حافظ على الشعب السوري ، ألا يعرف امكانيات ولده ، كيف يدفع به للسلطة وهو بهذه الحال التي لا تخفى على أحد) ، طبعا من رتب وصوله للسلطة بعد موت حافظ  كان يتوهم أنه سيكون هو الحاكم الفعلي من الخلف ، نظرا لضعف شخصية وامكانيات الإبن الذي كان يقول له عمو ، بل إن جاك شيراك قد عطف عليه كولده وسوقه في العالم ، وكان يرى فيه ذلك الشاب الذي يحتاج فقط لتوجيه ودعم لكي ينهض بسوريا ، لكنه صدم تماما عندما تقين فيما بعد من دوره في تصفية الحريري، فانقلب عليه وهو في حالة غضب لا يفهم كيف حدث ذلك ، كما أن الرئيس أردوغان نفسه قد سبق وخدع به لسنوات وجعله صديقه المقرب ، ثم حاول اقناعه بوقف القتل حتى بعد اندلاع الثورة دون جدوى وبشكل حيّره فعلا كما قال ، وأيضا أمير قطر السابق الشيخ حمد ، والرئيس ساركوزي معهم ، وجون كيري ، واليوم دي مستورا وغيره ، فيما عدا الرئيس بوتن الذي لم يخدع به أبدا …   وعندما جاءه تيري رود لارسن يحمل رسالة تحذير دولية من مغبة قيامه بتصفية الحريري حيث رصدت يومها استعدادات لذلك تبعت لقاءً عاصفا سجله الحريري بواسطة (قلم – مسجل ) كان يحمله ، خرج من عنده لارسن وهو مقتنع أن الأسد لن يفعلها ، وذهب لطمأنة الشيخ الذي تحول لشهيد بعد عدة أيام فقط عام 2005 ، يومها سألت أجهزة المخابرات ، هل كان قرار التنفيذ قد دخل مرحلة لا يستطيع الأسد وقفها ؟ أي أن المنفذين ( حزب الله ) تابعوا فيها بالرغم منه ، أم أنه بريء منها فعلا … فهذا التناقض بين مظهر بشار وسلوكه بقي محيرا فعلا للكثيرين وما يزال ، وهو ما يستوجب التحليل والفهم.

وعندما نقوم كأطباء شرعيين بتشريح وتقييم حالة بشار ، نجد أنه يمثل حالة نموذجية للشخص المهزوز  المزدوج الشخصية ، والمنفصل عن الواقع في شخصيته الثانية التي لا تستطيع إدراك نتائج أفعالها ولا الإحساس الحقيقي بها . فهو فعلا يعيش في عالمين ، يعيش بشخصيته البسيطة الساذجة في تعامله العادي مع المقربين منه ، لكنه يتعامل مع قضايا الدولة وكأنها حالة افتراضية أو لعبة كومبيوتر ، لا تنطبق عليها معايير الواقع الفعلي ، فكل ما ينتج عنها ويتعلق بها هو صورة ووهم ، فالبشر أهداف وأرقام وليسوا لحما ودما ، وعندما يأمر بتعذيب الناس حتى الموت بمئات الألوف ، أو استخدام البراميل أو السلاح الكيماوي ، وعندما يتحدث عن ازالة درعا وتحويلها لحقل بطاطا ، أو عن تخفيض عدد السكان للثلث ، أو حتى عندما  ينكر وجود مذابح وقتل أطفال ، فهو مقتنع عقلا وشعورا أن من يموتون هم صور على الشاشة وليسوا مواطنيه المكلف بحمايتهم . والغير قادر عمليا على الاحساس بمأساتهم ناهيك عن التعاطف معهم لخلل في تكوين شخصيته.

