كفى كذبا …أوقفوا هذا التفاوض

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

من مبادرة جامعة الدول العربية والأمم المتحدة مرورا بجنيف إلى الأستانة … ومن الدابي وعنان للابراهيمي لديمستورا ، وما بعد ديمستورا …. يستمر الكذب ، الذي يريد البعض من السياسيين تصديقه لمجرد أنهم يحصلون على كراسي ومناصب وامتيازات بسببه … والذين توزعوا على منصات تتنازع  على المقاعد و المنافع ، مستغلين عذاب الضحايا بطريقة مقرفة تدعو للاشمئزاز لأنهم يتكلمون باسمهم ، ويغطوا على مذبحتهم بذات الوقت … مثلهم مثل فريق ديمستورا الذي لا يهمه في النهاية سوى قبض راتبه الضخم عن مهمته التي يجب أن تطول ما أمكن .

من هو مهتم بالقضية السورية ليس بالضرورة مهتم بالسوريين ، بل ربما العكس . فالقضية قد أصبحت تجارة على حساب دمائهم . وأهم عناصرها سراب الحل السياسي الذي ابتدعه كيري ولافروف كأفضل طريقة لتقاسمهم النفوذ في سوريا ، فالعملية السياسية بنظرهم تسير قدما بمقدار تقدم الإجراءات على الأرض التي تحقق تطويع الأطراف لتسليم أوراقها ، حتى لو تطلب ذلك ارتكاب مجازر وجرائم حرب وضد الانسانية … فالتفاوض الحقيقي هو ما يجري على الأرض من سفك لدماء السوريين وتدمير لممتلكاتهم وتهجيرهم لكي يسهل تقاسم بلدهم .

العملية التفاوضية هي هدف بحد ذاته  بالنسبة للنظام منذ بداية الثورة ( لأن من يجلس على مائدة التفاوض يتوقف عن النزول للشارع ، ويعترف بخصمه ) ولما كان جوهر الصراع بين شعب ونظام ، فإن مجرد قبول التفاوض معه يجعلها حربا أهلية  وليس ثورة شعبية ، وقضية سياسية وليست جنائية .

العملية التفاوضية هي أيضا غطاء لتنصل المجتمع الدولي من مسؤولياته التي يفرضها عليه نظامه الذي يدعيه ، وبذات الوقت هي مكسب انتهازي لبعض الشخصيات المعارضة التي لا تريد من القضية السورية سوى أن تستمر وتتأزم حتى لا تفقد مناصبها وامتيازاتها …

عدة مرات اتفقوا على وقف اطلاق النار ، وعلى فتح ممرات انسانية ورفع الحصار ، ووقف التهجير واطلاق المعتقلين وصدر ذلك بقرارات لمجلس الأمن … ولكن شيئا من هذا لم يحدث ، بل حدث العكس وبشكل متفاقم ، حتى صرنا نخشى من أن يتفقوا  على (الدستور وانتقال السلطة والانتخابات) : أي من ارتكاب أنواع جديدة من الجرائم سيبتدعونها بعد أن فاق ما يجري كل ما هو مسبوق في مفاهيم الوحشية … المواطن العادي يسأل : ما معنى الانتقال لملف الدستور إذا كان وقف اطلاق النار أو ادخال الطعام أو وقف مسلسل التهجير غير ممكنا ؟

معروف لكل المهتمين بالشأن السوري أن النظام وحلفائه يريدون لجم أي تدخل دولي ضاغط ، والافادة من الوقت لسحق المعارضة التي قطع عنها الدعم بحجة اجبارها على التفاوض والرضوخ للقرار الدولي التقاسمي بين روسيا وأمريكا … معروف أيضا أن النظام وايران وروسيا لا تريد تسوية سياسية ، بل هيمنة وفرض أجنداتها وإخضاع الشعب بكل الوسائل الهمجية التي لم تتوقف يوما. وأن مطالب أمريكا في سوريا لا تتعدى قيام كيان ذاتي كردي وضمان أمن حدود اسرائيل … أي أن تقاسم النفوذ بين الروس والأمريكان سيكون على حساب بقية الشعب السوري ( أقصد العرب السنة ) الذين يتعرضون لحرب وجود منهجية تهدف لتحويلهم من أغلبية لأقلية مستعبدة في وطنها التاريخي ، بعد أن ألصقت فيهم صفة الإرهاب وحشدت كل الجيوش لحربهم ، فكل سياسي غربي ساذج أو حاقد وعنصري يرى أن الحرب في سوريا هي حرب ضد الإرهاب ، وأن الشعب السوري عدوه وأن النظام حليفه في هذه الحرب .

