اغتيالات في درعا بسبب النفوذ الإيراني.. ما احتمالات التصعيد العسكري؟

يبدو أن إبقاء الوضع الأمني تحت السيطرة في المنطقة الجنوبية من سوريا في المستقبل المنظور صعب جدا، بسبب تعدد الأطراف المتصارعة وعدم وجود سلطة قادرة على جمع الأسلحة والسيطرة على الوضع، فحتى بالنسبة للوجهاء العشائريين في المنطقة، ليس هناك الكثير مما يمكنهم فعله مع إصرار إيران، على تنفيذ مشروعها التوسعي في جنوب البلاد.

خلال الفترة الأخيرة، تصاعدت الاغتيالات اليومية في درعا بشكل غير مسبوق، واستهدفت قادة وأفراد الميليشيات التابعة لإيران أو للقوات الحكومية، والمسلحين والمدنيين لا سيما المعارضين لمشاريع طهران في المنطقة. وهذا مستمر منذ أربع سنوات على الرغم من اتفاق التسوية بين الحكومة السورية، والمعارضة بوساطة روسية في تموز/يوليو 2018.

الاغتيالات الأخيرة في المحافظة، والتي تستهدف المعارضين للنفوذ الإيراني هناك تشير إلى استمرار الاغتيالات المتبادلة بين المناوئين للوجود الإيراني، وبين من يدعمه، وأيضا لمعارضي الوجود الإيراني فقط دون وجود أي دعم لمناوئي النفوذ الإيراني، فهل هناك احتمالية لحصول معارضي النفوذ الإيراني على دعم سواء من الغرب أو من دول إقليمية، ما يرفع من احتمالية حضور التصعيد العسكري في المحافظة؟

الاتفاق النووي وبوابة الدعم

لأكثر من ثلاث سنوات، ظلت الفوضى تحكم درعا، حيث تحولت المحافظة إلى ساحة معركة ضخمة لتصفية الحسابات بين عدة مجموعات، غير أن الاستراتيجيات المستخدمة في الهجمات، والاغتيالات قد بدأت في التطور في الآونة الأخيرة مع استمرار هذا الصراع لتصفية الحسابات بين العديد من الأطراف، فالميليشيات الإيرانية والأجهزة الأمنية تعمل على تصفية كل من تشتبه بانتمائه للمعارضة، وفي المقابل يقوم مسلحو المعارضة باستهداف عناصر المليشيات الإيرانية كلما سنحت الفرصة بذلك.

يؤكد المحلل العسكري، العقيد عبد الله حلاوة، لـ”الحل نت”، أن “إيران تستغل غياب الدور الروسي في الجنوب، وتسعى لملء الفراغ بنقل ميليشياتها إلى مناطق يضعف فيها الوجود الروسي، أبرزها التوسع على طول الحدود السورية الأردنية مع العراق، بهدف فرض وجودها العسكري من جهة، ورعاية تجارة المخدرات من تلك الحدود تجاه دول الخليج العربي من جهة أخرى”.

ووجهة حلاوة خلال حديثه الاتهام لإيران، والميليشيات المرتبطة بها بالوقوف وراء الاغتيالات في المحافظة. ولا ينفي هذا الاتهام مسؤولية دمشق عن انعدام الأمن، خاصة وأن الوجود الإيراني المتمثل في المخابرات الجوية، وفرع المداهمات 215، ومكتب الفرقة الرابعة وراء معظم الاغتيالات في ريف درعا الغربي، وفق قوله.

بالمقابل يرى حلاوة، أن استمرار الاغتيالات في ريف درعا الغربي قد يعكس المحاولات المستمرة من قبل التيار الإيراني، للتوغل غرب درعا، والقضاء على جميع الشخصيات المعارضة للوجود الإيراني في المنطقة، مشيرا إلى أن إيران تتمسك بالريف الغربي نظرا لأهميته الجغرافية، ولقربه من مرتفعات الجولان، والحدود الأردنية.

وبحسب حلاوة، تتوافق مصالح إيران مع مصالح دمشق، التي تعتبر التسويات الأخيرة غير كافية، وتسعى إلى بسط قبضتها الأمنية على جميع مدن وبلدات درعا. وعليه، تستغل إيران توجه دمشق لتحقيق هدفها بتحويل المنطقة إلى ضاحية جنوبية على غرار ضاحية بيروت اللبنانية، الواقعة تحت نفوذ “حزب الله” اللبناني.

ومع موافقة واشنطن، لطلب تل أبيب بإبقاء الخيار العسكري ضد إيران، لا يستبعد حلاوة أن يكون الاتفاق النووي بوابة لعودة الدعم للفصائل المحلية التي بقيت في الجنوب لمواجهة التمدد الإيراني، بحيث يكون تدريب هذه القوات في قاعدة “التحالف الدولي” الموجودة في منطقة التنف، شرقي سوريا، لتكون نقطة انطلاق لمشروع إقليمي لمكافحة الميليشيات التي تدعمها طهران.

الحرب على المكشوف

من الواضح أن عمليات الاغتيال في درعا بدأت تأخذ منحى جديدا، خاصة بعد عملية اغتيال قياديين فجر الجمعة الفائت، إذ لأول مرة تتم عملية اغتيال في منطقة أمنية بالكامل تابعة لدمشق، وللميليشيات الإيرانية، ما يعطي مؤشرا على أن القتل خلال المرحلة القادمة سيكون صريحا وعلى المكشوف.