لذلك استطاع أن يخرج بعد همجيته بدرعا ويلقي خطابه وهو يضحك ويسخر من الضحايا وذويهم ، فتتفجر الثورة في بقية المحافظات ، ثم يذهب لحمص ويتباهى في شوارعها بانتصاره ، عندما خلت تماما من أهلها الذين ذهبوا بين قتيل ومشوه ومهجر … تجول بين البيوت المدمرة التي أصبحت مقابر لسكانها ، وهو يبتسم ويفتخر بالانتصار ، لأنه كان يعيش هذا الواقع وكأنه صورة افتراضية على شاشة كومبيوتر في لعبة تحاكي الواقع ( virtual reality  ) ، أي أنه عندما يكون رئيسا لا يعيش شخصيته العادية بل يرتدي شخصية لاعب في لعبة افتراضية خيالية … و الكثير من المحكومين بالإعدام يصاب بهكذا حالة من الهلع تجعله يسير للمنصة وكأنه يحضر فيلم سينما ، أو كأن غيره من سيعدم ، فهو يرفض الواقع ويخرج منه ويتحول لمشاهد ، ويحول الواقع الحقيقي لواقع افتراضي وكأنه في لعبة …( هذه بالضبط حالة بشار النفسية والعقلية عندما يلعب شخصية الرئيس )  .

حتى عندما خرجت صور سيزر ، وأصدرت الأمنستي تقريرها عن صيدنايا كذّب ذلك ببساطة وسهولة ، فهو يعتبره غير واقعي ، من وجهة نظره هذه لعبة وليست واقع ليكون مسؤولا عنها ، حتى الثورة عليه هي لعبة فيس بوك كما يقول ، فهو مقتنع أن ما يحدث حوله لا يحدث في الواقع الفعلي بل مجرد فيلم و لعبة انترنت اسمها السلطة ، صلته بالحكم والشعب والدولة صلة افتراضية ، هو يتقمص شخصية والده في هذه اللعبة ، فتتخدر أحاسيسه عندما يفهمها كذلك ، ويتصرف بما تقتضيه شروط اللعبة التي وضعه فيها أبوه ، بينما ما يزال يرى نفسه بمرآته الخاصة كشخص آخر (زعيم محبوب ودود لأسرته وضيوفه) ، يلعب عندما يجلس على مكتبه ( قمة هرم السلطة ) كما يقول ، لعبة الحكم بطريقة صبيانية خرقاء عبر عنها  أحد الديبلوماسيين الأمريكيين بقوله ( لقد فشل في ارتداء حذاء أبيه ) . يعلب لعبة السلطة أو الممانعة، أو لعبة الحرب مع الإرهاب ، فيكبس زر تسيير الجيش  ويحرك ماوس اقتحام حمص وحلب … ليفوز في النهاية ، ويغلق لابتوب الحكم ليعود لحياته العادية ، ويشعر بالسعادة لقتله وتشريده الملايين من البشر الذين لا يرفعهم لسوية الوجود ، بل يعتبرهم مجرد صور ورسوم كرتون .

أتساءل ماذا لو  طلب منه أحد الضباط أن ينفذ هو بيديه واحدة من عمليات التعذيب والإعدام التي يأمر بها على نطاق واسع ، هل سيشعر حينها بمعنى تعليماته … هل سيدرك الفارق بين الواقع الحقيقي والافتراضي … ؟ هل سيخرج من حالة ازدواج الشخصية وازدواج الواقع … هل سيستمر في اعتبار الحكم لعبة انترنت … لدرجة أن ينكر تماما كل أفعاله بكل سهولة ويسر ؟؟؟ … أيضا لا أتوقع ذلك ، لأن عناصره وسجانيه هم مثله يعيشون نوعا من هذا الانفصال بين حياتهم العادية ووممارساتهم في غرف التحقيق . ومن عناصره من يتسلى بقنص النساء والأطفال ، ويلهو برمي البراميل على الأحياء المأهولة . ويتصور ضاحكا مع جثث السجناء الذين قتلهم بدم بارد .

التشوه ليس فقط في نظام بشار ، هو بالأصل كشخص لديه تشوه عصبي واضطرابات في تناسق الحركات في الفم واليدين والنطق ، أي أنه غير سليم من الناحية العصبية ( الهارد وير ) ، وهذا ما يخلق امكانية وجود خلل جدي في الوعي والإدراك أيضا ( السوفت وير ) ، المظاهر والعلامات والأعراض كلها توحي بوجود خلل تكويني وتشريحي  في جذع الدماغ والفك السفلي ، وتترافق نفسيا مع حالة من  التوحد  التي يفقد فيها المريض قدرته على إداراك مشاعر الآخرين والتفاعل معهم ، وتكسبه شخصية منفردة غامضة ومهزوزة تعيش عالمها الخاص بطريقتها …

