يثب

ملامح استراتيجية للستة أشهر المتبقية من حكم الأسد (استدامة عناصر القوة)

د. كمال اللبواني

Kamalلاحظت من خلال أحاديث الديبلوماسيين الغربيين مؤخرا أن كلمة ستة أشهر متواترة في أحاديثهم كلهم، وعندما صارحتهم بملاحظتي، محتجا على أن ستة أشهر مدة كافية للنظام لارتكاب ما يشاء من المجازر،  قالوا لنحاول أن ننهي الموضوع قبل ذلك، وطالما نحن ( الغرب ) لن نتدخل عسكريا، سيكون بالتالي الحل السياسي هو الخيار الوحيد، ونحن نساعدكم فيه، وجوابا على سؤال هل تضمنون نتائج هذا الخيار، قالوا  لا نضمن شيء، بل نعمل معا،     هل تضمنون وحدة سوريا ؟ لا، هل تضمنون انسحاب الإيراني ؟  لا،   ومصير الأسد ؟؟  الأسد ليس له مكان في مستقبل سوريا هذا أكيد (منطقيا)، والروس متفهمون لذلك، ونحن نعتمد على نفوذهم.

التحديد الزمني هذا ، مرتبط على ما يبدو  بتفاهم روسي أمريكي ( قديم- جديد )، و مرتبط ببرنامج تسليم السلاح الكيميائي الذي هو برنامج مستمر عبر مسلسل التسليم والتحقق، وهم يعلمون أن الأسد يحاول اخفاء كميات ويراوغ، و هم جاهزون لهذه المراوغة على ما يبدو، و لن يتساهلوا مع هذا النوع من السلاح، أما فيما يخص التفاوض مع إيران فهو أيضا غير ناجز وهو أشبه بمسار معقد وعلى مراحل، ولا توجد صفقة واضحة وكاملة، وأمريكا لا تفكر بالطريقة التي نظنها (اتفقت مع ايران علينا )، هذا بنظرهم من وحي خيالنا، ولا يقبلوا أن نعتقد أنهم تخلوا عن صداقة العرب والسنة في المنطقة وخاصة في الخليج ، فهم ما يزالوا مقتنعين بابتعاد المسافة بينهم وبين الثقة بالإيرانيين، ولن يسمحوا لإيران  باستمرار العبث بأمن المنطقة، وما يزالوا رافضين لفكرة مد نفوذها خارج حدودها وتدخلها في غيرها ، ولبقاء سلاح حزب الله خارج سيادة الجيش اللبناني وهو العنوان الثاني .

أما سورية متحررة من نظام الأسد فهي الأولوية الثالثة، لكن هذا  لن يطرح للتفاوض مع إيران التي على ما يبدو لن يسمح لها بوضع ورقة سوريا في البزار كونها من وجهة نظرهم لا تملكها ، فهي عامل  استنزاف لها ، أكثر منها رصيد في حسابها ، فهم قد خسرتها بعد اندلاع الثورة ، وشعبية ايران عند العرب انهارت تماما ، وهذا طبعا تحقق بدماء وبطولات السوريين . وفي التفاوض الجاري يطلب من ايران وقف التدخل في سوريا  كتعبير عن حسن نية ، وليس مقابلا لأي ثمن .

وعليه ولكي نبني استراتيجيتنا، لا بد أن نستعرض ملامح استراتيجية النظام المعادي، والتي ناقشتها أيضا معهم. فالنظام يحاول أن يتجنب الحل السياسي، ويسعى لفرض الحل العسكري بكل ما لديه من قوة، وبتدخل سافر من حلفائه خاصة حزب الله المصنف ارهابي، والذي فهم أن بقاء سلاحه بيده موضوع على طاولة التفاوض الإيراني  الغربي ، وهو أولوية ثانية بعد الملف النووي الإيراني ، لذلك لم يعد حريصا جدا على الاحتفاظ بمخزون قوته، بل يستطيع اطلاقها واستعمالها في سوريا، ، وقد يفكر حزب الله بنقل هذا السلاح مع العناصر للأراضي السورية إذا حصل على مربعات أمنية فيها ، أي  أننا قد نشهد احتلالا استيطانيا في أكثر من منطقة في سورية بدءاً بمربع الست زينب والقصير ، وقد نشهد قيام مربعات طائفية عسكرية متناحرة تستمد شرعيتها من بعضها ، باشر النظام بترويجها عندما أطلق عملية اعلان ( دويلات كردستان الغربية الثلاث ) التي أعلنت بالتنسيق مع النظام  وبسلاحه، مستغلة العاطفة الكردية وتعطشها لوطن قومي حرمت منه طويلا ، ومستغلة محاولة دولة العراق والشام  في الرقة وريف حلب ، ثم اعلان دويلة الائتلاف التي ستقوم بين الباب وغازي عنتاب …  وأمارات غيرها ، وغيرها ممن لم يرتق لمستوى الحكومات بعد …   وهكذا .

