عوامل نجاح أو فشل المنطقة الآمنة في الجنوب

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

أعلنت روسيا وأمريكا بعد اجتماع قمة بينهما عن نية اقامة منطقة آمنة في الجنوب السوري  من دون تشاور مع أي طرف سوري ، وسبب التوافق الروسي الأمريكي على هذا المستوى ليس رغبتهم بوضع حد للمأساة السورية ، بل سعيهم المشترك للتسابق على تقديم الحماية لاسرائيل . ولكون المنطقة الجنوبية عمق استراتيجي لأمن الحدود ، ولكون حزب الله وايران يسعون جاهدين للوصول للحدود مع اسرائيل من أجل ابتزازها ، كان لهذه المنطقة وضعا مختلفا في التفاهمات الدولية وهو الذي طرحته منذ ثلاث سنوات حيث دعيت لاقامة منطقة آمنة في عموم الجنوب السوري تحقق مصالح قسم من السوريين الذين يعانون الأمرين هناك أو في المخيمات ، ومنع المنظمات المتطرفة ، ومنع ميليشيات إيران من التمدد للمنطقة ، لكن بشرط واحد هو اقامة سلطة وطنية انتقالية لا تتبع للأسد لتكون نقطة بداية لاستعادة كامل سوريا . قلت البدء من الجنوب سيكون مفتاح الحل الوطني نظرا لوجود عوامل دولية مختلفة وثمنه التعهد باقامة سلام مع اسرائيل التي لها مصالح في ذلك وتتمتع بنفوذ كبير في القرارات الدولية ، زرت اسرائيل ولم يكن صبعا اقناعهم بالمشروع ، اصطدموا برفض عنيد من قبل إدارة أوباما الذي راهن على التوافق مع إيران ، فتدخلت روسيا لتقوية شوكتها ومنعها من التحول للحضن الأمريكي ، بينما طورت اسرائيل تعاونها مع الفصائل عبر الشريط ، بانتظار تغير الظرف الدولي ، وهكذا وبعد مجيء ترامب ، لم يعد من الصعب هندسة رعاية دولية عظمى روسية أمريكية لهذه المنطقة . مع تباين وتناقض المصالح والحلفاء ، فالاتفاق على الخط العريض لا يجب أن يخفي خلافات التفاصيل ، وهنا تكمن عناصر النجاح أو الفشل المتوقعة :

  • هل ستسكت ايران وتخرج فعلا من الجنوب ، أم سيسمح لها الروسي بالتغلغل سرا تحت علم النظام الذي صار مجرد غطاء لميليشياتها ، أو تحت رايات المنظمات المتطرفة التي ترتبط بها بطريقة غير مباشرة بمساعدة دول عربية مارقة ، دعمت مرارا وتكرارا هذه المنظمات للتحرك هنا وهناك لتصبح ذريعة لتدخل ايران وحزب الله بحجة الحرب على الإرهاب ؟
  • هل سيدير أهل المنطقة مناطقهم بذاتهم من دون وصاية ومن دون سلطة الأسد ؟ أم سيديرها الروسي بمشاركة رمزية من دول أخرى ولنا معه تجربة في منتهى الفشل عندما سلمت له حلب ؟ أم سيعود النظام للسيطرة عليها بطريقة المصالحات والباصات الخضر ؟
  • هل تستطيع أي ادارة ذاتية النجاح في ظل ذلك الانقسام وتعدد الجهات الوصائية على فصائل الجنوب ، وتدخلات الدول المتناقضة المصالح ، وتدهور القدرة على استقلال القرار بسبب حالة الاهتراء والعوز المدقع ؟
  • هل ستتدخل الدول العربية المستغرقة في الفساد في إدارة هذه المنطقة وتقوم بتعهيد وكلائها نيابة عنها ليتقاسموا معها المنافع والثروات على حساب المشروع وهو ما سينتهي به فعلا للفشل . حيث شهدنا خلال سنوات كيف تسرق الإغاثة ويتاجر بالسلاح بالشراكة بين الفاسدين في الدول الداعمة ووكلاءها على الأرض ، وهو السبب الفعلي لتراجع أداء المعارضة رغم بطولة وبسالة المقاتلين ؟
  • هل سيتشكل فريق اشراف (وطني ) صارم موضوع تحت الرقابة الدولية والشعبية ، يمسك بالمال والدعم اللوجستي ، ويستثمر في الإدارة والتنظيم واقامة السلطات القانونية واحياء المؤسسات الديموقراطية لتمكين الشرفاء من حكم الأرض وفرض احترام القانون ، وحسن سير عملية استعادة الحياة الطبيعية ، أم سيتم تخاطف الزعامة والتمويل في مناخ من الفوضى والنزاعات كما يحدث في كل مناطق وكل صفوف المعارضة السورية ؟
  • هل يستطيع أهل حوران والفصائل النجاح في التوحد تلقائيا في هذه الظروف من دون مساعدة على انتاج حالتهم السياسية بواسطة لجنة مشرفة تحضيرية تعمل على تأمين مستلزمات وأليات ذلك ؟

روسيا التي قبلت بالمشروع على مضض وتنكرت شكلا لحليفها الإيراني تراهن على فشل الإدارة في هذا المشروع لكي تعيد هيمنة النظام عليها ، بينما تسمي الدول العربية هذا الشخص أو ذاك تبعا لمقدار ونوعية خبرته في الفساد المشترك بينهما . بينما تضيع تضحيات أهل حوران الذين لم يتوقفوا عن القتال منذ سبع سنوات في أحلك وأصعب الظروف …

هل ستعمل الجهات الوصائية بصدق على إنجاح المشروع أم أنها تخفي الرغبة في فشله كما فعلت مع المعارضة سابقا ، لأهداف لم تعد سرية ، بهدف  إعادة رسم الخريطة السياسية في المنطقة وأهمها قيام كردستان في الشمال وعلويستان في الغرب وفلسطينستان شرق نهر الأردن ؟ وهي تستخدم من أجل ذلك وسائل متنوعة لزعزعة الاستقرار كداعش وميليشيات إيران بالتناغم والتكامل ؟

نقول لشعبنا وأهلنا وأصدقائنا أن النزاهة والمحاسبة والشفافية والتفتيش المالي وحسن الإدارة والتخطيط هي اليوم عنوان النجاح أو الفشل في الجنوب أو في عموم الوطن . وبمقدار ما نكون حريصين عليهم بمقدار ما نسرع في استعادة وطننا ، فهل ستسلم هذه المنطقة لمعارضة الفساد والتسيب المعروفة لتفشل ، أم سيتم انتاج آليات إدارة وقيادة وتحكم مختلفة جذريا وبعيدة كل البعد عنها ؟ هذا هو العامل الحاسم الذاتي بعد توفر الغطاء الدولي الظاهري ، فلا تضيعوا الفرصة يا أهل سوريا ولا تتركوا قراركم ومصيركم للسائحين الفاسدين الذين يتاجرون بدمائكم ومستقبل أبنائكم ويتزعمون المعارضة زورا نفاقا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.