مشروع الأمانة العامة للمحلّفين في سوريا



د.كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني
الدكتور كمال اللبواني

التعريف:

هيئة قضائية تحكيمية مجتمعية مؤقتة، تتشكل من محلفين مفوضين من الشعب محلياً، ولها بناء هرمي وطني يلتزم بمعايير صارمة للنزاهة وحسن الأداء، تقوم بدور النيابة العامة عن المجتمع لتمثّل سيادته القانونية، ولتحفظ السلطة المعنوية للحق فيه، وتجسد الضمير الجمعي للشعب السوري.

المبررات:
ما يزيد معاناة الشعب السوري وتمزقه، هي حالة الفوضى والفلتان والتسيب التي تنتشر فيها كل أنواع الجريمة وكل أشكال الفساد، وطالما أنّ النظام الحالي هو رأس الجريمة والإجرام، والمؤسسة القضائيّة للدولة السورية فاقدة للأهلية والقدرة في مناطق سيطرة النظام، وطالما أنّ المناطق التي تحررت من سيطرته، تحررت أيضاً من كل أنواع الانضباط والرقابة وخضعت لسلطات متعسفة جديدة، وأنّ القائمين على أمور الشعب في كلا الطرفين يضطهدونه ويستغلونه لا رقيب ولا حسيب عليهم، وأنّ الشعب السوري يعيش حالة من الوحشية والجريمة غير مسبوقة في تاريخه، تفاقم وتضاعف وحشية الحروب والصراعات وتغذيها، وطالما أنّ العدالة وسلطة الحق هي شرط الوجود الإنساني الاجتماعي الحضري من دونها تسود شريعة الغابة ويتحطم المجتمع، فلا بد من التحرّك شعبياً لفرض سلطة العرف والقيم بإمكانات المجتمع، وبقوته المادية والمعنوية.

الشعب السوري هو من يدفع أفدح الأثمان بعد أن أصبح وطنه ساحة للجريمة والوحشية التي يندى لها الجبين، ترتع فيها كل أنواع العصابات إن سميت دولاً أو جيوشاً أو ميليشيات أو منظمات سياسية أو دينية، فكلها معاً تسعى بشكل مستمر لتقويض أي سلطة للحق والعدالة تحكم بين الناس، بما في ذلك الدول النافذة والمجتمع الدولي والأمم المتحدة، وصولاً لمجلس الأمن الدولي ذاته، الذي يسعى لحلّ يعطي لكل المجرمين الحصانة والفرار من العدالة، لذلك فقد وقعت هذه المهمة على عاتق الشعب السوري، لأنّ الشعب السوري في كل المناطق، على اختلاف المجرمين المتحكمين فيه، لا يستطيع الانتظار حتى تقوم دولة جديدة قادرة لديها سلطات قضائية فعالة ونزيهة، والذي يبدو أنّه وقت طويل جداً لذات السبب، أي تسلط المجرمين والزعران والفاسدين في كل مكان وحيز، واستعانتهم بأجانب يستمتعون بممارسة الإجرام فوق الأرض السورية التي رواها دم مليون شهيد من أبنائها، وما تزال عطشى للحق والكرامة والحرية والشرف، وجب التحرك العاجل لوضع حدّ لكل هذا بقواه وقدراته الذاتية.

الهدف:
التعويض ما أمكن عن غياب سلطة دولة القانون، للحفاظ على حد أدنى من التلاحم الاجتماعي، تحفظه في ظروفه الصعبة التي يعيش فيها، وسيلة جديدة من وسائل صموده وتمسكه بسيادته وبهويته ووطنه وعرفه وقيمه، وركن أساسي من ثورته على الفساد والاستبداد وضياع الحق والحقوق والكرامة، ووسيلة فعالة مختلفة لتقويض سلطات الإجرام والإفلات من العقاب والمحاسبة، وبالتالي التحلل من كل المسؤوليات والالتزامات عند من يمسكون بالشأن العام في كل المستويات، وأن تقوم بدور التحكيم القضائي بين المتنازعين ما أمكنها، مستخدمة سلطات المجتمع المتوفرة، محلياً ووطنياً، لتنفيذ قراراتها، وتهيئ المناخ لتقويض سلطات الفساد والاستبداد القائمة على إدامة النزاعات والصراعات المختلفة وتغييب سلطة القانون والعرف والأخلاق والقيم، تعوض مرحلياً عن غياب التمثيل السياسي الوطني الذي سرقته الدول المتدخلة وسيطر عليه المتسلطون والوكلاء لها، وتحارب تسلط المجرمين والوصوليين والفاسدين عليه، ثم تمارس دورها في المصالحات بعد انتهاء الحرب، وتحسّن الظروف المعاشية وظروف العمل الوطني لإعادة بناء المجتمع السوري ودولته.

الآلية:
طالما أنّ العرف سلطة تاريخية ودينية وقانونية معتمدة ومستمرة، حتى الآن، وليست غريبة عن مجتمعنا، بل كانت تقريباً هي من يحفظ السلم الأهلي فيه، فإنّ التفكير بتدعيم هذا النظام وإعادة تفعيله كبديل مؤقت عن العدالة القانونية التي تلتزم بها الدولة وتصبح مسؤوليتها الحصرية، وطالما أنّ النظام القضائي الديني يستخدم للغطرسة وانتهاك حقوق الإنسان من قبل متعصبين، وقد تشوه كثيراً بعد أن استخدمته سلطة العصابات الإرهابية التي تدّعي تحكيم شريعة الله، وطالما أنّ النظام الأهلي القبلي تمزّق وضعفت قدرته، بسبب حالة الحرب والنزوح والتشرد، فإنّ قيام هذه الهيئات يحتاج لتعاون بين المجتمع الأهلي والمدني محلياً، لانتقاء وتكليف هيئة محلفين اعتبارية تمثلهم، تقوم بدورها التحكيمي وبفرض سلطة العرف والقانون.

وهذا نظام معترف به في الكثير من أنظمة القضاء، خاصة في بريطانيا وأمريكا، فالشعب هو المرجع الأول والأخير للحق ولكل سلطة، وهيئات المحلفين هي من تقرّر الإدانة أو البراءة في القضايا. هذا العمل لا يتطلب سلاحاً أو تمويلاً أو دعماً، ولا اختصاصات وتقنيات، بل فقط إرادة فعلية في العيش الحضري المشترك، وقدرة حقيقية لدى البعض على النزاهة وتمثيل الحق العام.

المرجعية الحقوقية والقيمية لهذه الهيئات هو ما تعارف عليه مجتمعنا، وبشكل خاص، المجتمع القبلي الذي لديه عراقة قضائية مشهودة، فاقت السلطات القضائية الحديثة التي قامت في سوريا، وأي منظومة قانونية يتوافق عليها الناس، أو تعدّها هيئة منتخبة من قبل لجان المحلفين تضم مختصين في القانون وأصول المحاكمات.



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.