و فوق ذلك لديه عيوب كبيرة في تربيته وتكوينه القيمي ، فقد تربى على أيدي الحجاب والخدم ، ولم تتشكل عنده أنا عليا تميز بين الصواب والخطأ ، أو بين الحق والظلم . فهو لم يختبر الحياة الاجتماعية ولم يعاني من الحرمان ، ولم يتعرض للمحاسبة والعقاب … لذلك يتثبت عند المرحلة الفوهية بحسب التحليل الفرويدي ( أي يوحّد الأنا العليا بالأنا الإيجابية المحبوبة ، ويفتقد تماما للأنا السلبية المكروهة والمعاقبة من قبل الآخر ، لأن هذا الآخر المضاد مفقود من الوجود لكونه ابن الرئيس المفدى) . ( عادة تنقسم الأنا من وجهة نظر الآخر لقسم ايجابي وقسم سلبي ، فتنشأ في داخل النفس الأنا العليا بنتيجة التربية كمراقب داخلي إرادي ينوب عن الخارج في تطويع القسم السلبي من الأنا ، كضرورة لدخول الحياة الاجتماعية ) وهذه الأنا العليا المراقبة مفقودة عنده ومتوحدة مع نوازعه .

فوق اصابته العصبية والنفسية وافتقاده للأنا الأعلى الضميرية ، يعاني أيضا من خلل خطير في التسلسل المنطقي للتفكير والمحاكمة :

مثلا عندما سُئل لماذا لا تستخدم حدودك للرد على إسرائيل بدل جنوب لبنان ، قال لا توجد لدي حدود مع اسرائيل ، واستدرك حدودنا محتلة ، هذه ليست حدودنا ، مع أن الموضوع ليس أين حدودك ؟ الموضوع عن فتح جبهة القتال الهادئة بالرغم من العدوان المتكرر ، لكنه بمجرد طرح مفهوم الحدود قفز من المقدمة وخرج خارج الموضوع لموضوع آخر تماما وهو شرعية هذه الحدود ، ونسي تماما المقدمة الثانية عند استنتاجه، ونسي العدوان وكلامه المتكرر  عن الرد ووو ، واستبدلها بمقدمة ثانية من عنده لكي يستنتج ما يريد  …  فما هي بالضبط  مشكلته مع المنطق ؟

عادة عملية الاستدلال المنطقي تحدث بالشكل التالي :

نقول مثلا كمقدمة أولى : الشمس تشع بالدفء ، ونتابع بمقدمة ثانية : أحمد يقف تحت أشعة الشمس ، فنستنتج أن :  أحمد يتدفأ  ، ننسى موضوع الشمس  الذي تكرر في المقدمتين وهو ليس الموضوع الذي نريد استنتاجه بل هو مجرد رابط منطقي بديهي يحفظ تسلسل الوعي المنطقي ، بينما بشار عندما يستدل ينسى أحمد  المطلوب معرفة حالته … ويتمسك بالرابط البديهي بين المقدمتين ، ويتوقف عنده ويفلسفه بطريقة تبدو فعلا سخيفة ، ويقفز به لموضوع آخر تماما ، لم يكن واردا في التسلسل المنطقي . فيقول تعالوا لنعرف الشمس أولا ، فيهرب في مثالنا لموضوع تعريف الحدود ، وهل هي حدود سوريا المعترف بها أم حدود جديدة فرضها الاحتلال ، ويتجاهل تماما موضوع الرد على العدوان  الذي هو محور القضية.

