ثمار مؤتمر سوتشي محصورة بالداخل الروسيّ؟

تأخرُ انطلاق الجلسة الافتتاحية، مقاطعة لكلام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، غياب طيف واسع من المعارضة السوريّة، مقاطعة دوليّة بارزة وغيرها، هي مؤشّرات قد تصعّب الحديث الأوّليّ عن نجاح مؤتمر #سوتشي. إنّ قسماً من هذه الإشكالات التي برزت المؤتمر يمكن أن يكون قد عكس بداية تغيّر في النظرة الدوليّة إلى الأوضاع السوريّة ومحاولة غربيّة لإعادة إحياء المسار الأمميّ وإعطائه اليد العليا في مسار حلّ النزاع.

حاولت #تركيا دفع المعارضة التي تدعمها بالتوجّه إلى سوتشي ونجحت في ذلك ولو متأخرة عندما توجّه بعض فصائلها من أنقرة إلى مطار سوتشي عند منتصف ليل الاثنين-الثلثاء. لكن فور وصولها إلى المطار، اعترضت على شعار المؤتمر المنتشر على لافتات قاعاته. وتحدّث الوفد لاحقاً عن أنّه قد “فوجئ” بسبب عدم التزام الروس بتحقيق الوعود التي أطلقوها. رئيس الوفد أحمد طعمة قال قبل العودة مجدّداً إلى تركيا أن “لا القصف الوحشيّ على المدنيّين توقّف ولا أعلام النظام أزيلت عن لافتات المؤتمر وشعاره، فضلاً عن افتقاد الدولة المضيفة أصول اللياقة الديبلوماسيّة”.

بين “المناقشة” و “الإصلاح”

حدث اعتراض الوفد، علماً أنّ وسائل الإعلام بما فيها تلك السوريّة كانت قد بدأت تتداول الشعار منذ حوالي الأسبوع على الأقلّ. لكن قبل مغادرته المطار، فوّض وفد المعارضة الأتراك بتمثيله في المؤتمر. غير أنّ الاعتراضات أتت أيضاً من تركيا بعدما علمت بحضور معراج أورال المعروف في سوريا باسم علي كيالي ومشاركته في المؤتمر. وتصنّف أنقرة أورال بالإرهابي لوقوفه خلف تفجير بلدة ريحانلي في جنوب تركيا سنة 2013 حين قتل أكثر من 50 شخصاً. ويترأس أورال الجبهة الشعبيّة لتحرير لواء الإسكندرون الذي يقاتل إلى جانب دمشق، وقد اتّهمته المعارضة أيضاً بالمشاركة في قتل العشرات من قرية البيضا في السنة نفسها.

لم يكفِ التواصل الروسيّ التركيّ المستمرّ لحلّ مسألة امتناع الفصائل المعارضة المدعومة من تركيا عن المشاركة في المؤتمر الذي شهد غياباً بارزاً لوفد الهيئة العليا للمفاوضات، مع ما يعنيه ذلك تالياً من تغيّب القسم الأكبر من المعارضة عن الحضور. وعلى الرغم من أنّ المؤتمر شهد إنشاء لجنة دستوريّة من حوالي 150 شخصاً (بمن فيهم معارضون متغيّبون)، ستعمل لاحقاً ضمن مسار #جنيف، يتعاطى الإعلام الرسميّ السوريّ معها بصفتها لجنة ل “مناقشة” الدستور متفادياً عبارة “إصلاح” أو “تعديل” الدستور.

المجتمع الغربي غير راضٍ

قد لا تضغط #موسكو على دمشق في مسألة الإصلاحات الدستوريّة، ربّما لشعورها بأنّ المجتمع الدوليّ لم يغطّ سوتشي كما كانت تأمل. فالأميركيّون والبريطانيّون والفرنسيّون لم يحضروا المؤتمر، فيما كان لباريس موقف متشدّد عبّر عنه وزير خارجيّتها جان إيف لودريان يوم أمس الثلاثاء حين قال أمام الجمعيّة الوطنيّة الفرنسيّة: “إنّ حلّ الأزمة سيحدث على وجه السرعة من خلال حلّ ترعاه الأمم المتحدة في جنيف. فرنسا ترى ذلك هدفاً مباشراً. هذا الأمر يجب ألّا يحدث في سوتشي بل يجب أن يحدث في جنيف”. والصيغة الحاسمة التي استخدمها لودريان تعبّر عن نيّة فرنسيّة والأرجح غربيّة في استلام المجتمع الدوليّ لزمام المبادرة من جديد وإحياء عمليّة جنيف التي رأوا أنّ موسكو تحاول سحب البساط من تحتها أكان في #أستانا أم في سوتشي.

