د. كمال اللبواني
عندما اندلعت ثورة الحرية في الدول العربية ، واندفعت الجماهير للشوارع في مواجهة دولة الاستبداد ، أسقطت هذه الشعوب النظم والدول معا ، وتحررت من النظام ومن كل سلطة ، فوجدت نفسها في حالة الفوضى والدولة الفاشلة… فهل هناك تناقض بين الحرية والوطنية ؟ وهل يمكن وجود حالة وطنية من دون تضييق على الحرية ؟
من الصعب تصور وطن سياسي ودولة من دون سلطة، أي أداة مراقبة ومعاقبة وإدارة وتحكم ، هذا يعني بالضرورة تقييد الحريات ، فالدولة بالتعريف الماركسي هي أداة قمع طبقية … وظيفة الدولة الأولى فرض سلطة القانون التي تحفظ السلم الاجتماعي ، ووظيفتها الثانية هي الدفاع عن نفسها ، والثالثة هي الوظيفة الخدمية والتنظيمية ، وكل هذه الوظائف تعتمد على مؤسسات قوة وقمع وتحكم ، فكيف تكون الحرية منسجمة مع الوطنية … ؟
هذا يتطلب مفهوماً مختلفاً عن الحرية، غير التحرر من السلطة وعدم الانضباط وحمل السلاح وإغلاق الطرقات وإطلاق الشتائم والسطو على الملكيات وتخاطف المال العام … فالحريات الشخصية في الأوطان ممكنة فقط ضمن حدود القانون ، وبما يكفل حرية الآخرين وعدم الإضرار بهم ، بينما حرية الوطن بتحرره من الهيمنة والوصاية الخارجية والداخلية ، وتمكين الشعب من اختيار سلطته ونظامه وقانونه ، أي اختيار قيده بنفسه ولنفسه ، وارتدائه برضى وقناعة … فحرية التعبير السياسي ليست إلغاءً للسياسة كأداة تنظيم وضبط اجتماعي لجهود الأفراد ، ووسيلة تجميع لمصالحهم الفردية المختلفة ضمن مشاريع تخدم الصالح العام .
ممارسة السياسة انضباط ورقابة جماعية ، والحرية تلغي السياسة ، الوطنية التزام وقيد ، والسلطة أداة قهر وإجبار مهما كانت ، وكلما تعاظمت مهام الدولة كلما زاد طابعها القمعي وتفاقم تضييقها على الحريات ، فالدول الشمولية تستعمر المواطن وتضيق عليه ولا تترك له أي ساحة للحرية، بينما ينتج عن ممارسة الحرية ( الليبرالية ) بشكل موسع فشل هذه الدولة ، وهذا هو حال المعارضة السورية بامتياز ، فقد فهمت الحرية كانعدام للمسؤولية وتغييب للسلطات وتدمير للمؤسسات وتغييب للسياسة … لذلك بقي النظام المستبد المجرم بعد ست سنوات من الحرب ، واعتبرته معظم الدول خيارا أفضل من الفوضى التي تسمى حرية بمفهوم المعارضة .
الحرية بمعناها المطلق تتناقض مع الوطنية ، والحريات المطلوبة ضمن السياسة وبحدودها وليست ضدها ، والدولة لا تقوم على مبدأ الحرية بل بالعكس على التحكم والضبط ، لكن هناك شعرة رفيعة تفصل بين دولة الاستبداد ودولة الحرية … في دولة الديمقراطية يختار الشعب قيده بنفسه ويستخدم الوظيفة القمعية للدولة في خدمة الصالح العام … بينما توظفه دولة الاستبداد لصالح طغمة متسلطة فاسدة … لذلك نعتبر أن الثورة على الاستبداد ( ثورة الحرية ) هي ثورة على الطغمة وليست ضد الوطنية وضد مفهوم الدولة …
ماذا نتوقع أن ينتج عن التفاوض بين هذه الطغمة المستبدة وبين الفصائل التي دمرت الوطن باسم الحرية غير انتاج طغم مستبدة فاسدة جديدة !!؟