هذه الصورة ملتقطة أمس الساعة 11 ليلا من منزلي في وسط السويد

الصيام في السويد

د.كمال اللبواني

هذه الصورة ملتقطة أمس الساعة 11 ليلا من منزلي في وسط السويد

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

يتغير طول النهار والليل سريعا وكثيرا كلما اقتربنا من القطب ، حتى نصل لدائرة لا تغيب عنها الشمس طيلة 15 يوما وسطها عند 21 حزيران ، تدور الشمس من الشمال وتكون محاذية للأفق نحو الشرق حيث ترتفع تدريجيا عنه  وتتجه نحو الجنوب لتبلغ ذروة ارتفاعها ثم تهوي نحو الغرب وتستمر قريبة من الأفق حتى تمر في الشمال ، بينما نمر ب 15 يوم من الليل المتواصل وسطها عند 21 كانون الأول ..

ولتنفيذ تعاليم الصوم ، يصعب اعتماد معاييره فالخيط الأبيض والأسود متمايزين بوضوح جدا طيلة الليل ، في كل المناطق والدول الشمالية هذا العام … لذلك الناس تختلف في صومها وافطارها ، ومنهم من يصوم على توقيت السعودية ، ومنهم من يصوم ويفطر كيفيا … وهكذا يفقد رمضان خاصته الطقسية الجامعة التي تتمحور حول الانضباط الشخصي والنظام الجمعي …

وقد سبق للمفكر الليبي الصادق النيهوم أن كتب في مجلة الناقد في التسعينات عن هذا الموضوع ، وبين أن الرسول والخلفاء الراشدين ، وثلاثة من خلفاء بني أمية صاموا وفق التقويم العبري ، حيث يتم تصحيحه ليتماشى مع الشمسي كأن يضاف شهر آذار ثاني كل ثلاث سنوات ، وقد حافظت الروزنامة التي تطبعها المطبعة الهاشمية على التقويمين معا حتى الآن وحتى على التوقيتين ( حيث التوقيت العربي والعبري يبدأ اليوم بغروب الشمس وليس منتصف الليل ) ، افتراق التقويمين هو ما يجعل الأعياد المسيحية الشرقية التي تعتمد عيد الفصح اليهودي متغيرة ومتمايزة عن الغربية التي تعتمد التقويم الشمسي فقط …

الخليفة الأموي الرابع هو الذي اعترض على انتظاره حاخام بابل لكي يحدد الأشهر ، وقال لن أنتظره كيف أحدد صومي وأعيادي ، وأمر بعدم اضافة آذار ثان ، وهكذا صار رمضان وموسم الحج يدور مع السنة في بدعة احدثها لأسباب سياسية ترافقت مع تعريب الدواوين وصك العملة العربية .

الأشهر الحرم لها خصوصيتها وهي مرتبطة بالربيع في البادية حيث التكاثر والرعي والخير الوفير ، ودورانها يفقدها قيمتها هذه ، كما أن الأعياد ورمزيتها مرتبطة أيضا بالمناخ والزراعة ، فعيد الفطر يعقب ولادة الربيع التموز النيروز ، الذي يسبقه صوم طبيعي تلقائي في آخر الشتاء ، في حين أن عيد التضحية يتم مع الحصاد حيث كان الحثيون يذبحون مليكهم وينثروا دمه في الحقول مع نهاية موسم الحصاد ليعيدوا روح الإله القتيل ( القمح  ) للأرض لينبت في العام القادم ، ذلك الطقس الذي استبدل بكبش عند الاراميين منذ ابراهيم عليه السلام .

هذا الإجراء السياسي المسكوت عنه . تسبب في أزمة جعلت المغرضين يقولون أن المشرع الإسلامي شرق أوسطي ولا يعلم عن الجغرافيا ، ولا بوجود قطب ، فهو إذا  ليس وحيا من خالق الكون بل من صنع بشر محكومين بمعارفهم وجغرافيتهم … كذلك تسبب بالكثير من الجهد الذي سيعانيه الصائم إن كان في المناطق الحارة أو في المناطق القريبة من القطب عندما يكون رمضان في الصيف ، وبالعكس عندما يكون في الشتاء …

فرمضان كما نزل الشرع وكما كانت السنة يأتي في شهر شباط وأوائل آذار وعيد الفطر يتراوح حول الانقلاب الربيعي ، ويجري تصحيحه كل ثلاث سنوات كما في الأعياد المسيحية الشرقية ، وفكرة الصوم ليست مجرد أمر مدون في كتاب ، الصوم هو بحد ذاته كتاب نظام مفروض طبيعيا على كل من له إرادة ، فالذي ليس عنده ارادة لا يصوم بل يتبع شهواته وحاجاته فقط ، بينما يتميز الإنسان عن ثائر المخلوقات بالقدرة على الامتناع والانضباط الطوعي الذي يجب أن يتدرب عليه في طقس الصيام الذي هو ليس نوعا من العقوبة أو الضريبة … فكلمة كتاب ، كما كلمة اقرأ لاتعني في القرآن ما تعنيه في بقية الكتب …

من يجرؤ اليوم على طرح مسألة اعادة الأمور لنصابها وسنتها وربط التقويم الهجري بالتقويم العبري … كما فعل الرسول والخلفاء ؟؟  بالتأكيد سيقف جناح الممانعة والمقاومة والإرهاب الجسدي والعقلي سدا تكفيريا في وجه من يتجرأ .. وهكذا تفتح مشكلة الصيام في المناطق القريبة من القطب نوافذ عديدة على الانسداد العقلي الذي يعاني منه الفقه الإسلامي . فما يسمى بالعلماء المسلمين هم في الواقع يدرّسون الجهل ، ويكرسون حرمانية العقل في فهم تعاليم الدين وفي تطبيقها … فكيف لا ينتج عنهم التخلف والإرهاب ، وكيف لا يستخف أصحاب العقول المنطقية بقيمة الإسلام  .

تحدثنا عن التقويم  حتى لا نتحدث عن مهزلة رؤية الهلال والصوم والحج التي تخضع أيضا لنكايات سياسية وطائفية . فترى الصائم والمفطر في ذات المدينة والدولة … وتحتار هل تقدم تحية العيد أم تحترم حرمة الصيام … ؟؟؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.