النظام السوري يُبعد “حزب الله” من الجولان: عودة المقاتلين… هل تحوّل أولويته لبنانية؟

ما عاد خافياً أن الحرب في سوريا تسلك منعطفات مصيرية. بدا واضحاً أن النظام السوري وحلفائه يحكمون السيطرة على معظم مناطق النزاع بدعم روسي وإيراني وباتفاقات دولية، خصوصاً أميركية وروسية ظهرت جلية في معركة درعا، إذ وصلت قوات نظام الأسد إلى الحدود السورية الأردنية وسيطرت على المعابر، ثم تمركزت على حدود الجولان لجهة القنيطرة التي كانت في أيدي المعارضة المسلحة من التشكيلات الإسلامية أو “التكفيريين”، لتتم السيطرة على أكثر من ثلثي الأراضي في سوريا، فيما بقيت إدلب وبعض المناطق الشمالية المرتبطة بالسيطرة التركية، لتفتح الامور على مباحثات ومفاوضات تؤدي الى رسم تسوية للنزاع المستمر منذ 2011.

تنفس النظام السوري بدعم روسي في شكل رئيسي، فيما البصمات الإيرانية لا تزال واضحة في القلب السوري. ومن هذه البصمات التي ساهمت في دور رئيسي في المعركة السورية كانت مغامرة “حزب الله” الذي يقف اليوم أمام تحولات تحدث في الساحة السورية وهو غير مقرر فيها، لا بل أنه يفقد أوراقاً كانت رهاناته أساسية عليها، وإن كانت غير واقعية، أبرزها أن يكون له موطئ قدم على جبهة الجولان تتصل بجبهة الجنوب اللبناني. لكن هذا الرهان الذي انطلق خلال الحرب السورية مع محاولات تشكيل نواة مقاومة سورية باءت بالفشل، وعاد النظام ليمسك رسمياً بأرض الجولان أو الجزء غير المحتل منه ويضع الحزب أمام خيار وحيد هو الابتعاد من المنطقة، وفق ما تقول مصادر سياسية متابعة، وهو أمر ظهر في الإشراف الروسي على حسم معركة درعا محدداً الخطوط الجديدة بسقوف لا يمكن تجاوزها بعد قمة هلسنكي الأخيرة، وإن كانت هذه القمة قد رسمت خطوطاً عامة لموازين القوى وللتسوية السورية انعكست بوضوح في هذه المنطقة الحساسة، وأخذت بالاعتبار مصلحة إسرائيل بالدرجة الأولى.

وبينما يحسم النظام المعركة وفق التطورات الميدانية، مع استمرار مشاركة “حزب الله” في الحرب، بات السؤال الأبرز وفق المصادر، عن الأولوية التي كان يعطيها الحزب لمعركته السورية، والتي ترجمت منذ 2012 بانخراطه الواسع وتدخله وتورطه أكثر في الداخل السوري وعلى مختلف جبهات القتال في محافظاته. ومع استعادة النظام السوري مناطق واسعة بدءاً بحلب وأجزاء من ريفيها، بدعم إيراني وروسي مباشرين، ثم دمشق وريفها وأخيرا درعا، لم يعد الحزب ينشر القسم الأكبر من مقاتليه هناك، ومنهم من قوات النخبة والمقاتلين المتطوعين الذين اكتسبوا خبرة قتالية عالية. وتتحدث المصادر عن عودة قسم من المقاتلين إلى لبنان، وبعضهم عاد إلى القواعد التي ثبتها “حزب الله” في سوريا كقواعد خلفية له، خصوصاً في القصير على الحدود اللبنانية، وهي منطقة امتداداً نحو القلمون باتت جزءاً من استراتيجية الحزب ومكمن قوته.

تبدو النقطة التي يقف “حزب الله” أمامها تتعلق بمنطقة الجولان، فهي بقيت بعيدة من متناوله على رغم رهاناته على بناء قواعد فيها. وهو كان دفع في حلب مثلاً كلفة كبيرة وسقط له الكثير من شبابه، واندفع على جبهات مختلفة، مستفيداً مما اعتبره إنجازاً وانتصاراً، وتوجه إلى درعا والى ادلب والى ضفاف أخرى، من الرقة الى الباب على الحدود التركية، ثم دير الزور والبوكمال، وشارك مع حشود المقاتلين الإيرانيين والأفغان والعراقيين على مختلف الجبهات في سوريا، ولم يأبه للمفاوضات في رعاية روسية وتركية، ولم يراهن على نتائجها، لكن الامور تغيرت كثيراً بعد معركة درعا وإقفال بوابة الجولان. وفي المعلومات من المصادر، أن النظام السوري أبلغ الحزب وبإشراف روسي عدم الاقتراب من جبهة الجولان، وإبقاء هذه المنطقة هادئة كما كانت قبل 2011، كما أُبلغ الإيرانيون بالأمر، لتستقر الأمور على وحدات لجيش النظام تحفظ الأمن على الحدود.

فتحت التطورات السورية نقاشاً داخل “حزب الله”، وإن كان قراره النهائي، إيراني. ومن الأمور التي طرحت، الدور الذي يمكن أن يؤديه في حال اكتمال التسوية في سوريا. لكن النقطة الأساسية تناولت تجربته في منطقة الجولان السوري لإنشاء مقاومة في المنطقة كقاعدة شبيهة بالجنوب. وقد تبين أنها لم تنجح، إذ حصلت اختراقات كثيرة أدت بداية الى اغتيال اسرائيل كوادر من الحزب، ثم اغتيال سمير القنطار وأحد قياديي المقاومة السورية التي كان يعدها “حزب الله” لاستنساخ تجربة المقاومة في الجنوب، خصوصاً أن الساحة ليست ساحته ولا جمهوره ولا هو يستطيع أن يقاتل خارج منزله الى ما لا نهاية، إضافة الى أن النظام السوري الذي كان منشغلاً بوضعه الداخلي لم يوافق على إعطاء الضوء الأخضر للحزب للقيام بهذه المهمة، خصوصاً أن أي تسوية سياسية محتملة بين المكونات السورية في رعاية دولية لن تعطي الحزب ولن تفتح له الطريق في الجولان، إذا كان للنظام من مصالح في هذا السياق.

يتضح أيضاً أن المشكلة هي في الرهان على ما يسميه الحزب الانتصار في سوريا، وهذا الأمر له أوجه عدة، إذ إن المنتصر عادة هو الذي يجير انتصاره على الأرض وفي الواقع السياسي الداخلي، لكن الانتصار لم يمنح “حزب الله” إمكان تقرير ما يريد في الساحة السورية، بمعزل عن اصحاب القرار من النظام الى إيران الى روسيا وإلى الولايات المتحدة، وبالتالي هو قدم شباباً لبنانيين على طبق لن يجير انتصاره إذا سارت الأمور على طريق التسوية المطروحة. لذا بدأ الحزب إعادة هيكلة قواته في الساحة السورية، بعودة قسم منهم إلى البلد، لكنه يبقي اليوم على حوالى 10 آلاف مقاتل، منتشرين في بعض الجبهات، مع احتفاظه بقواعد ثابتة في القصير تحسباً لأي معركة مقبلة ودعماً لمواجهة محتملة مع الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب. فهل عادت الأولوية للمشاركة في السلطة؟ وهل عادت لبنانية؟.

النهار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.