د. كمال اللبواني
كان من شأن استخدام النظام للسلاح الكيماوي مجددا في خان شيخون أن يصبح نقطة تحول في السياسات الغربية عموما تجاه النظام ، أو ربما العذر المطلوب لهذا التحول ، في كل الأحوال أكدت الضربة الصاروخية الأمريكية جدية هذا التحول ، ولكن المعارضة السورية لم تدرك ذلك بل تابعت وكأن شيئا لم يتغير ، استغربت الأوساط الدولية أن تذهب الوفود للأستانة بعد ذلك مباشرة ، وهي تعلم بوجود تنسيق بينها وبين هيئة الرياض ومع الائتلاف الذي ما يزال يروج للتفاوض مع نظام الأسد والحل السياسي بشراكته ، لم تصدر البيانات المنددة المطلوبة ، ولا المرحبة بالضربة الأمريكية ، ولم يتحرك اعلام المعارضة بشكل يتناسب مع هول الحدث ، ولم تتخذ المعارضة موقفا رافضا لمتابعة التفاوض قبل تجريم المسؤولين عن هذا الخرق الفاضح للقانون الدولي ، ولم تطرد من صفوفها منصات النظام وموسكو وايران .
مع أن ديمستورا سارع لتحميل النظام مسؤولية هذه الجريمة وبلغه أن دوره الآن قد أصبح معقدا ، وتوقع أن ترفض المعارضة المشاركة ، وكان يعد نفسه للتوجه لمجلس الأمن مباشرة ، حيث ستتحرك الدول من خلاله ، لكنه فوجئ بذهاب الوفود للأستانة ، ثم موافقتها على حضور جنيف من دون تغيير … وهذا كان محل استغراب كبير من الأمريكان والدول الغربية من سلوك المعارضة التي تركت لتتخذ قرارها بذاتها .
هناك اصرار غربي وخاصة أمريكي فرنسي بريطاني تدعمه اسرائيل ، والكثير من الدول العربية والاسلامية ، وتم التأكيد عليه في اللقاءات الأخيرة في المملكة على عدم القفز فوق ملف جرائم الحرب ومنها استخدام الكيمياوي بتحدي واضح للأسرة الدولية خاصة بعد اتفاق نزع الأسلحة والضمانات الروسية لذلك ، ولديهم كامل الإصرار للذهاب به للمحكمة الدولية واصدار أحكام ادانة بحق بشار لاحراج حلفائه ومن يحميه ويستفيد من المذبحة السورية ، وسيستمر التركيز الإعلامي على جرائم الحرب ومنه محرقة صيدنايا ، وهم يتوقعوا من المعارضة التوقف عنده أيضا ووقف كل مسار للحل قبل البت فيه ، وهم يقولون أن ملف جرائم الحرب سلاح فعال جدا بيد المعارضة يجب عليها استخدامه بفعالية ومدخل مناسب لهم لتشكيل ضغوط على الروس . أما تقليص النفوذ الإيراني فيقع بالكامل على عاتق الدول العربية وشعوبها لو أرادت ذلك .
هناك رأي عام سائد في الأوساط الدولية أن المعارضة السورية هي العامل الفعلي الذي يعزز مسار التقسيم في سوريا ، فهي بتشرذمها وعدم انضباطها وتباين خطابها ، ومساهمتها بالتغيير الديموغرافي تقوم بتعزيز هذا التقسيم أكثر من النظام وهي تتحمل مسؤوليته ، وهذا يخدم بقاء النظام ومشاريع الدول المتدخلة لصالحه (روسيا وإيران وغيرها ) … وأن شخوص وسلوك الكثير من شخصيات المعارضة ومجالسها بات مثيرا للاستغراب وعاملا سلبيا جدا في مسار انهاء معاناة الشعب السوري ، ومصير دولته .
ليس من صالح المعارضة السورية التطابق مع الأجندة التركية في التشارك مع الروس والإيرانيين ، ولا في التعامل مع القضية الكردية في سوريا ، فهذه الأجندة ستنتهي بتقسيم سوريا لو استمرت ، لأن الغرب لن يسمح لتركيا بانتصار عسكري على الوحدات الكردية ، ولابد للمعارضة من اعادة استيعاب الكرد ضمن حل سياسي سوري يحفظ وحدة البلاد ، وهذا أفضل لاستقرار سوريا وتركيا ولقضية الشعب الكردي معا.