وبالنظر لعدم تدفق الدعم الكفيل بتغيير ميزان القوى لصالحنا على الأرض، الذي وعدنا سابقا به ومن وزراء خارجية الدول الصديقة شخصيا قبل أشهر في اجتماع عمان، وذلك كشرط لأن نقبل مناقشة فكرة الموافقة على الذهاب لجنيف،  وبسبب حدوث العكس ( تخفيض المساعدات عن الثوار )، المترافق مع تدفق كل أشكال الدعم للنظام بما فيها مقاتلي المليشيات ( خاصة حزب الله )، حيث أطلقت جل قوتها بمستوى لم يتوقعه الغرب، مستفيدة من تفكك وخلافات الجماعات العسكرية للجيش الحر، وتخاذلها عن القتال بشكل غير متوقع أيضا في أكثر من منطقة، ( خاصة تنامي داعش السرطاني في مؤخرة  الجيش الحر وامتناعها عن الدخول في مواجهة مع النظام ، ودخول الميليشيات الكوردية المدعومة من نظام سوريا والعراق الحرب )  مما أخل بالتوازن العسكري لصالح معسكر النظام  ، والسبب المزعوم لامتناع الغرب عن الوفاء بوعوده ، هو أن السلاح يباع ويذهب إلى اليد الخطأ ، وأن الجماعات على الأرض تتحالف مع منظمات ( الارهاب؟ ).

وعليه ومن حيث النتيجة ، ما أظنه أن الغرب لا يمانع في هزيمة الجهاديين على الأرض لصالح النظام الذي لا أمل في تجديده، ولا حتى لصالح حزب الله، الذي يتفاوضون مع أسياده  على مصيره. معتمدين ليس على انتصار الثورة السورية ، بل على الخوف الذي أحدثه التهديد بالضربة العسكرية ، والذي سوف يبقى قائما ومدعوما بخوف تلك الأنظمة من تحرك شعوبها ، و بأزماتها ، و باستمرار الحصار عليها، و معتمدين على نفوذ الروس الذين يخافون كثيرا من قيام دولة اسلامية في سوريا، حتى ولو على قسم منها، بسبب العلاقة التاريخية بين مجتمعها وبين شعوب جنوب روسيا المسلمة ، وهم بالتالي يفضلون وحدة سوريا تحت قيادة الأقليات، أو أي نظام مبني على عقائد علمانية وشيوعية ومدنية، لأنهم خبروا قوة وخطورة الفكر الجهادي، ويخافون من تجدد ثورة الشعوب المسلمة المضطهدة في امبراطورية المافيات ( روسيا ) لو نجحت الثورة السورية، أو تشكلت قاعدة للثورات الجهادية الإسلامية في المنطقة، وكذا حال الصين ذات الوضع المشابه، لذلك يطمئن الغربي لحليفه الروسي، ويضع الأوراق في يده، وهم متوافقون على ذلك منذ زمن طويل فيما استنتجت.

الدول الخليجية تشرح أن هذه الجماعات الاسلامية في أغلبها معتدلة، تكونت عفويا بسبب طبيعة المجتمع وهويته، وبتأثير نوعية الأحداث الرهيبة، وهي مجموعات تدافع عن المدنيين ولا ترهبهم، وبالتالي لا يمكن تصنيفها ارهابية، وهذا ما قد تقبل به الدول الغربية على مضض، كما لاحظت بعد نقاش حامي معهم حول تصنيفهم ودورهم من وجهة نظرنا، لكنها ما تزال ترفض تسليحهم بالمطلق حتى المعتدلة منها، و في الواقع هم بالفعل من يقاوم على الأرض، وهم من دون سند عسكري ومالي من الصعب عليهم الصمود في كل جبهاتهم الحالية، أو الاستمرار طويلا في خوض حرب الجبهات الغير متكافئة، ومن دون دعم خليجي واضح وسريع، قد يضطرون تدريجيا للتحول لخوض حرب العصابات المتحركة في كل ربوع سوريا.

