إيران أكثر ارتياحا للتقارب مع الرياض.. ما تداعيات التقارب السعودي – السوري على مسار أنقرة؟

مقابل تسارع خطوات مسار التقارب بين المملكة العربية السعودية ودمشق، يسجل مسار التقارب مع أنقرة تعثرا واضحا، رغم أن أنقرة كانت سباقة في إبداء رغبتها بتطبيع العلاقات مع دمشق.

يبدو أن دمشق منفتحة على التطبيع مع الرياض، أكثر من أنقرة، ويبدو ذلك طبيعيا بالنظر إلى الملفات الخلافية “الشائكة” بين الجانبين، وتحديدا الخلاف على مسألة الوجود العسكري التركي في الشمال السوري، ومآل المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة المدعومة من تركيا.

من وجهة نظر بعض المحللين، فإن التقارب بين السعودية ودمشق جعل الأخيرة تبدو أكثر قوة بمواجهة تركيا على طاولة التفاوض، وهو ما يتفق معه الخبير بالشأن الروسي بسام البني، الذي يشير إلى الوزن الإقليمي للمملكة العربية السعودية. ففي حديثه لـ”الحل نت” يؤكد البني، أن “الانفتاح السعودي يُعطي دمشق ثقة أكبر بالنفس عندما يتم طرح موضوع التطبيع بين دمشق وأنقرة.

تعثر مسار تطبيع أنقرة ودمشق

الأربعاء الفائت، زار وزير الخارجية في حكومة دمشق فيصل المقداد السعودية للمرة الأولى منذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، لكن على المقلب الآخر، لا زالت الخلافات تؤجل عقد لقاء على مستوى وزراء خارجية تركيا وسوريا.

عن الخلافات التي تحول دون انعقاد الاجتماع، قال وزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو، إن بلاده لن تقبل بانسحاب القوات التركية من سوريا أو أي شروط مسبقة للحوار، وأضاف أن “الاتصالات مع دمشق ممكنة في المستقبل، لكن ما زال هناك الكثير من العمل، ولن نقبل بأي شروط مسبقة، ولن نقبل شرط انسحاب قواتنا من سوريا للمفاوضات لأنه يعني عودة التهديدات ضد تركيا”.

بما يخص التطبيع العربي مع دمشق، اعتبر الوزير التركي في تصريحات نقلها موقع “خبر ترك” أن انخراط أنقرة بمحادثات مع دمشق أدى إلى تسريع تقارب بعض الدول من دمشق، معتبرا أنه من الجيد أن تأتي المشاركة بنتائج، لأنها رغبة تركيا أيضا، وأضاف “نحن بحاجة إلى العمل معا على خريطة طريق في سوريا، مع دول أخرى خليجية وعربية ومصر والاتحاد الأوروبي”.

من الواضح، أن دمشق لا زالت متمسكة بشروطها التي تتعلق بجدولة الانسحاب التركي من سوريا، وهو الشرط الذي ترفضه أنقرة، وتطالب لتحقيقه التقدم في المسار السياسي.

أصابع إيرانية

الكاتب والمحلل السياسي باسل المعراوي يشير في حديثه لـ”الحل نت”، إلى أصابع إيرانية وراء كل ما يجري، موضحا أن التقارب بين دمشق والرياض جاء نتيجة الاتفاق السعودي الإيراني، خلافا لمسار التقارب الموازي السوري – التركي الذي ترعاه روسيا.

بالفعل، أشار “تلفزيون سوريا” المعارض نقلا عن مصادر مطلعة إلى دور سلبي لإيران، يسهم في عرقلة حصول توافق بين أنقرة ودمشق، مبينا أن طهران تدفع بدمشق للتشدد في مطلب انسحاب القوات التركية، بالمقابل لا تتبنى روسيا هذا المطلب.

مصادر التلفزيون أكدت أن إيران غير مرتاحة لفكرة تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا، في ظل الانتشار العسكري الرسمي التركي الكثيف على الأراضي السورية، لأن أنقرة تحاول الحفاظ على نفوذها على المعارضة السورية، بالإضافة إلى تعزيز قنوات الاتصال مع دمشق، وهذا في نهاية المطاف سيؤدي إلى خلل بالتوازن، خاصة أن طهران تلمس تساهل روسيا في قضية الانتشار العسكري التركي في سوريا، بحكم المصالح المشتركة بين الجانبين وحسابات روسيا الخاصة.

