سقوط الأمة العربية



د.كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني
الدكتور كمال اللبواني

ليست المشكلة في قرارات جامعة الدول العربية التي لم تقرر شيء، ولا في فعاليتها وإنجازاتها التي تساوي لا شيء، فما يجعلها شبه ميتة هي أزمتها البنيوية، الجامعة التي سيطر عليها الفكر القومي لفترة، ثم المال النفطي لفترة ثانية، لم تُبنَ على أي مشروع من أي نوع، يشمل برامج تعاون بين الدول غير تلك القمم التي تنتهي ببيان يشبه كثيراً بيانات الائتلاف الوطني لقوى الثورة (الثورة التي لم تكن ممثلة يوماً فيه)، فالشعوب العربية لم تكن ملحوظة في جامعة القمم العربية، بل هي جامعة طرابيش ليس فيها رؤوس وليس لها أجساد. الأمة العربية

فهي مؤتمر قمة دوري يستعدّ الزعماء لحضوره وإبراز عضلاتهم باستخدامه كمنبر إعلامي ودعائي، يمجّد بعظمتهم ويؤكد لشعوبهم أنّهم قادة على مستوى الأمة، ومع استمرار الانعقاد الدوري للقمم انهارت معظم دول العرب، وتشردت شعوبها ودخلت بعضها بحروب قد تزيلها من الوجود، حتى أصبحت الجامعة أخيراً في شيخوختها مختصّة فقط في دعم القضية المحورية الوحيدة التي تجمع العرب وهي فلسطين المحتلة، (فلسطين كحائط للتباكي الجمعي على أمجاد غابرة)، حيث لم يخلُ بيان من بياناتها من بند يخصّ هذه القضية التي تخسر منذ سبعين عاماً دون توقف، بسبب الدعم العربي المستمر والثابت لها، والتي قضت نحبها كقضية أيضاً، بعد أن وقعت الواقعة (أقصد خطة القرن وقرارات الضم والتطبيع)، بحيث أنّ المبرر الوحيد لهذه الجامعة قد زال وانتهى، ولفظت أنفاسها الأخيرة، وحان وقت صلاة الجنازة وتكريم الميت بدفنه قبل أن يكون آخر إنجاز له على المغتسل، إعادة النظام السوري لصفوفها ليشيّع معها بعد أن تشيّع وتمرّس في لطم شعبه، وعقّمهم بالمبيدات الكيماوية والشعاعية الشيعية الشيوعية (إيران وروسيا).

العراق وسورية ولبنان واليمن.. “والحبل على الجرار”، كلها صارت مستعمرات إيرانية في ظلّ الجامعة، وتهجّر ليس فقط شعب فلسطين، بل لبنان والعراق وسورية والسودان…، وكل من يستطيع ركوب البحر، بينما تتخبط مصر وليبيا وتونس والجزائر، ناهيك عن العضو الفاعل الصومال، الذي أصبح يجسد مستقبل هذه الأمة.

الجيد أنّ أريتريا قد انسحب فانقطع حبل اتصاله البري، ومع ذلك بقي عضواً في الجامعة، لكيلا يبقى وحيد القرن الأفريقي، لا جامعة أخرى تستطيع ضمه، لذلك ما يزال يصوّت لصالح القضية الفلسطينية، التي صارت القضية المركزية لطهران وأنقرة، وربما للحزب الاشتراكي في السويد، حيث يشكل العرب نسبة هامة منه، بينما يشكل الكرد أغلبية أعضاء الحزب الشيوعي فيها. وهكذا يجري التنافس في انتخابات السويد بين القضية الفلسطينية والكوردية.

بعد أن شرّدتنا الجامعة في أصقاع الأرض، ربما سنرى الجامعة تنقل عفشها ومكاتبها لمدينة مالمو السويدية التي يحظر على شرطة الفيكنغ دخولها، بسبب الصراعات العربية فيها، وربما تجلب معها المؤتمر القومي الإسلامي الذي كان ينعقد في صالات فنادق بيروت الزجاجية، قبل أن يهشمها انفجار وقود صوواوويخ حسن الغبية، التي استهدفتها صوارويخ نتانياهو الذكية. الأمة العربية

باختصار، كانت جامعة الدول العربية غطاء لتشرّد العرب في أصقاع العالم وانقراضهم في عرين عروبتهم، بغداد ودمشق، وربما صار عليها أن تتحول لجامعة الجاليات التي كانت تنطق بالعربية، بعد أن تكسرت قواعد لغتها ولم تعد اللغة الأم، بل اللغة المطلقة، لتختصر بما تحتويه من شتائم لا يمكن لأي ممن عرفها أن ينساها حتى بعد انتهاء برنامج الاندماج والتوطين بنجاح باهر بتطليق الزوجة له، مباشرة بعد أن نالت العصمة، وبعد رحيل الأولاد ليعيشوا حياتهم في عالم الحرية.

لماذا لا نفكر بجامعة جديدة (عبرية–عربية) مقرّها في أرض الميعاد أورشليم، تضم كل عملاء وأصدقاء إسرائيل من أتباع إبراهيم، على الأقل ربما تكون الدولة العبرية التي وحدنا عداءها ذات يوم (إسرائيل)، هي عنصر وحدتنا الجديدة في المستقبل، والتي ربما تسمح ببقاء نماذج عن العرق العربي في متحف الشرق الأوسط للقوميات المنقرضة. الأمة العربية

شبات شالوم، وبركاته.



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.