بوليتكو: بوتين مستمر في تجويع السوريين ويريد إغلاق كل معابر الدعم الإنساني وعلى بايدن التحرك

نشر موقع “بوليتكو” مقالا مشتركا لتشارلس ليستر من معهد الشرق الأوسط وجيفري فيلتمان، من معهد بروكينغز قالا فيه إن “بوتين يجوع سوريا، وماذا يمكن لبايدن عمله”.

وقالا إن الأزمة الإنسانية في شمال- غرب سوريا تبدو وكأنها ازدحام مروري مستمر، ففي كل يوم ينتظر خط من الشاحنات المحملة بالطعام والمياه والأدوية والملابس ومعدات البناء للعبور من تركيا إلى التلال السورية. وبعد عبورها إلى بلدة باب الهوا وتواصل سيرها إلى المنطقة التي شهدت حروبا أكثر من أي مكان في سوريا.

وبالنسبة لـ 4.5 مليون شخص في شمال- غرب سوريا ويعيشون وسط أنقاض سنوات من القصف الذي قامت به حكومتهم، فالشاحنات القادمة من الخارج تعتبر شريان حياة حقيقي. ولم يكن الاختناق المروري شديدا بهذه الدرجة، فعندما بدأت الأمم المتحدة بإرسال المساعدات عبر الحدود في 2014 كانت ترسلها عبر أربع معابر من تركيا والعراق والأردن. وفي كانون الثاني/ يناير 2020 ظل معبران متاحان، ومنذ تموز/ يوليو 2020 بقي معبر واحد وهو باب الهوى، بشكل قيد وصول المواد الإغاثية وسط انتشار كوفيد- 19.

ولم يتغير لا حجم الحاجة التي زادت في الحقيقة منذ أن بدأت الامم المتحدة بإرسال المساعدات وانهيار الاقتصاد السوري، كما ولم ينخفض مستوى العنف. فما تغير هو روسيا والتي ظلت تستغل حق الفيتو في مجلس الأمن لإغلاق معابر الإغاثة واحدا بعد الآخر.

ويصل الدعم إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة وتعرضت لعمليات تجويع من نظام بشار الأسد الديكتاتوري. وتعتبر روسيا الأسد حليفا، ولهذا فهي تتعامل مع أي دعم حتى لو كان إنسانيا إهانة لحكمه. وبناء عليه، ففي أثناء المفاوضات التي جرت في كانون الثاني/ يناير من أجل تمديد وصول الإغاثة، دفعت روسيا لإغلاق معبرين من العراق وآخر من الأردن وكلاهما كانا يوفران شريان حياة لشمال- شرق وشرق سوريا.

واستخدمت روسيا نفس الأسلوب في تموز/ يوليو لإغلاق معبر باب السلام من تركيا، وهو ما ترك معبرا واحدا للمساعدات القادمة من تركيا وهو باب الهوى، وعبرت روسيا عن نية لإغلاقه عندما سيتم التصويت في الصيف المقبل. ولو نجحت فستقطع المساعدات الحدودية التي تبعثها الأمم المتحدة وبشكل كامل وستقطع صلات شمال- غرب سوريا من المجتمع الدولي وأي مساعدة.

ويرى الكاتبان أن الحرب السورية المستعصية منذ عقد لم تمنح صناع السياسة الفرصة لفرض سياسات تغير من الوضع، لكن إدارة جوزيف بادين لديها في الصيف المقبل هذه الفرصة، لكي تتأكد من تدفق المساعدات الإنسانية دونما معوقات لملايين السكان في شمال سوريا والذي باتوا بحاجة للمساعدة أكثر من أي وقت مضى.

إلا أن هذه الفرصة لن تكون مجانية، فعلى الرئيس بايدن إلى جانب وزير خارجيته أنطوني بلينكن ومديرة يو أس إيد سامنثا باور القيام بجهود صلبة لتغيير الحسابات الروسية من الآن وحتى تموز/ يوليو. وهذا يعني البحث عن طرق أخرى غير سوريا والشرق الأوسط للضغط على روسيا وزيادة التكاليف المحتملة لقطع الدعم الإنساني عن سوريا.

ودعم الرئيس فلاديمير بوتين الأسد منذ 10 أعوام، عندما بدأ المتظاهرون السلميون بالدعوة للإصلاح وكان الرد هي قسوة لا ترحم. وعندما دخلت سوريا في حرب أهلية زاد بوتين من الدعم العسكري والمستشارين ثم شن في 2015 عملية عسكرية واسعة بهدف إنقاذ الأسد.