وعندما قال عن الثورة السورية أنها ليست ثورة ، برر ذلك بأنها لو كانت ثورة لكان شارك فيها ، ولكونه لم يشارك … فهي ليست ثورة ، أي أنه هو الثورة ( وكل شيء جيد ) فكيف يكون فعل مضاد له ثورة أيضا !!!.  إنه إرهاب حتما ( لأنه يعتبر نفسه دوما على حق ، لغياب الأنا الأعلى ) .  وعندما سئل لماذا تعتقل سجناء ربيع دمشق ( الذين كنت أحدهم )  وأنت تكلمت عن الرأي والرأي الآخر بخطاب القسم ، قال صحيح أنا قلت ذلك ، لكنهم توهموا أنفسهم أنهم هم الرأي الآخر ، هذا غير صحيح ، نحن الرأي الآخر وليس هم . أي أنه هو الرأي الآخر الذي يحب أن يسمعه كما قال في خطاب القسم ، أما الرأي فغير معروف أو غير متكون أصلا ، ( وما معنى حربية التعبير في حال غيابه ، طالما لا يوجد رأي بل رأي آخر فقط ؟) ، من وجهة نظره الانسان يقول رأي الآخر ( لاحظ اختلاط مفاهيم الأنا والآخر عنده ، فهو الأنا والآخر معا ) .  وعندما سئل عن وصفه الاسرائيليين بأنهم قتلة المسيح في خطابه أمام البابا ، قال أنا الوحيد الذي يحق له تفسير كلماتي … طبعا هو فعلا يقصد ذلك لأن تعابيره واستنتاجاته تختلف عن نظام المنطق واللغة المتداولة ، وهو على ما يبدو يعاني دوما من تلك المشكلة في علاقته بالآخرين …. !!!   ( كل ذلك التوصيف المرضي وهذه الأمثلة تعبر عن مظاهر مرض التوحد ) .

ثم تخيل في آب عام 2013 أنه سيلعب لعبة ذكية مع لجنة التحقيق عن استخدام السلاح الكيماوي ، عندما يستخدمه في فترة تواجدها ، متخيلا أن ذلك سيبرؤه ، وينقل التهمة للمعارضة ، ولكنه بدلا من ضرب الأحياء الموالية له ، قام بضرب الأحياء الثائرة عليه ، واتهم المعارضة أنها ضربت نفسها لتتهمه ، ثم أتبع ذلك بإنكار أن اللذين ماتوا هم أطفال دوما ، بل خطفهم الثوار من مناطق النظام ليقتلوهم في دوما . وكررت بثينة بعده ما يقوله ويفكر به ، وكذلك الدعاية الروسية التي تبنت نظريته عندما اتخذت حق الفيتو … فهو فعلا تختلط عنده المفاهيم عن الأنا والآخر ، ومن يجب أن يضرب من ، منطقيا … هذا تشخيص حالة بشار ، لكن أفضل من التقط تلك الشخصية شكلا ونطقا ومنطقا وجسدها مسرحا هو الممثل الكوميدي باسم ياخور في مسلسل ضيعة ضايعة . طبعا قبل أن تتفاقم حالة بشار بسبب الحرب ، ويصاب بداء السكري ويختلط بجلطة دماغية مؤخرا يفترض أن تزيد من تدهور حالته التي أدرك الروس مدى جديتها .

من الصعب فعلا وضع حد فاصل بين العقل والجنون خاصة في السلوك الجنائي ، فهناك منطقة رمادية واسعه بينهما تجعلنا نصنف الأفعال والشخصيات حسب درجة العقلانية والجنون فيها ، ولا نستطيع القول بوجود سلوك عاقل كاملا ومجنون كاملا ، حتى الحيوانات تعقل بحسها ،  في الطب النفسي هناك سويتين من الأمراض النفسية : نوع نسمية العصاب ، وهو ما يتعلق باضطرابات السلوك والطباع المرضية ومركبات العقد النفسية المختلفة ، ونوع نسميه الذهان أي ما يصيب الملكات العقلية الأساسية … أما تعريف الجنون طبيا وقانونيا فيعتمد على مؤشر واضح ومحدد هو بالضبط عندما يفقد المريض القدرة على التمييز بين الخيال وبين الواقع … يعيش الواقع كخيال ويعيش الخيال والوساوس والأهلاس كواقع …. عندها نكون قد انتقلنا من حالة العاقل الذي قد يكون مريضا نفسيا ، إلى حالة المجنون الذهاني الذي يقوم بارتكاب أفعال لا يعتبر قانونيا مسؤول عنها ، بمعنى عدم قدرته على التمييز والاختيار الإرادي، وعندما يسمع المريض بالهلوسة أصوات يعتبرها حقيقية ، تخاطبه وتكلمه ويكلمها … نحكم عليه بالجنون . وكذلك عندما ينكر حقائق الواقع تماما ويعتبرها افتراضا فلا يدرك أن استخدام السكين يؤدي للقتل ، أو لا يدرك معنى القتل منشغلا بموضوع آخر وهمي يكون قد دخل قانونيا مرحلة الجنون . والغريب أن هذا المريض يستعيد قسما كبيرا من قدرته على وعي الواقع عندما نقيد يديه وقدميه بالسلاسل ؟ مما يشير لوجود علاقة مبهمة بين القدرة والسلطة وبين الانفصال عن الواقع ( جنون العظمة) .

