عن العامل الذاتي للثورة: الشباب و المثقفون

كسرت الثورة السورية، المقولة اللينينية الذائعة الصيت، «لاحركة ثورية من دون نظرية ثورية»، لأن تحرك الشعب أتى عفوياً، من الهوامش والأطراف المفقرة، ومن خارج الاطر الحزبية والأيديولوجية، ولكن بالمقابل برز فاعلون جدد هم الشباب الذين تحلوا بقدر كبير من الحيوية الذهنية والعقلية وكانوا بمثابة المحرك الديناميكي للثورة، على الرغم من انهم لم يطلعوا على المؤلفات النظرية الكاملة، ولا تشربوا الفكر النقدي، والتراث المعرفي الإنساني، مستفيدين من الثورة التكنولوجية ووسائل التواصل الاجتماعي لخدمة العمل الثوري. اليوم يعود الفضل بتأسيس أول نواة تنظيمية، هي «التنسيقيات» ليبرز حينها ما سمي «بالناشط» الذي تحول الى صحافي ومراسل وكان لوسائل التواصل الحديثة دور في ابراز الفردية وتمايزها ومن خلال ذلك استطاع الشباب التمرد على الإطار التقليدي البائس للتجمع الحزبي.

مع ذلك، لم يرتق هذا التنظيم المتواضع الى المستوى المطلوب ولم يصمد امام قمع النظام. وبقيت العفوية هي السمة الغالبة للحراك مع ان الشعب انتفض ليعبر عن ذاته المستقلة و كفاعل في التاريخ لأول مرة.

استطاع النظام وبعض اطياف من المعارضة استغلال هذه العفوية، وتحديداً بعد انتقال الثورة من طورها السلمي الى العسكري مستغلين حاجة الشباب للسلاح عندها تحولت الشعارات من مضامين جامعة الى طائفية، ناهيك عن عزوف المثقفين عن العمل المباشر، ونشر البعض لأفكار استشراقية ثقافوية وجدت هوى لها، وتربة خصبة في المجتمعات الأهلية الطرفية ما سهل عميلة الإنزلاق والإنحرافات.

وعند دخول الثورة عامها الرابع، ومع تعميم حالة الفوضى والعسكرة، وهيمنة قوى الثورة المضادة على اجزاء كبيرة من الأرض السورية، يطالعنا السؤال التاريخي» ما العمل حتى نستعيد روحية الثورة ونعيد للعامل الذاتي تماسكه ووحدته.

باعتقادنا، لا يوجد امل في المدى المنظور الا بالشباب والمثقفين. وفي ظل هذه الأوضاع الصعبة، تبرز الثقافة كقيمة عليا وحصن أخير يتم الالتجاء اليه والاحتماء به.

ويبقى التفكير قائماً ومستمراً عن ضرورة تشكيل ما يسمى بـ»الكتلة التاريخية» الناهضة، يكون قوامها المثقفون والشباب، ولكن يتوجب على المثقفين الديموقراطيين ان يؤمنوا بهذا الدور التاريخي سيما وان الاستقالة لا تعني الا خيانة للثورة ولقيمها وعقلها. تقع على المثقفين مهمة فرض ونشر ثقافة بديلة ونقيضة للسائدة ولا يمكن ان تتحول الى وقائع يومية واخلاقية وحركية وسياسية من دون ادخال عنصر التنظيم. دونه تبقى الثقافة فضاء عائماً وضبابياً ومعلقاً بحبال الاوهام. ولا يمكن انجاز هذه المهمة من دون العمل على شروط تحققها واقعياً عندها ينصهر الاجتماعي بالسياسي بالاخلاقي، ويتم اطلاق المبادرة من جديد، وتتحول الافكار الى قوة حقيقية وتحقق منطقها الثوري. اذاً، لا بد من معاندة الواقع، والتحرك ضمن الظروف المتاحة.

ولا ينفع امام هذا الطرح، الا تعاط جديد مع المرحلة ووقائعها والاستفادة من طاقات الشباب وجذبهم وفق برامج عمل واضحة بعيدا عن الادلجة الجامدة.

سابقا، ميزت الماركسية بين الطبقة في ذاتها، والطبقة لذاتها، مع التحفظ الكامل على مفهوم الطبقة ضمن سياقنا. ويقوم التمايز بين الاثنتين على ادخال عنصر الوعي الذي يتأتى من المثقفين بالدرجة الاولى في ظل غياب كامل للاحزاب.

ان المثقف الديموقراطي هو المثقف الذي يعمل على نشر الوعي ويعمل على انتاج مشروع مجتمعي ويطرح البدائل ولا يكتفي بذلك، وانما يعمل على تبيئتها، وبثها في المجتمع حيث يتواجد، سيما وان الجديد المتجدد لا يأتي من الجمهور كما قال غرامشي وانما من المثقف، الذي تتحول لديه الرؤى المضمرة في النشاط الانساني الى وعي متسق ومنهجي.

ما احوجنا اليوم الى انطلاقة جديدة، يكون الشباب حاضنتها ورافعها الاساس. شباب لم تعد تنفع معهم طريقة الوعظ والدروس الثورية، على طريقة المرشد العام وانما علاقة تقوم على الحوار والاقتناع وليس الفرض والقوة.

ننهي مع ما قالته الفيلسوفة حنة ارندت، في كتابها «في الثورة» بأن دور المثقف لا يكمن باحداث ثورة، ولكن يكمن بتأثيره على المسار الذي سوف تتخذه الثورة. ومهمته هي ضمان استمرار الثورة.

المستقبل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.