 واجبار بعض هذه الجماعات على أن تغادر جبهاتها، وعلى الانعزال والتشرذم، وترك ذويها ومدنييها تحت رحمة النظام وشبيحته القادمين من (العراق ولبنان وسوريا وايران )،  سيزيد من تعصبها وعنفها وانعزالها عن الحياة المجتمعية، وإذا ما ارتُكبت جرائم بحق المدنيين، وهذا ما يجري على قدم وساق وفي كل مكان، فهو سوف يدفع بعض الجماعات لأن تستهدف المدنيين في الطرف الآخر للرد على هذه الوحشية ليس في سوريا فقط ، بل في محيطها أيضا ، أي من حيث يتدفق الشبيحة ، وبالتالي ينتشر العنف والحرب الأهلية ويزداد تشدد وعنف هذه المجموعات ، ويولد ما يسمونه بالقاعدة ، وهو ما أحذر منه الغرب بكل وضوح .

لذلك ، وبدلا من ترك الثورة السورية و الجهاديين يتقهقرون، ويغيرون تكتيكاتهم وايديولوجياتهم، كان لا بد من زيادة دعمهم للصمود، ولابد من فتح معابر للمدنيين الذين يموتون من الجوع، ومن الخطأ أن يفكر الغرب بهذه الطريقة التي ستزيد من المأساة، وبالتالي ستزيد من عدد المهاجرين القادمين للنصرة، الذين يلبون فريضة الجهاد للدفاع عن أخوتهم. والذين سيجعلون الشرق الأوسط برمته ساحة لعملياتهم، كما أنه من الصعب  التفكير في اجبار المهاجرين بعد قدومهم على العودة لديارهم، لأن ذلك سيسمح بانتشار فكرهم وتنظيمهم في كل العالم بعد أن تمرسوا في فنون الحرب، بل لا بد من التفكير في استيعابهم ضمن  المجتمع السوري .

وعندما تتحدث بكل ذلك مبررا طلب الدعم، يتهربون باقتراح الاسراع في فتح باب جنيف السحري، ويؤيدون اشتراط وقف الهجوم ، وفتح المعابر ، واطلاق النساء والأطفال قبل فتح باب التفاوض  ، وعندما نشرح لهم أن وقف اطلاق النار هو ما يحتاجه النظام لوقف الثورة ، ولأنه آلة الضغط الوحيدة المتبقية لدينا ، يتفهموا منا عدم امكانية تطبيقه قبل ضمان توقف كل الهجمات والسماح بعودة الحياة للمناطق المحاصرة، والاطمئنان لرحيل الزمرة الحاكمة دون عودة، وهذا كله يجب أن يتحقق قبل السماح بعمل المجلس الانتقالي كامل الصلاحيات المفترض تشكيله، ويبدو أن هذا المطلب قد يكون  مقبولا روسيا على مضض، لكنه مرفوض ايرانيا ( من منطلق مذهبي )، والغرب يقبلون به ويسعون لتحقيقه  خلال ستة أشهر، لكنهم لا يضمنونه وهو مرتبط بما سيجري في جنيف .

وعما سيجري في جنيف فالجميع مقتنع أن الطرفين ( مهما كانت نوعية وفودهم ) سيفشلون في تحقيق أي اتفاق، وبالتالي ستقع مهمة فرض مجلس حكم انتقالي على الجهتين ( أقصد روسيا وأمريكا ) التي ستتشاور مع الطرفين وتستمع لاعتراضاتهم فقط وليس لمطالبهم ، بحيث تكون الشخصيات المرشحة لمجلس الحكم الانتقالي غير معترض عليها من الطرفين ، وعندها ستبدأ آليات فرض سلطة هذا المجلس  على الأرض، وهي سياسة قد تطول وقد تقصر، فالوضع يشبه إلى حد ما الصومال، ووجود حكومة مركزية قادرة على فرض الأمن واحتواء الأزمات هو شيء  صعب ومعقد، ولا ينتهي في جنيف، بل لابد من برنامج دولي طويل عريض، ومبادرات داخلية خلاقة، لكننا نشرح لهم أن مجرد انتقال سلطة الجيش النظامي والأمن النظامي لسلطة أخرى غير العصابة، ستغير كثيرا  طبيعة الصراع ، خاصة اذا التزمت ايران بسحب شبيحتها ، ومارس المجتمع الدولي صلاحياته بجدية وفقا لأحكام البند السابع، عبر وسائل مثل قطع الدعم والحصار حتى الاذعان ( طبعا هذا غير متوفر وغير كاف ).