وأعطت الحرب في سوريا بوتين الفرصة لتعزيز موقع روسيا كلاعب مهم في الشرق الأوسط وحماية حليف وبالضرورة هزيمة الجهود الامريكية الرامية لتغيير الأنظمة في الدول العربية. وفي عام 2021 لا أحد لديه شك من أن أيا من هذه الأهداف لم يتحقق، فقد عملت روسيا مع حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني لدعم الاسد. وحصلت على الدعم الدبلوماسي من الصين، التي تحتفظ بحق النقض في مجلس الأمن وظلت ترفض دعم الغرب للتغيير الديمقراطي في الخارج. بالإضافة لعلاقات دبلوماسية خاصة بها مع الأسد.

الحرب في سوريا أعطت بوتين الفرصة لتعزيز موقع روسيا كلاعب مهم في الشرق الأوسط

وطالما أشار الدبلوماسيون الروس والصينيون أن تحركاتهم التي تستهدف نقل الإغاثة عبر الحدود هي انتقام من الأمريكيين والأوروبيين لفرضهم عقوبات ضد الأسد. ويرى الكاتبان أن عناصر الحرب في سوريا تم توثيقها بشكل واسع مقارنة مع استراتيجية الحصار- التجويع الروسية التي لم توثق بشكل كبير. وعبر قطع المواد الحيوية عن ملايين السكان تريد روسيا تحقيق هدف واحد وهو إجبارهم على الإستسلام لنظام قصفهم وقتلهم وأغار عليهم واستخدم الغاز الكيماوي ضدهم ولعقد من الزمان. وكانت الرافعة لكل هذه الجهود هي مجلس الأمن.

وبحلول 2014 توقفت الأمم المتحدة عن إحصاء الجثث بعد سنوات من الهجمات الوحشية والحصار والقصف السجادي لمجتمعات المعارضة المعادية له. وأدى حجم العنف وغذى أزمة إنسانية واسعة اقتضت ردا إغاثيا ضخما، لكن النظام لم يكن راغبا بوصول المساعدات لمناطق المعارضة. ولم ينجح أو استحال التنسيق بين منظمات الإغاثة والحكومة المضيفة في إيصال المساعدات لمناطق المعارضة. وهو ما دفع مجلس الأمن الدفع نحو تصويت نادر في 2014 يسمح للمجتمع الدولي نقل المساعدات الإنسانية إلى مناطق المعارضة وبعد إبلاغ دمشق ولكن بدون الحصول على موافقتها.

وعارضت حكومة الأسد، إلا أن المجلس وضع جانبا مسائل السيادة وسمح باستخدام المعابر الحدودية الأربعة لنقل المساعدات الإنسانية إلى مناطق المعارضة. فقد أيقن مجلس الأمن في حينه أن ملايين السوريين سيموتون جوعا بدون إغاثة عبر المعابر الحدودية. وتحولت جهود الإغاثة التي قادتها الأمم المتحدة لاحقا إلى عملية ضخمة وفرت فيها كل شيء من حليب الأطفال والماء والغذاء واللقاحات والسكن للمشردين.

وبحلول 2021 عبرت حوالي 44.000 شاحنة المساعدات الإنسانية لمناطق المعارضة عبر نقاط العبور التي سمحت بها الأمم المتحدة. ورد المجتمع الدولي وبقوة للعمليات الإغاثية فيما حاول الأسد منع وصولها لمن يحتاجها أكثر. وفي بعض الحالات لم تعط السلطات السورية إذنا لمرور الشاحنات، وفي حالات أخرى صودرت الشحنات، وأخذ منها الثمين والمهم مثل حليب الأطفال. وتم تخريب ما تبقى مثل ملء أكياس الطحين بالزجاج وبقايا الطيور.

ومع ذلك نجحت المساعدات الحدودية بتخفيف الآثار التي تركها تجاهل نظام الأسد للقانون الإنساني الدولي. وقد تغير هذا عندما بدأت خطوط القتال بالتجمد في سوريا ولم يستطع خليط من قوات محلية وأجنبية وميليشيات التقدم. ونظرا لحالة الجمود على خطوط القتال، بدأت روسيا بالبحث عن طرق أخرى لمساعدة نظام الأسد. وأخذت موسكو بالاعتماد على أوراقها في مجلس الأمن للضغط باتجاه منع وصول المساعدات لمناطق المعارضة، وحتى المناطق التي استعادها النظام بالعنف من المعارضة لم تعد تحصل على مساعدات إنسانية.

وفي جنوب سوريا، مثلا والذي ظل خاضعا للجماعات المعارضة حتى منتصف 2018، أصبحت الظروف المعيشية سيئة وبدأ السكان بالاتصال مع أبنائهم أو أقاربهم الذين يعيشون في الخارج وجمع المال منهم والمشاركة في إعادة خطوط المياه أو التيار الكهربائي.

