إعادة ترتيب الواجهة الاقتصادية للنظام السوري باستبعاد «رجال الحرب»

فيما بدا إعادة ترتيب للواجهة الاقتصادية للنظام السوري، تتوالى التغييرات في مواقع نفوذ رجال المال والأعمال الذين ساهموا بتثبيت أركان النظام خلال سنوات الحرب، وذلك على عكس التوقعات.

في هذا السياق، جاء إلى رئاسة غرفة تجارة دمشق، في الانتخابات الأخيرة، محمد أبو الهدى اللحام، بدلاً من رجل الأعمال وسيم أنور قطان، الذي تصدر واجهة الأعمال في سوريا خلال الحرب، وورد اسمه على قائمة العقوبات الدولية، مع أنه كان المرشح الأوفر حظاً كأبرز رجال الأعمال المحسوبين على النظام السوري، وحصوله على المرتبة الثانية في عدد الأصوات بانتخابات غرفة تجارة دمشق، وبفارق 10 أصوات عن المركز الأول. كذلك جاءت نتائج انتخابات غرفة التجارة في العاصمة الاقتصادية، حلب، بفوز رجل الأعمال محمد عامر حموي برئاسة الغرفة، بدلاً من محمد فاضل قاطرجي، أحد أشقاء حسام قاطرجي صاحبة مجموعة «قاطرجي الدولية»، التي ظهرت خلال الحرب ونشطت في مجال النقل والاستثمار والتجارة. وتركز نشاط الشركة، المدرجة على قائمة العقوبات الدولية، على شراء ونقل النفط السوري والقمح من مناطق سيطرة تنظيم «داعش» و«الإدارة الذاتية» الكردية، من شرق الفرات إلى مناطق النظام.

ورغم استبعادهما من رئاسة الغرفتين في دمشق وحلب، حصل وسيم قطان على عضوية مجلس إدارة غرفة دمشق، بينما فاز قاطرجي بأمانة سر غرفة تجارة حلب، مع الإشارة إلى أن معظم الفائزين بغرفة تجارة حلب هم ممن ظهروا وأثروا خلال الحرب. كما استبعدت من مجلس غرفة تجارة دمشق أسماء تقليدية، فلم يترشح لانتخاباتها سبعة أعضاء من مجلس إدارتها السابقين، مثل محمد غسان القلاع، المعروف بشهبندر التجار العضو في الغرفة منذ عام 1973، ورئيس مجلس الإدارة السابق، وأمين سر المجلس الأسبق. كذلك لم يترشح محمد حمشو العضو منذ 2014، ولا نواب رئيس المجلس، عمار البردان، وعرفان دركل، وغيرهما.

مصادر متابعة في دمشق، قالت لـ«الشرق الأوسط»، إن حملة لإعادة ترتيب واجهة النظام الاقتصادية، تجري لاحتواء الخلخلة التي «أحدثها استبعاد رجل الأعمال رامي مخلوف (51 سنة) ابن خال الرئيس من ساحة الاقتصاد السوري، بعد أن كان الرقم الأول والأصعب في سلسلة نفوذ رجال الأعمال المحيطين بالنظام». ولفتت المصادر إلى أن زوجة الرئيس أسماء الأسد التي «قادت الحملة ضد مخلوف ابن خال زوجها، تتولى الآن إدارة أموال وأعمال العائلة بعد وفاة خال الأسد محمد مخلوف الذي كان ممسكاً بأموال وأعمال العائلة لعدة عقود».

وأكدت المصادر أن هذا التغيير فرض واقعاً جديداً تحاول أسماء الأسد أن تعيد ترتيب أوراقه، من ضمنها الحد من نفوذ رجال أعمال ظهروا خلال الحرب، وباتوا يشكلون قوة اقتصادية ضاربة، على خلفية توازن الاستيلاء على سوريا بين إيران وروسيا، في الوقت الذي ينهار فيه الاقتصاد المحلي مع انهيار قيمة الليرة التي فقدت 80 في المائة من قيمتها، لتصل إلى 3000 ليرة مقابل الدولار الأميركي الواحد في أبريل (نيسان) الماضي، قبل أن تعود وتستقر نسبياً عند حد 2300 ليرة، إلا أنها عادت للاضطراب خلال الأسبوع الأخير، لتصل يوم السبت الماضي إلى 2500 مع توقع مزيد من التدهور بحلول الشتاء، واشتداد أزمات الخبز والمحروقات.

كانت واشنطن قد بدأت بتطبيق حزمة عقوبات جديدة تعد الأكثر شدة في يونيو (حزيران) الماضي، تبعتها بإضافة لائحة جديدة على قائمة العقوبات تضم 14 كياناً وشخصاً إضافيين، بينهم حافظ (18 عاماً) الابن الأكبر للرئيس.

ويستخدم النظام غرف التجارة والصناعة لإحكام السيطرة على طبقة رجال الأعمال والمال، وتحصيل إتاوات منهم لدعم الاقتصاد المتهاوي، حماية لمصالحهم، كان آخرها إلزام التجار ورجال الأعمال بالمساهمة في حملة التبرع لمتضرري الحرائق في الساحل والغاب التي أطلقتها الأمانة العامة للتنمية السورية التي تشرف عليها أسماء الأسد، حيث تم جمع مبلغ 6 مليارات ليرة سورية خلال أقل من أسبوعين.

وفيما يرى البعض أن النظام يحاول سد عجزه الاقتصادي والمالي من خلال الاستحواذ على أموال رجال أعمال، يرى آخرون أنه يسعى إلى سحب أكبر قدر من أموال السوريين، وتجميعها في أماكن آمنة استعداداً لتغيرات محتملة. وآخر أهداف النظام، الذي أعلن أمس حل شركة «أبراج سوريا» العائدة لأسرة آل جود ممثلة بهيثم جود الذي عاد من لبنان إلى سوريا عام 2018، بعد تسوية مع النظام، إذ كان يتهم بدعم المعارضة. وفي العام ذاته، أعاد إطلاق مشروع «أبراج سوريا»، بالشراكة مع نبيل طعمة، وأبدت الحكومة استعداداً لتقديم كافة التسهيلات، إلا أنها عادت، أول من أمس، ونكثت بوعودها وقررت حل الشركة، بزعم عدم الالتزام بالعقود، وأوكلت إلى رجل الأعمال ثائر لحام، نجل الممثل الكوميدي الشهير دريد لحام، أمر تصفية الشركة والاستحواذ على ممتلكاتها. ومن المتوقع أن يؤدي هذا القرار إلى إفلاس هيثم جود بالكامل، لدخوله العديد من الاستثمارات، منها مشروع «ماروتا سيتي».

في السياق ذاته، كان قرار الحجز على أموال اثنين من أشهر رجال الأعمال في سوريا ومن المقربين من الرئيس الأسد شخصياً، صائب نحاس وهاني عزوز، قد أحدث صدمة قوية في دمشق، حيث أصدر وزارة المالية قراراً بتغريم عزوز، الشخصية الاقتصادية البارزة في حلب، وأحد المساهمين في شركة «شام» القابضة، التي كان يرأسها رامي مخلوف، بنحو 565 مليون ليرة سورية (350 ألف دولار)، بسبب قضايا استيراد وتهريب بضائع بلغت قيمتها 186 مليون ليرة سورية.

أما صائب نحاس، فتم التراجع عن قرار الحجز على أمواله، بضغط مباشر وقوي من إيران، بسبب العلاقة الوثيقة التي تربط نحاس بطهران، التي تعود إلى بداية الحرب «الإيرانية – العراقية»، مطلع ثمانينات القرن الماضي.

الشرق الأوسط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.