المشكلة أن هذه السلطة الانتقالية ستعتمد في قوتها على أجهزة الدولة أو ما تبقى منها، تلك المتورطة بل المنغمسة حتى أذنيها بالقتل والفساد، ولا بد من اعادة بنائها جذريا قبل الاطمئنان لدورها ، كما أن بنية الجيش الحر لا تسمح له بالتحول لجيش منظم، ودمج الجيشين الحر والنظامي مستحيل، وعليه لابد من صيغة لاستيعاب الجيش الحر كجيش شعبي أو حرس وطني، إلى جانب بناء جيش نظامي جديد مختلف،  ومن الصعب اقناع الثوار بترك سلاحهم قبل فترة طويلة يتأكدون فيها أن السلطة الجديدة لن تنقلب عليهم قتلا وتنكيلا.

أخطر شيء في هذه المرحلة الصعبة هو الشعور بالهزيمة ، فالثورة ليست جيشا يحارب على جبهة ، إنها شعب كامل يغير وسائله وأدواته وتكتيكاته ، وهو مستمر بإذن الله ، والحالة المعنوية تلعب الدور الحاسم في مسار المعارك ، حتى الشأن العسكري هو قابل لتغيير الخطط والوسائل ، ولا يجب أبدا التفكير بالانسحاب ، أو بتفكيك مجموعات الجهاديين الثوار أو دمجهم، ولا تسليم سلاحهم قبل استكمال تحقيق أهداف الثورة، فهم الضامن الوحيد لكل ما سبق.

 وهناك الكثير من الوسائل القتالية التي تتناسب مع الامكانات ومع ظروف المعركة، لذلك أقترح على الثوار المجاهدين أن يستعدوا، ويفكروا في احتمال تغيير استراتيجيتهم العسكرية من حرب الجبهات، التي لا ضامن لصمودها كلها أمام الهجمة الشرسة الإيرانية، مع تواطؤ المجتمع الدولي…  والعمل على الإفادة من المدنيين بكل الوسائل، خاصة عبر اعلان رؤية سياسية عملية مقنعة للناس، وليس خطابات نظرية متشددة لا أمل في تحقيقها، والسعي لعدم خسارة الحاضنة الشعبية ، التي لن تكون حالها أفضل تحت بطش النظام ، والسعي لتخفيف الهجرة قدر الامكان ، ووضع اليد على الموارد الذاتية .

كما يجب العمل على جر النظام لحرب استنزاف، واجباره على نشر قواته واخراجها من قلاعها، وتحت ضغط خسائره البشرية وعدم سيطرته على الأرض، سيضطر للبحث عن مخرج …..    لكن وبنفس الوقت على قسم من الثوار  أن ينجزوا تحضيراتهم للانتقال للعمل السري المنظم ، ويتعاونوا مع حلفاء الثورة في الدول المجاورة ، خاصة تلك الدول التي دعمت النظام في اجرامه ، والاستعداد لتنسيق التحرك في مواجهة أي انحراف أو انقلاب للسلطة الانتقالية الجديدة المفروضة ، بدعم ورعاية من الدول الصديقة والعدوة التي لا يجب أن نثق بنواياها، والاستعداد لقلب الطاولة على أي حل لا يضمن ثوابت  الثورة والوطن، فهؤلاء الأبطال بسلاحهم وحاضنتهم الشعبية سيبقون الضامن الوحيد لمتابعة الثورة حتى تحصيل أهدافها، ولو بوسائل مختلفة، لأنه بتخليهم ستضيع كل تضحيات هذا الشعب، كما ستكون مهمة القوى المدنية التماسك السياسي والنضالي، والوقوف ضد أي قفز فوق العدالة، وضد أي محاولة لإعادة انتاج النظام البائد ولو بصيغ أخرى، أو للتفريط بوحدة البلاد وسيادته وهويته . فالجسد الانتقالي المقترح سيكون هشا تتقاذفه الأمواج.

ما أقصده أن جنيف لن تأتي بالسلام ولا بالديمقراطية ، بل ستغير قواعد اللعبة ، ولن تعيد انتاج النظام ، ولن تقضي عليه ، بل ستجد صيغ صراع أخرى علينا أن نستعد لها، ونتبادل الآراء والتصورات حولها ، كي لا تفاجئنا الأحداث ، وللحديث بقية …

لكن الثورة مستمرة بجنيف وغيرها ، سلما وحربا ، حتى النصر إنشاء الله ……   والله الموفق .

2013/11/17

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.