في العام السابع … هل فشلت الثورة السورية ؟

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

سوف نحكم هنا باستخدام معايير دنيوية سياسية وليس دينية أخروية  ولا حتى معنوية )من قبيل أن الشعب السوري شعب بطل قدم التضحيات الهائلة ، أو قاتل قتال الأبطال أعتى الأنظمة المدعومة من جيوش الاحتلال …) بل من خلال ما أراده هذا الشعب وما حققه فعلا بنتيجة فعله الثوري .

انطلقت الثورة السورية وهي تحمل شعارا واحدا هو اسقاط النظام ، وها هي تدخل عامها السابع و النظام مايزال موجودا  ولو على جزء من الأرض ، أو بدعم من جيوش الاحتلال التي تدافع عنه وتتحكم فيه ، بينما الشعب السوري الثائر توزع بين قتيل ومشوه ومحاصر ومهجر ، المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام تخضع في معظمها لمنظمات متطرفة لها أجنداتها الخاصة ، البلد قد أصبح خرابا ، ولا أفق يلوح لحسم الصراع رغم انهاك القوى المتحاربة … ماذا يعني ذلك :

  • يعني أن الثورة قد فشلت في تحقيق هدفها المعلن وهو اسقاط نظام بشار
  • أن النظام لم يسقط ومع ذلك فشل في الاستمرار في حكم سوريا التي تحولت لدولة فاشلة تتحكم فيها ميليشيات محلية ومحتلة ،
  • أن روسيا قد فشلت كدولة محتلة ، وأن إيران وحزب الله أيضا فشلوا ،
  • والأمم المتحدة فشلت … واستمرت المأساة من دون أن تستريح في العام السابع …

حتى لو بقي بشار في الحكم ، أو جلس مكانه قائد جيش الإسلام أو جيش الفتح ، فإن عليه أن يتابع الحرب للسيطرة على المناطق المتمردة ، وأن يحارب لتوحيد البلاد وهزيمة القوى الانفصالية ، وأن يطرد جيوش الاحتلال ، وأن يفرض الأمن ويهزم الفلتان والإرهاب ، ثم بعد ذلك إعادة اللاجئين ومعالجة المشوهين ، و إعادة بناء البلد المدمر كليا ، وتأمين الموارد اللازمة لذلك . والتي تقدر كلفتها عمليا ب تريليون دولار . وهو ما يعادل كامل الناتج القومي الحالي لمدة خمسين سنة .

السبب في هذا الفشل يكمن في الثورة ذاتها التي انطلقت موحدة في العداء لنظام بشار ، لكنها تخفي تحت تلك الوحدة الكثير جدا من التناقضات … فما إن اندلعت الثورة وبدأت تعم المناطق حتى ظهرت صراعات الأحزاب والسياسيين على وراثة النظام … فشلت عملية انتاج قيادة ، وتم التلاعب بالمجالس التمثيلية والقيادية ، وتم التلاعب في توزيع الدعم المالي والسلاح … فالمعركة بدأت مبكرا جدا بين الثوار ، حتى قبل مسافة بعيدة من احتمال سقوط النظام .

مجرد صمود النظام لأشهر كان كافيا لظهور الخلافات والصراعات داخل جسد الثورة بين المجالس والقيادات التي حاولت تزعمها : بدأت بصراع اتحاد التنسيقيات ، والهيئة العامة للثورة  ، ثم استمرت بتنازع أنطاليا مع الإنقاذ ، وانتقلت هذه الصراعات للتحكم بقرار المجلس الوطني ، ثم انتقلت هي ذاتها لأروقة الائتلاف غير المؤلفة قلوبهم . وخلال ذلك انتقلت التنازعات للميدان العسكري بين الثوار والمنشقين ، ثم بين الجيش الحر والمنظمات الجهادية ثم بين المنظمات الجهادية نفسها …

بينما نجح النظام الطائفي باستنفار طائفته التي قدمت فداء له عشرات الآلاف من شبابها ، بل تجندت كلها للدفاع عنه ولم تظهر أي بوادر تردد أو تمرد ، ونجح في تحييد الأقليات التي وقفت عمليا معه  بعد أن تأسلمت الثورة، وفي تحييد أصحاب رؤوس المال والأغنياء من شركائه في الفساد … وتصرف الكرد المسلحين بطريقة انتهازية مستغلين الصراع بين العرب ، ونجح النظام في احداث انقسام  داخل السنة العرب بين من هو مجند بجيش النظام يزج به في معاركه ، ومن هو يقاتل النظام فيقتلوا بعضهم البعض، وأدخل الميليشيات الإيرانية لتشرف على عمليات الجيش والمجندين ، ثم لتسد بعض الثغرات التي أحدثها تهلهل جيش النظام ، وأدخل روسيا لتعتمد سياسة الأرض المحروقة واستهداف المدنيين لإجبار المناطق على التسليم والركوع .  واستمر عرض مسلسل التسليم والترحيل طيلة السنتين اللتين أعقبت التدخل الروسي …

وبدت بقية المناطق المحررة ( إدلب ، غوطة دمشق ، درعا ، وما تبقى من حمص ) تنتظر السقوط والتهجير . مما يقدم الدليل القاطع  على الفشل العسكري الذريع الذي ترافق مع فشل سياسي وإداري أكبر وأخطر منه ، انتهى بفشل تفاوضي مزري ، ضيع تضحيات مليون شهيد ومليون مشوه وعشرة ملايين مهجر .