واتخذت روسيا أول خطوة في استراتيجية الحصار والتجويع في كانون الثاني/ يناير 2020 عندما استخدمت الفيتو لإغلاق معبر اليعربية مع العراق. وعنى هذا فقدان 2.5 مليون نسمة في شمال- شرق سوريا المساعدات الإنسانية والطبية. واضطر سكانها الذين تسيطر عليهم قوات سوريا الديمقراطية الكردية الاعتماد على مساعدات قليلة من معبر فيشخابور وأقل عبر الأمم المتحدة من دمشق.

 وبعد ستة أشهر، استطاعت روسيا وبدعم من الصين إغلاق كل المعابر باستثناء معبر باب الهوى الذي منح تمديدا لمدة عام. وجاءت هذه التسوية بعد تدخل تركيا التي تشترك بحدود مع شمال- غرب سوريا ولا تزال عالقة في علاقة حب وكره مع موسكو. وسينتهي التمديد في الصيف حيث هدد الدبلوماسيون الروس مرارا نيتهم رفض تمديد آخر. وفي الوقت الحالي يعتمد 4.5 مليون نسمة على المساعدات الإنسانية.

وتبلغ نسبة فقر التغذية بين الأطفال إلى واحد من أربعة أطفال وظهرت عليهم علامات الهزال. وتراجعت مستويات الحياة بشكل حاد نظرا لقلة المساعدات التي تعبر باب الهوى. ومع انتشار كوفيد-19 في شمال- غرب سوريا وبغياب المؤسسات الصحية لتوفير العناية فإن إغلاق المعبر المحتمل يعني أن اللقاحات التي ستصل المنطقة عبر برنامج منظمة الصحة العالمية كوفاكس لن تصل. وحذر مسؤول المساعدة في الأمم المتحدة مارك لوكوك في إيجاز له لمجلس الأمن الدولي أنه لو نفذت روسيا ما تريده فستتحول الأزمة الإنسانية في شمال سوريا “من رهيبة إلى كارثة”.

وستكون تداعيات إغلاق المعبر أبعد من الأزمة الإنسانيةـ وتعني استئناف الأعمال العدائية. ورغم وقف إطلاق النار الهش، إلا أن الروس والنظام زادوا من الضغط العسكري وقصفوا المستشفيات والطرق الرئيسية ومحطات الوقود والمخازن وأماكن وقوف الشاحنات. وهذه التحركات لا تعتبر خرقا لوقف إطلاق النار بل ومحاولة لتخفيض مستويات الحياة والتحضير لعملية عسكرية شاملة. وآخر مرة اندلع فيها العنف هرب مليون شخص، مما أسهم إلى أكبر كارثة لجوء نحو أوروبا. بالإضافة لهذا، فتدهور لظروف المعيشة يعني عودة التطرف واستغلال الجماعات الجهادية للوضع. ولأن روسيا واعية بما سينجم عنه إغلاق المعبر الأخير، فقد منعت منظمات المجتمع الدولي واللجنة الدولية للصليب الأحمر بالحديث أمام مجلس الأمن.

وتعطي تشكيلة مجلس الأمن لروسيا نفوذا على المساعدات الإنسانية أكبر من حجمها وما تقدمه من مساهمات. فهي لا تقدم للدعم الإنساني إلا نسبة 1% مقارنة مع 90% تقدمها أمريكا ودول الإتحاد الأوروبي. ومع ذلك لدى موسكو قدرة على اختطاف القرار وزيادة تدهور الأوضاع الإنسانية. لكن أمريكا وأوروبا لديها نفوذ من خلال عقد لقاءات غير رسمية لمناقشة الظروف الإنسانية وتبادل الرأي في الموضوعات الحساسة.

ومع أنها تعقد بناء على دعوة من أعضاء مجلس الامن إلا أنها ليست عرضة للمراجعة أو المنع من الأعضاء الآخرين. وعقد لقاءات كهذه ستعطي واشنطن منبرا من أجل التأكيد على أهمية المساعدات الإنسانية. ويجب على أمريكا وحلفائها التعاون على مستويات عالية لمنع الصين وروسيا من استخدام الفيتو. وهناك جهود جارية وخطط بديلة للمساعدات لا تحتاج لتفويض من الأمم المتحدة. ويجب تنسيق الجهود هذه بين الرئيس بايدن ووزير خارجيته ومسؤولية التنمية الدولية الأمريكية لإظهار درجة من التشدد والجدية. ففي عام 2014 كان على باراك أوباما الشدة مع بوتين لكي يسمح بمرور المساعدات الإنسانية.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.