بيانات العلماء متضاربة حول الإخوان (ما هي دلالاتها؟)

د.كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني
الدكتور كمال اللبواني

صدر بيانان متضاربان عن أهم هيئات علماء المسلمين في أهم الدول الإسلامية، الأول يكفر الإخوان ويعتبرهم منظمة سياسة تخرج عن منهج الدين، والثاني يكفر العلماء الذين أصدروا هذا البيان ويتهمهم بأنّهم تكفيريون وبالتبعية للصهيونية، هذا الصراع بين هيئات العلماء المختلفة يعكس الصراع السياسي بين دول الخليج، لكنّه على الصعيد الديني يطرح مسألة بالغة الأهمية: كيف يستخدم العلماء الدين ولمصلحة من يوظفونه، وما هي وظيفة الإفتاء؟.  العلماء 

لست ممن يملكون شرعية الحكم على صحة هذه الفتوى أو تلك، بل إنّني ملزم بتصديق كليهما معاً، نظراً لحشد عدد كبير من الآيات والأحاديث التي تدعم كل واحدة، فتكذيبها هو تكذيب لعلماء أو لنصوص وآيات منزلة، والمنطق البسيط أن نحترم تلك الهيئات الدينية العليا بأسمائها الكبيرة، وأن نعتبر كلا الشهادتين صحيحتين، وعليه لا بدّ من استنتاج عدة ملاحظات حول تلك الحادثة:

الملاحظة الأولى: إنّ البيانين يعبران عن شيء واحد هو تسييس الدين وإقحامه في المعارك السياسية الدائرة بين الدوحة والرياض، وهو خلاف سياسي لا علاقة له بالدين ولا بطبيعة الحكم، لأنّهم نظم متشابهة لحدّ التطابق، فما دخل الدين وأحاديث الرسول وآيات القران، ولماذا إقحامها في هذا المجال بين أحفاد وأتباع محمد بن عبد الوهاب ذاتهم؟.

الملاحظة الثانية: إنّ كلا الطرفين يكفر الآخر ويتهمه بالإرهاب والخروج عن الجماعة والدين، أو بالعمالة للصهاينة والنصارى، وكلاهما لديه ما يدعم به موقفه من نصوص ومن شواهد، فالتكفير صفة أساسية في معظم الفقه السائد حالياً ومنتجيه، أقصد تكفير المختلف سياسياً.

الملاحظة الثالثة: شهادة الطرفين ببعضهما صحيحة، لكن معرفتهم بأنفسهم عمياء، وشهادتهم بأنفسهم عوراء، يرون الآخر ولا يرون أنفسهم.

الملاحظة الرابعة: صراعهما كأهم هيئات إسلامية يكشف حقيقة أنّ الإسلام والعلماء هم عملياً أبواق للسلاطين، ومستأجرون بالمال، وهذا ليس غريباً، فالإسلام ليس فيه كهنوت أساساً، وهي مهنة مبتدعة تتقصّد التربّح المادي كأيّ مهنة لها زيّ وأدوات وسلع تباع في السوق، بينما كتاب الله رسالة واضحة الدلالة وكافية للبشر، ما إن اعتصمنا بها لن نضل الطريق، ولسنا بحاجة لمن يفتي لنا بعد كتاب الله.

الملاحظة الخامسة: هم لم يختلفوا على قول الحق وما قالوه بوصف بعضهم هو صحيح لأنّ ما قالوه هو من صفاتهم فعلاً وينطبق على كليهما، هم اتفقوا على الصمت عن الباطل المشترك بينهما وجعلوه في الآخر دون الذات، فالذي لم يقولوه ولم يتحدثوا عنه، وهو الإسلام السياسي وتسييس الدين، أثبتوا ما اتهموا به بعضهم البعض من تطرّف وترهيب وتكفير وتسلّط، ومن تبعيتهم للسلاطين ودفاعهم عنهم أو سعيهم ليكونوا هم في السلطة المستبدّة، وهذه كلها ناتج الإسلام السياسي بشقيه التحديثي والسلفي، المتفقان على شيء واحد، هو التسلط وحكم البشر باسم الدين.

الملاحظة السادسة: لم يشيروا لموضوع سلطة الدين وموضوع سلطة الحاكم، ولم يفرّقوا بين الدنيوي والأخروي المعجل والمؤجل المجزي عليه والمعاقب به من فوره.

الملاحظة السابعة:كيف يكون الخروج على ولي الأمر كفراً، وقد جاء ولي الأمر بذات الطريقة، أي بالانقلاب والسيف والتغلب؟.

الملاحظة الثامنة: كيف ننكر على المسلمين تشكيل جمعيات دعوة وأخويات إسلامية وهذا حق من حقوق الإنسان، بسبب أنّ موقف بعض فروع هذا التنظيم يعارض نظاماً سياسياً ما، لماذا لم يتم اتهام الجانب المسيس من الدين فقط، بل اتهم تنظيم كامل له وجه دعوي ووجه سياسي؟.

الملاحظة التاسعة: كيف يستخدم اتحاد علماء المسلمين في العالم (اسمها يفترض أنّها أعلى مرجعيّة دينية) نصَّ (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)؟ وكيف تفسّر أهم هيئات العلماء بطريقة داعشية، لإعلان الحرب الدينية الدائمة على كل يهودي ومسيحي، في كل زمان ومكان.

الملاحظة العاشرة: ذات النصوص والمقدمات الفقهية والنصيّة نتج عنها موقفين سياسيين وفقهيين متضادين، هذا يعطي صورة عن تطويع المشايخ للدين لإنتاج فقههم الذي يخدم مصالحهم ونزواتهم ومن يدفع لهم ويمدّ لهم ولائم الرز بحليب والدولار، وبالتالي يبرّر ادّعاء بطلان أهمية أي فتوى تصدر في هذا الزمان، واعتبارها مجرد رأي وموقف سياسي مدفوع الأجر، ليس له رصيد ديني. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.