ومعروف أيضا في الحروب أن حماس المقاتلين يتدهور بمجرد الشروع بالتفاوض الذي يعني التخلي عن خيار النصر . فكيف إذا كان هذا التفاوض قد قبل مسبقا ببقاء النظام . فلماذا يموت المقاتل إذا كانت قضيته مهزومة سلفا في المستوى السياسي …

منذ البدء بمسار جنيف تدهور الوضع العسكري ، بل تحول الكثير من السياسيين والثوار لصغار الكسبة ، وصاروا يبحثون عن بعض التعويضات هنا وهناك حتى لا يخرجوا كأشخاص من المولد بلا حمص بعد أن بيعت قضيتهم … مجرد البدء بالتفاوض مع المجرم ونظامه ، الذي لم تحمل الثورة هدفا آخر غير اسقاطه ، كان يعني أن المعركة انتهت وبدأت مرحلة تقاسم الغنائم والخسائر … فلماذا نلوم المقاتلين على برودة الجبهات ،وضعف الحماس والتراجع المستمر منذ ثلاث  سنوات …

لا حظوا أخيرا كيف اتخذت الفصائل قرارها الصحيح بمتابعة الحرب مع هذا النظام بالرغم من تحذير وتهديد الدول الراعية ، فانطلقت  معارك التحرير الجديدة من درعا وصولا لدمشق وحماه وريف حلب الغربي بقرار مستقل هذه المرة … ما كان لذلك أن يحدث بعد سنوات من التكاسل والتنازع والفرقة ، لولا اليأس الكامل من أي تقدم على طريق الحل السياسي المنتظر والموعود ، واستمرار سياسة التدمير والترحيل والقضم على قدم وساق خلاله … ولولا أن أدرك الجميع أن تلقي التعليمات من الخارج ، ومنها القبول بالتفاوض ، وانتظار الأوامر لخوض العمليات العسكرية ، هو من أعطى للنظام وحلفاءه الفرص الثمينة للقضاء على الثورة بالرغم من الضعف الذي ينتابه …

حان الوقت لقلب الطاولة ووقف العملية التفاوضية كاملة ، لأن استمرارها بهذه الطريقة لن ينتج حلا بل سيحول سوريا كلها لمقبرة جماعية… معروف أنه لا حل من دون إرادة دولية ، والفريقان يذهبون ويعودون كسياحة سياسية ليس إلا ، و لو أرادت الدول فرض حل سوف تستطيع فرضه بساعة واحدة بعد كل هذا الاستنزاف والانهاك ، لكنهم يغطون على عدم نيتهم التوصل لحل ، بواسطة اطلاق مسار تفاوضي عقيم لا يمكنه أن ينتج غير استمرار المجازر … فالذي لم ينضج بعد هو تدجين الشعب السوري ، لذلك لن تتوقف العمليات العسكرية ، ولا سياسات التجويع والتركيع والترحيل ، فالمطلوب ليس موافقة الوفود التي وافقت عمليا على بيان جنيف وفيينا وموسكو ، بل موافقة الشعب الذي لا يستطيع تصور بقاء هذا النظام المجرم .

لذلك نقول: من يفاوض النظام قد أصبح شريكه بالجريمة المستمرة التي تحدث خلال هذا التفاوض … لأن هدف العملية السياسية هي تركيع الشعب السوري سياسيا استكمالا لتركيعه عسكريا … كفاكم كذبا … لا يمكن تحصيل أي مكسب من العملية التفاوضية … سنوات من التجربة تكفي للحكم عليها … وادعاء احراج النظام الذي يبرر به الانتهازيون مشاركتهم ، قد أصبح سخيفا مع هكذا نظام متوحش لا يعرف معنى لشيء، ومع عالم فقد الحياء .

لقد تبين بشكل جلي أن المجتمع الدولي قد ضيع الحق وحطم ميزان العدالة … وأنه ليس أمام الشعب السوري سوى خيار القوة ( التركيز على تعزيز الجبهات وتوحيد العمل السياسي والعسكري الهادف لاسقاط النظام ، وطرد الاحتلالات … ) هذا هو الحل الوحيد لمن يريد الحرية والسيادة  والعيش في وطنه وليس بالمهجر منبوذا ومتسولا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.