حتى ما يسمى بالمعارضة السورية قبلت بعدم مناقشة مصير النظام … أي أن قيادة الثورة السياسية والعسكرية كما تسمي نفسها تقول أن الثورة تنازلت عن هدفها … فماذا تقولون لأهل الوعر … ماذا تنصحون أهل درعا والغوطة هل يركبوا الباصات الخضر أم يصالحوا النظام ويتطوعوا باللجان الشعبية لقتال الإرهابيين … وماذا تقولون للمتقاتلين في إدلب المنقسمين بين فتح وتحرير الشام ( والذين يتبادلون تهم الخيانة والإرهاب ) ، أبعد كل ذلك هل لدى أحد شك بأن الثورة قد فشلت …

و إذا كانت مساعدات المحاصرين ، وأدوية الجرحى وطعام المقاتلين ، ومساعدات المنكوبين ، يسرقها قادة الثورة الذين أدمنوا الفنادق الفاخرة ، وإذا كان الثوار قد انغمسوا في محاربة بعضهم ، يبيعوا سلاحهم ليأكلوا بثمنه ، والناس لم تعد تفرق بين بطش النظام وبطش المنظمات … فهل يعني ذلك نجاح الثورة ؟؟.

ما يمكننا فعله هو فقط إدامة حالة الفوضى والفلتان وزعزعة الاستقرار حتى لا يعلن النظام انتصاره ، أو ليفهم العالم أنه عليه أن يحتل سوريا بنفسه  لا أن يعهدها لبشار  وأمثال بشار الذين يصعدون المنصات منتظرين دورهم …

بطريقة أخرى ، لنفترض جدلا أن الثورة نجحت خلال عامها الأول في اسقاط النظام ، ماذا تتوقعون أن يحصل ؟… أعتقد أن النتيجة لن تختلف ، كنا حتى هذا اليوم ما نزال في حرب أهلية تتدخل فيها الدول أيضا ، أي أن بقاء النظام أو رحيله سيان … فالثورة التي توحدت على اسقاط النظام ، لا يمكنها أن تتفق على من سيحكم بعده ، ولا على طريقة الحكم ، ولا حتى على هوية الدولة ولا إسمها … لذلك تبدو طروحات هيئة التنسيق عقلانية أكثر كلما رفضت الثورة أكثر . فهي ترفض فكرة واسم الثورة ، وترفض اسقاط النظام ، وترى الحل فقط بالعودة لحضن النظام الحنون رمز وحدة البلاد والاستقرار ، لذلك هي اليوم عمليا من يقود وفد المعارضة المقبول دوليا والفاشل عمليا .

الحالة الوحيدة التي يتوقع لها النجاح هي الهدن التي تشترط خروج المسلحين ، ودخول الجيوش الأجنبية ، أي استراتيجية المناطق الآمنة التي تخضع لجيوش الاحتلال ، وترك المناطق غير الآمنة كمحارق للمتقاتلين … أي أن المطلوب اليوم ليس التفاوض بين النظام والمعارضة على حل بل البحث عمن يستطيع احتلال سوريا وفرض وقف اطلاق النار ، وسحب سلاح المتحاربين ، للسماح بعودة الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية … والتي ستكون مختلفة كثيرا عما سبق … خالية من النظام ومن المعارضة التي قاتلته .

لقد نجح النظام في تدمير البلد وتحويلها لدولة فاشلة وفي إلغاء استقلالها ، لكن عناد النظام ، ورفضه أي فكرة عن التغيير هو من جر البلاد لهذا المصير … فالثورة لم تكن فعلاً مخططاً ( له قيادة ) ، بل كانت ردود أفعال عفوية على سلوكه ( طائفية ردا على طائفيته ، مسلحة ردا على استخدام الجيش ، جهادية ردا على استقدامه الميليشات الشيعية التي تحمي المراقد الوهمية … ) لذلك لا تتحمل الثورة المسؤولية عما حدث ، ولا حتى عن فشلها ذاته …

كما أن الحديث عن فشل الثورة في تحقيق هدفها لا يعني موتها أو نهايتها ، فهي كردة فعل مستمرة بالتغير مع تغير الفعل ، وهذا الظرف الجديد سيولد ردود فعل عليه ، ربما تكون أكثر وعيا وادراكا بعد تجربة الفشل السابقة … ولن يكون من الممكن إيجاد حل لا يرضى عنه الشعب السوري طالما بقي في حالة التمرد ولم يستسلم .

ما نتوقعه لهذا العام هو التسابق بين سياسة الترحيل ، وبين البدء في تطبيق استراتيجية المناطق الآمنة التي ستصبح مناطق احتلال أجنبي ، بينما سيستمر الصراع على بقية المناطق ، ولن تكون دمشق في مأمن بعد اليوم ، و ستنال حصتها من الدمار مع بداية الضغط على المنظمات الإرهابية ومتعهدها الإيراني الذي يريد خوض المعركة على الأرض السورية اتقاء لخوضها في طهران وقم والضاحية البيروتية ، وسيكشف هذا العام نوعا جديدا من التحالفات بين ايران وداعش وبقية المنظمات المصنفة ارهابية بمجرد تزايد فعالية العمليات العسكرية (الغربية العربية التركية ) ضدهم وهذا سيحرج روسيا وحاضنة النظام الذي سقط بحضن ايران ، وصار خروجها يعني سقوطه. أي أن الثورة قد تحقق هدفها ، لكن بعد دفع ثمن ذلك وهو استقلال سوريا سياسيا واقتصاديا ( يسمونها لعبة الأمم ) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.