ارتياح إيراني لمسار التقارب بين دمشق والرياض

كان متوقعا منذ توقيع اتفاق التطبيع السعودي- الإيراني برعاية صينية في آذار/مارس الماضي، أن الملف السوري سيكون أحد أبرز المتأثرين، إذ بدا أن كل ما جرى بعد ذلك من خطوات على صعيد التقارب السعودي – السوري كان نتيجة ذلك الاتفاق.

المحلل السياسي فواز المفلح يرى في حديثه لـ”الحل نت”، أن هناك ارتياحا إيرانيا لمسار التطبيع السعودي مع دمشق، مقابل قلق واضح من مسار التطبيع مع أنقرة، ويقول: “لا بد أن هذا الارتياح الإيراني قد أعطى زخما لمسار التقارب بين الرياض ودمشق، بخلاف المسار المقابل”.

بذلك يجزم المفلح بوجود تأثيرات متبادلة على المسارين، علما أن المسارين يكملان بعضهما الآخر، لأنهما في النهاية سيقودان إلى صفقة إقليمية وريما دولية في الملف السوري، عنوانها تغول إيران في سوريا على حساب انكفاء الدور العربي وحتى التركي.

من وجهة نظر تركيا المقصود بالتطبيع هي “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، كما يرى المحلل متسائلا: “هل النظام قادر على محاربة قسد وهي تحت المظلة الأميركية؟”، ويعقب بقوله: “بالتأكيد لا”.

أما السعودية فمصالحها ليست مع دمشق، وإنما مع إيران والتفاهمات السعودية – الإيرانية خرجت بأوراق أهمها إعادة العلاقات السعودية مع دمشق وتعويمها عربيا، مقابل حلحلة ملف اليمن من جانب إيران، كما يرى بشير.

دمشق تتشجع في مسار أنقرة

مع ذلك، يرى بشير أن التطبيع السعودي يشجع تركيا على الاستمرار باللقاءات مع دمشق للوصول لتفاهمات تؤدي لعودة العلاقات.

صحيفة “حرييت” التركية قالت إن تركيا تحافظ على اتصالاتها مع الدول العربية من أجل ضمان التنسيق في عملية التطبيع مع حكومة دمشق، ونقلت الصحيفة عن مصادر دبلوماسية أن تركيا أجرت محادثات مع السعودية وقطر بالتزامن مع وصول وزير خارجية سوريا فيصل المقداد إلى مدينة جدة.

“تركيا تحافظ على الاتصالات مع الدول العربية بهدف التنسيق مع من يعمل منها على تطبيع العلاقات مع سوريا، وتجري مفاوضات في هذا الاتجاه مع السعودية وقطر”، على حد تأكيد الصحيفة التي أشارت إلى أن “السياسة الأميركية في المنطقة قد تكون أحد العوامل المعرقلة لعملية التطبيع بين دمشق وأنقرة، حيث تواصل الولايات المتحدة تعاونها على الأرض مع حزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا، وتنظر إلى التطبيع بأنه العامل الأقوى الذي سيعطل خطط واشنطن”.

المعارضة السورية في موقف لا تُحسد عليه؟

بعيدا عن تداخل مسارات التطبيع مع دمشق، تتعاظم مخاوف المعارضة السورية، بعد زيادة الانفتاح على دمشق، وتحديدا من السعودية بوزنها وثقلها الإقليمي.

لم يبق أمام المعارضة إلا التذكير بضرورة إيجاد حل سياسي، وهو ما عبر عنه بيان صادر عن الائتلاف الوطني الخميس، أكد فيه أن “النظام السوري لم ينخرط جديا في أي عملية سياسية متعلقة بالملف السوري، وإنما عمد إلى المماطلة والعرقلة في كل خطوة باتجاه تنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بسوريا، وعلى رأسها القرار 2254، بهدف الوصول إلى لحظة الشرعنة وإعادة التعويم”، والتقارب مع دمشق ليس خياراً للحل في سوريا.

الحال أن انخراط أي طرف في مسار التطبيع مع حكومة دمشق، يعني حكما زيادة خسائر المعارضة السورية، وخاصة بعد انضمام السعودية صاحبة المواقف الداعمة سابقا للمعارضة، وتركيا بطبيعة الحال.

الحل نت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.