كردستان كردستان

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

ليس المهم نسبة التصويت بنعم على انفصال كردستان العراق ، ولا حتى  إجراء الاستفتاء بحد ذاته ، لأن واقع الانفصال العملي قائم على الأرض ولا يغير كثيرا اعلانه أو الاعتراف به .. فالسؤال المطلوب الإجابة عليه ، هل ستتحول كردستان العراق لكردستان كردستان ، أي هل سيمتد هذا المسار ليوحد الشعب الكردي في دولة واحدة مستقلة ذات سيادة كغيره من الشعوب ؟

المسألة ليست أن نعرف هل يريد الكرد الانفصال أم لا ؟ فهم يريدون ويعملون بشكل منهجي على ذلك ، والشعب الكردي يريد الانفصال وتشكيل دولته القومية مهما ظهرت اختلافات  وتباينات داخله ، لكن العقبة الأساسية أن ذلك سيكون على حساب تفكيك دول قائمة منذ قرن ، وما يترتب عليه من ضرورة حل الكثير من القضايا العالقة المتعلقة بالجغرافيا والحدود والتداخل الديموغرافي والاقتصادي ، وهنا تجد الدول المختلفة في المنطقة التي تضم أقليات كردية نفسها أمام تحدي وجودي يهددها بالانفراط ، وهي تسعى منذ مدة طويلة لإلغاء هذه القضية وربما ستستمر بكل الوسائل ، وهو ما يهدد باندلاع المزيد من الحروب في المنطقة ، مع أن الحروب والقمع لا يمكنها حل هذه المسألة ، فالقضية الكردية قضية شعب ليس لها إلا حل سياسي ، ولكن كيف ؟ كيف يمكن الخروج من هذه المعضلة ؟

الكرد يسعون لفرض واقع تقسيمي بمزيج من الحرب والتفاوض ، وهم يتقدمون تدريجيا ، وتحظى قضيتهم بدعم غربي كبير ، لكن هل سيتحول هذا الدعم لدعم عسكري في حال تعرضوا لهجوم من ثلاث دول ؟ هل سنشهد حرب جديدة بين الكرد وثلاث دول اتفقت عليهم … وهل فعلا تستطيع هذه الدول الدخول في مواجهة عسكرية مع اقليم كردستان العراق دون أن تنتقل المعركة لداخلها ؟  ثم هل توجد جهات دولية تعمل حثيثة لدفع الأمور في هذا الاتجاه ؟ ضمن سياسة استنزاف الخصوم ؟ هل الكرد حليف تاريخي للغرب أم هم مجرد ورقة بالنسبة لهم ؟

لا يمكن لعاقل يفهم العلاقة التاريخية الأخوية التي تربط شعوب المنطقة أن يقبل بأن تسير الأمور بهذا الاتجاه ، فلو فكرنا خارج صندوق التنافس والصراع القومي الذي هو طارئ على المنطقة ومستورد لتفتيتها و الذي حصرنا تفكيرنا فيه … سنجد أن المنطقة محكومة تاريخيا بالتنوع القومي ، والديني ، والطائفي ، وبذات الوقت موحدة المصالح الاقتصادية والدفاعية ، فهي لا تستقر بصيغ انفصال بل تتطلب دوما صيغة سياسية فضفاضة جامعة تستوعب هذا التنوع والتشارك ، ولا يوجد اليوم صيغة أفضل من الصيغ الاتحادية التي تشمل كل المنطقة ، حيث تتحقق وحدة الكرد وقضيتهم القومية من دون الإضطرار لرسم حدود عدائية مع جيرانهم وأشقائهم ، وهذا يتطلب أمرين هما الاعتراف بالقضية الكردية وحقوق الشعب الكردي ، بمقابل اعتراف الكرد بوحدة المنطقة والشراكة التاريخية والتداخل الجغرافي والديموغرافي وتشابك المصالح ..

بعد ذلك لا بد من البحث عن إجراءات عملية ومبادرات تحقق هذه الغاية ، وأهمها عدم استخدام العنف ، والتوقف عن الإضطهاد القومي ، ومحاربة العنصرية ، والكف عن النفخ في نار العداء ، وعدم التورط في عمليات التهجير والتغيير الديموغرافي ، والكف عن الحديث عن حقوق تاريخية … فكل من ولد على هذه الأرض له حق الإقامة فيها ، أما هويته وثقافته ودينه فهو لا يختارهم ، وهذا لا يجب أن يحرمه من حق المواطنة والعيش الكريم … أي أن احترام حقوق الانسان والديموقراطية هي الأساس للعيش المشترك وتحقيق الطموحات القومية لكن ليس على حساب الغير … وهذا لا يلغي حق كل شعب في الدفاع عن نفسه ومصالحه ، بشرط أن لا يمتد للعدوان على غيره .

أخيرا : يمكن للقضية الكردية أن تكون عنصر توتر وحروب ودمار كما يريدها من ينظر بعين العداء للمنطقة كلها ، لكن بذات الوقت يمكنها أن تكون رافعة للحضارة والتعايش في المنطقة بعكس ما يريدون ، لو تعاملنا معها بطريقة وعقلية أخرى ، مع نصيحة للأخوة الأكراد بأن لا يلجأوا للقوة ، وأن يلتزموا مبادئ حقوق الانسان والشعوب ، حتى لو كان من طرف واحد حاليا ، بانتظار تغير جدي في الأنظمة العنصرية المستبدة القائمة في المنطقة ، التي يجب استبدالها بنظم ديمقراطية تحترم حقوق شعوبها ، تمهيدا لصيغة اتحادية فدرالية تجمع هذه الشعوب وتحقق لها الحرية والازدهار … أي أن لا يذهبوا بعيدا في العداء لأننا محكومون بالعيش المشترك .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.