وعلى الرغم من مشاركة الموفد الأممي ستيفان دي ميستورا في المؤتمر الذي ترعاه روسيا، يبدو أنّه تقصّد ألّا يكون حاضراً طوال الوقت كي لا يقدّم غطاء أمميّاً كاملاً لموسكو بشكل يخالف إرادة الدول الغربيّة البارزة في هذا المجال. فقد اقتصرت مشاركته على حضور الكلمة التي ألقاها وزير الخارجيّة سيرغي #لافروف باسم الرئيس الروسيّ فلاديمير #بوتين.

تصعيد ميدانيّ

خلال انعقاد المؤتمر، كان الوضع الميداني في #سوريا يشهد مزيداً من التوتّر العسكريّ والقصف الجوّي الذي تشنّه المقاتلات الروسيّة. فقد ذكر المرصد السوريّ لحقوق الإنسان أنّ الغارات طاولت مناطق في أرياف إدلب الشرقيّة والجنوبيّة الشرقيّة والجنوبية في إطار “قصف متصاعد” و “هجمة جوّيّة شرسة” يتعرّض لها الريف الإدلبي. هذا التزامن بين انعقاد المؤتمر وتوسّع رقعة المواجهات يمكن أن يشير إلى ضغط روسيّ متواصل على المعارضة من أجل حضور المؤتمر تحت طائلة الدخول في مرحلة جديدة من التصعيد العسكريّ. وقد يزداد احتمال تدشين الروس لهذه المرحلة خصوصاً إذا شعروا بوجود ضغط غربيّ مقابل لإفشال سوتشي ومحاولته إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل الانتصار العسكريّ الذي حقّقته موسكو في السنتين الماضيتين.

“مضيعة للوقت”

هنالك العديد من الانتقادات التي طاولت المؤتمر في الشكل والمضمون. فإضافة إلى غياب تنوّع الحضور السياسيّ السوريّ وبقاء المعارضة المدعومة من تركيا ساعات طويلة في المطار قبل قرار العودة ومقاطعة بعض الحاضرين للافروف متّهمين روسيا بقتل المدنيين، كان لمراقبين تعليقات أخرى. فقد رأى الناشر السياسيّ لصحيفة “بيلد” الألمانيّة عبر “تويتر” أنّ “الباصات الخضراء” التي نقلت المشاركين إلى سوتشي كانت لافتة إذ إنّها تعبّر عن “رمز أبديّ لحملة الأسد-بوتين للتهجير الجماعيّ”.

أمّا مدير مركز التطرف وشؤون مكافحة الإرهاب في “معهد الشرق الأوسط” تشارلز ليستر فقد غرّد عن المؤتمر واصفاً إياه بكونه “مضيعة للوقت” لعدد من الأسباب من بينها أنّ الوقت الذي خُصص لتناول الطعام والشراب كان أكبر من ذاك الذي خُصّص للمناقشة والاستماع.

“غريبة وكارثيّة”

مراسل صحيفة الإندبندنت البريطانيّة في سوتشي أوليفر كارول وصف المحادثات ب “الغريبة والكارثيّة”. وقد أكّد له الباحث في “المجلس الروسيّ للشؤون الدوليّة” أنتون مارداسوف إنّ الحضور الأساسيّ في سوتشي كان محلّياً، بما يوحي بأنّ تأثيره سيكون داخليّاً. وتابع تقرير “الإندبندنت” يعرض وجهة النظر الباحث الروسيّ نفسه: “لقد كان سوتشي ناجحاً على مستوى حملة الانتخابات الرئاسيّة، لكن هذا فقط”. وأضاف أنّ الضربة الوحيدة التي كان بإمكان روسيا أن توجّهها هي “في ما لو حضرت المعارضة المسلّحة، وهذا لم يحدث”.

لكنّ الرئيس الروسيّ تحدّث مع نظيره التركيّ اليوم الأربعاء في اتصال هاتفيّ حيث أعرب الطرفان عن كونهما راضيين من نتائج المؤتمر. أمّا إذا كان يصعب من الآن إطلاق توصيف نهائيّ حول نجاح أو فشل سوتشي، فقد تكشف الأحداث الميدانيّة في سوريا والسياسية في جنيف لاحقاً حجم الثمار التي سيحصدها الروس من هذا المؤتمر الذي يرى كثر أنّ غايته الأساسيّة كانت تأمين الشرعيّة لاستمرار الرئيس السوريّ في منصبه.

النهار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.