مطلوب وبشكل عاجل معالجة مسألة الفوضى والتشرذم والوكالة للأجنبي في المعارضة السورية ، واعادة انتاج قيادة موحدة وطنية للمعارضة ذات استقلالية ، تتفق على ورقة دستورية واضحة ترفض بقاء النظام وترسم ملامح سورية القادمة وتضمن حقوق الأقليات وسلامتها من الانتقام وخاصة العلويين ، وتعمل فورا على تشكيل مجلس عسكري موحد تجبر الفصائل على العمل بأمرته فقط ، وضمن السقف السياسي المتوافق عليه وطنيا …
هناك في الائتلاف وخارجه من يتحرك باتجاه إطلاق مبادرات وطنية مشابهة بالتشاور مع بعض الدول الأوروبية وخاصة ألمانيا ، وهذا التحرك لا يرتقي للسقف الوطني المطلوب ولا يتمتع بالفعالية الإدارية اللازمة ، وما يزال يراوح عند نقطة الإصلاحات الشكلية ضمن الائتلاف ، والتفاوض مع النظام ، والتعاون مع ديمستورا ، أما الجهات الداعمة له فما تزال تغرد خارج السرب وتعلن موقفا مائعا تجاه القضايا المفصلية كإسقاط النظام وطرد المحتل ، وسبق لها وأعلنت رفضها للضربة العقابية الأمريكية بعد مجزرة خان شيخون ، وما تزال تصر على اشراك منصات العمالة للنظام كجزء من المعارضة ، وتعتمد على شخوص لم يثبت قطيعتهم مع النظام . لذلك فإن هذا المسار سيضيع الفرصة النادرة لاسقاط النظام وطرد المحتل وانهاء حالة الإمارات المتطرفة. ولا بد من مسار أكثر جدية .
مطلوب من شخوص المعارضة السورية المعروفة المبادرة ذاتيا ، وأخص بالذكر بصفتهم الاعتبارية الدكتور رياض حجاب ، ورياض سيف ، والدكتور جواد أبو حطب ، ود. حكيم بشار ، وبقية الشخصيات داخل وخارج الائتلاف بصفتهم الشخصية ومكانتهم الوطنية : اطلاق مشروع اعادة هيكلة مؤسسات المعارضة والغاء المنصات والهياكل التي تضربها الفوضى بعد أن صارت وكالات للدول ، ووضع آلية لانتاج تمثيل حقيقي فعال ، وصياغة وثيقة دستورية واضحة ، وبناء قيادة سياسية وعسكرية فعالة … وهذا هو الشيء الوحيد الذي يحفظ وحدة البلاد واستقلالها وحريتها ، وهو واجب أخلاقي ووطني سنسأل عنه أمام الله والشعب ..
الدول الغربية لن تتدخل عسكريا ، ولن ترسل جنودها ، لكنها لن تمانع من دخول قوات عربية لو أرادت ذلك ، و ستقدم المساعدات اللازمة لنجاح المعارضة في حال أثبتت جديتها وفعاليتها ، وهي ترفض تماما تقديم أي مساعدة لفصائل وقوى غير منضبطة وغير ملتزمة بانتاج حالة وطنية وسلطة دولة مسؤولة ، أو تعمل كمرتزقة عند الدول . ولا تفكر حاليا في دخول نزاع عسكري اقليمي واسع ، ومعنية فقط في القضاء على منظمات الإرهاب وضمان أمن اسرائيل ، كما تعلن وتردد ليل نهار .
أخيرا أقول : توجد اليوم فرصة تاريخية وزخم دولي جديد ، افتقدناه لسنوات ، وما ينقصنا هو العامل الذاتي ، فهل يستطيع الشعب السوري ورجالاته الوطنيين انتاج حالة سياسية تنقذ وطنهم ودولتهم … ؟؟؟ الشعب السوري في حال قهر وتشرد وشلل سياسي ، لكن هناك مئات الأشخاص الذين برزوا في واجهة العمل السياسي والعسكري ، إما أن يترفعوا عن الخلافات والأنانيات ، أو تدفن سوريا في غياهب التاريخ . فسوريا لن يحفظها سوى شعبها ، والدول الأجنبية تستطيع تحقيق مصالحها بوجود دولة سوريا أو بعدم وجودها .