لذلك نقول لمن يسعى في السلام : لابد من وضع السلاسل على صلاحيات بشار ، ولمن يطالب بالعدالة : لا يمكن محاكمة بشار من دون محاكمة من جاؤوا به للسلطة وهم يعرفون حالته هذه ، ولمن يتحدث اليوم عن الحوار معه : أنك لا تدرك طبيعة مرضه ، ولمن يعتبره شريكا في السلام : أنك تنخدع بمظهر شخصيته الأولى التي لاتشتغل عندما يجلس على مكتب الرئاسة، ولمن يعطيه الحق في الترشح مرة ثانية : تنسى أن من شروط الترشيح التمتع بالسلامة العقلية ، وبسجل عدلي نظيف ….   أما ضحاياه فلن يشفي غلهم الانتقام من انسان مريض مشوه ومهزوز ، ما كان يمكنه الإرتفاع فوق مستوى ذوي الاحتياجات الخاصة للرعاية في الحالة العادية ، ومع ذلك وصل لقمة هرم السلطة في سوريا بواسطة ماكينة حزب البعث … بعد أن حول هذا البعث السلطة لأداة قمع شمولية مملوكة لأسرة … الجريمة لا تنحصر ببشار ، بل بمن أوصل مثل بشار ، ووضعه في موقع لا يستطيع تحمل تبعاته فانفصمت شخصيته ، ومن يجب أن يحاكم ليس شخص مريض ومشوه ، بل المؤسسة التي دفعت وتدفع بأمثاله  للسلطة وقيادة البلد نظاما ومعارضة

مصير بشار محكوم بطبيعته قبل سلوكه ، وبالنظر لطبيعته فإن من يتحمل مسؤولية سلوكه هو من جاء به للسلطة وأعطاه كل تلك الصلاحيات … وهؤلاء مكانهم الطبيعي هو السجون ، لكن المكان الطبيعي لبشار وأمثاله هو الجناح الاحترازي في مشفى ابن سينا للأمراض العقلية بدوما بالقرب من سجن عدرا … ( العصفورية )

لقد أوضحنا في هذه الدراسة لماذا يرتكب بشار أفظع الجرائم ضد الإنسانية برضى نفس ، ويتصرف باستهتار شديد تجاه حياة البشر ، وتجاه سيادة بلده ومصيرها ، ويستقدم المنظمات الإرهابية وميليشيات الجريمة ، ويوقع معاهدات الاحتلال من دون تردد ، ثم لا يجد غضاضة في تصفية ضباطه المقربين منه ، أو التعويض على ذوي جنوده القتلى بالخراف والماعز … ثم ينكر حدوث كل ذلك بسهولة ويسر وعن قناعة . لنضعها بيد المفاوضين في جنيف والدول الراعية ومجلس الأمن . ونطالب بلجنة طبية محايدة تقرر حالته العقلية قبل الحديث عن حواره أو بقائه أو محاكمته … فقد سبق وقلنا أن المشكلة في سوريا ليست سياسية بل حقوقية وقضائية وجنائية ، واليوم نضيف عليها أيضا صحية عقلية .

طبعا لا ننسى أن نقول لجهاز المخابرات الدولي الذي رعى وصول بشار  للسلطة بعد والده وبدلا عن أخوه الذي صفي بطريقة غامضة : أنك فعلا تعرف ما تريد ، وتملك أدوات تخريب الدول من دون تكلفة جنيه واحد ، وأننا نعلم أن ظاهرة بشار لم تكن فريدة وعفوية . لكن حبذا لو استخدمت ذكاءك وقدراتك بشيء مفيد للإنسانية ، بدلا من جريمة قتل وتشريد الشعب السوري على يد رئيسه وجيشه و التي تحولت إلى لعنة ستصيب الجميع وأنت منهم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.