ففي الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة العمل على المشروع الإيراني في الفترة الأخيرة، كان لا بد من تصفية أي شخص يقف أو من المحتمل أن يقف في وجهه، وبأسرع وقت ممكن، ولم تكن عملية اغتيال الزعبي، والقيادي السابق الشيخ فادي العاسمي، قبل نحو أسبوع إلا ضمن هذا السياق، ومن المتوقع بحسب معلومات حصل عليها “الحل نت”، أن تتصاعد عمليات الاغتيال لتطال قياديين حتى داخل منازلهم.

تقرير سابق لـ”الحل نت”، نقل عن صحيفة “القبس” الكويتية، أن مصادر مطلعة داخل إيران، صرحت بأن طهران أرسلت أخيرا وحدات جديدة من “فيلق القدس”، التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني إلى الحدود السورية – الأردنية، وهي بصدد إنشاء قاعدة كبيرة بدلا من النقاط الصغيرة التي تستخدم من قبل ميليشياتها في المنطقة.

وأضافت المصادر، أن “الحرس الثوري” أرسل أيضا ثلاث وحدات جديدة من لواء “فاطميون” بزعامة القيادي في الميليشيات الأفغانية حكمت الله هراتي، حيث وصلت مؤخرا من طهران، إلى دمشق ثم إلى مدينة درعا جنوبي سوريا، وقد أُرسلت تحديدا للاستقرار والانتشار على الحدود السورية – الأردنية بعد أن تم تدريبها، في معسكرات تابعة لـ”الحرس الثوري” جنوب شرق طهران، على استخدام صواريخ قصيرة المدى، والطائرات المسيّرة، وهي مجهزة عسكريا أكثر من الميليشيات الإيرانية، المتمركزة في دمشق.

وأشارت المصادر الإيرانية، إلى أن “الحرس الثوري” أنشأ قيادة جديدة لإدارة المنطقة السورية الجنوبية، وتولت هذه القيادة مهامها الأسبوع الماضي بعد أن استكملت الوحدات الأفغانية انتشارها على طول النقاط الحدودية مع الأردن.

وأوضحت المصادر الإيرانية، أن “الحرس الثوري” أطلق اسم “مالك الأشتر” على القاعدة الجديدة التي بدأ استكمال بنائها وإنشائها في ريف درعا، مبينة أن عدد عناصر ميليشيات “فاطميون”، الذين نقلوا إلى الحدود السورية – الأردنية يبلغ نحو 350 عنصرا إضافة إلى ضباط وكوادر للحرس الثوري. وتريد إيران الاستقرار لفترة طويلة هناك، وأكدت المصادر أن عائلات عناصر لواء “فاطميون”، التحقت بهم بعد وصولهم إلى درعا.

ونقلت الصحيفة عن المصادر الإيرانية، أن طهران تخطط للاستثمار في المنطقة الجنوبية من سوريا، وإنشاء قاعدة “مالك الأشتر”، في درعا هو في جزء حماية الشركات الإيرانية من هجمات قد تشنها فصائل المعارضة السورية، إضافة إلى إنشاء نقطة مركزية ثابتة في الجنوب لإحكام السيطرة على مثلث درعا ـ القنيطرة ـ دمشق.

سلاح الاغتيالات في درعا

تصاعد عمليات الاغتيال “الممنهجة” ضد المناهضين للتمدد الإيراني في محافظة درعا جنوبي سوريا، اعتبره تقرير لموقع “تجمع أحرار حوران” المحلي، أنه كان متوقعاً مع تسارع التمدد الهادف إلى السيطرة على المحافظة.

وقال الموقع في تقرير اطلع عليه “الحل نت”، إن عمليتي الاغتيال الأخيرتين، للشيخ فادي العاسمي، والقيادي السابق في فصائل المعارضة خلدون الزعبي، تثبتان أن إيران ترغب بتصفية من تعتقد أنه سيقف في وجه تمددها.

ورجح التقرير، احتمالية استمرار عمليات الاغتيال، وتحول بعضها من عمليات ينفذها مجهولون إلى عمليات ينفذها معلومون، بشكل يوحي أن “اللعب بات على المكشوف”.

ولفت التقرير، إلى أن إيران تعمل وفق مبدأ “القضم البطيء”، من خلال اغتيال الشخصيات التي ترى أنها لن تنحني لطلباتها، وفي الوقت نفسه تعمل على تفريق الكلمة الواحدة، وتضغط من خلال ذراعها في الأمن العسكري على حل أبرز اللجان المركزية، وهي لجنة درعا البلد.

الجدير ذكره، أن درعا لم تبتعد عن واجهة الأحداث في سوريا، على الرغم من محاولات إيران، وحكومة دمشق إيصال صورة للعالم أنها باتت منطقة مستقرة، فإيران تعمل منذ بدء سحب روسيا لجزء من قواتها من المحافظة على تعبئة هذا الفراغ من خلال إرسال عناصر لها، وعلى الرغم من التحذيرات من خطر وجودها على الحدود السورية الأردنية، إلا أنها ماضية في مشروع تحويل الجنوب السوري إلى جنوب لبناني، وهذه المرة من خلال إنشاء قاعدة عسكرية كبيرة في المحافظة.

الحل نت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.