يثب

د.كمال اللبواني : أمراض المعارضة السورية

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

قبيل انعقاد الجلسة الانتخابية لتجديد رئاسة ائتلاف قوى الثورة والمعارضة ، وبعد فشل جنيف الذي صُمم الائتلاف بسببه ومن أجله ، ومع ازدياد الدعوات لتشكيل جسد أو أجساد  منافسة .. نقف أمام سؤال ما هو البديل عن هذه الحالة من الفوضى والتشرذم والفشل و اللا فعالية  الراسخة في المعارضة ، والتي تسبب الاحباط ، عند شعب تستمر معاناته وتزداد عمقا واتساعا، خاصة بعد تجديد بشار لنفسه في السلطة، غير آبه بكل الدعوات الدولية الساعية لانضاج حل سياسي للصراع الدائر في سوريا (حسب ما يصفونه) …

هنا لا بد لنا من تحليل أمراض هذه المعارضة  لبيان الممكن أمامها والمتأمل منها ، ولوضع خطة منطقية تتناسب مع الوضع القائم ..

الجميع يشير لوجود  ظواهر مرضية بالغة الضرر في جسد المعارضة السورية : ( النخبة السياسية التي تنطحت لقيادة العمل المعارض بشكل خاص بعد انطلاق الثورة العارمة ضد النظام )، والجميع يقر أن هذه الأمراض تشكل العامل الذاتي الأهم في عدم تحقيق الثورة لأهدافها حتى الآن، مع التذكير بأن العوامل الأخرى الموضوعية على أهميتها ، لا يجب أن تحتسب كعوامل حاسمة في الثورات، فمفهوم الثورة يعني التغيير الذاتي من نظام لنظام آخر ، والذي يمر عبر انتقال الولاء من النظام القديم الذي يتحول إلى بائد،  الى نظام جديد مختلف ، عبر آلية التفكيك والتركيب والهدم و اعادة البناء لمؤسسات الدولة وبنى المجتمع وبقواه الذاتية ، والسبب في اعتماد خيار التغيير الثوري  هو انسداد و تعثر خيار التداول السلمي السلس التوافقي ، وتفاقم الأزمات والتناقضات وتعطل حلها وتصريفها مما يدفع الناس للتمرد والعصيان السلمي ، ثم العسكري في حال اركبت المجازر بحقها .

فلو حدث وسقط النظام بعمل عسكري خارجي لوحده فهذا لن يعني انتصار الثورة ، بل انتصار الفراغ ، الذي  سيؤدي لنشوء أمارات حرب ، أو لوصول جماعات أخرى للسلطة لا  تحظى بالقوة الذاتية و لا الشرعية الوطنية اللازمة لتشكيل سلطة وطنية فعلية، بل غالبا ستكون البلاد تحت وصاية من نوع ما، تخدم أغراض القوة التي أحدثت التغيير الغير ثوري ( الخارجي ) .. ولننتبه هنا لكلمة وصاية لأننا سنعود إليها في النتيجة  فالفكرة أن كل ثورة تحتاج لمساعدة خارجية ، هي ثورة ناقصة ، وعندما يستعين النظام بالقوى الخارجية ، والثورة تضطر لأن تفعل مثله لتحقيق التوازن ، يفقد كلا النظام والثورة القدرة على التحكم ، ويفقد الوطن استقلاله ويتحول الصراع لصراع خارجي بأيدي وطنية ، وفي النتيجة الخسارة محققة لكلا الطرفين .

سوف نعدد هنا الأمراض التي تحيط بالمعارضة عامة، بغض النظر عن الصفات الفردية والتنوع الأيديولوجي والتنظيمي لشخوصها ورموزها :

أولا الوكالة للخارج : فالذي حدث بداية هو الاسراع في تشكيل جسد سياسي يمكن اعتماده كوكيل للقوى الخارجية المنتظر منها أن تسقط النظام ، واستمرت هذه الصفة تطغى على المعارضة حتى الآن ، فهم وكلاء بدرجة أو أخرى لهذه القوة الخارجية أو تلك، لهذه الدولة أو تلك، وهم لو حافظوا على بعض التواصل مع الشعب السوري عبر النت ، فهو لا يتجاوز كونه تواصل بين مختلفين جدا في الظروف والشروط والأولويات . فالمرض الأول الأساس لهذه المعارضة هي وكالتها للآخرين ونقص وطنيتها ، ومن ثم ارتهانها لهم ، وبالتالي انفصالها عن الوطن وقضايا الناس .

ثانيا التشرذم : يتبع وكالة المعارضة للآخر والخارج مرض ثاني  هو تنازعها وانقسامها ، تبعا لتباين وانقسام هذه الدول ، وأهمه على الاطلاق التباين القطري السعودي . الذي فعل فعله ولد تشرذم وصراع مدمر داخل المعارضة السياسية والعسكرية  وهو مستمر حتى الآن فوق وتحت الطاولة وليس فقط في سوريا .

ثالثها الضعف : فهي قيادات موجودة ليس بزخم وتكاتف شعبي دفعها للقيادة ، بل بالتمويل الذي يأتيها من سادتها ومشغليها في الخارج ، وعلى قدره فقط ، مع أنه محدود وغير كافي .

رابعها الفشل الإداري : بسبب انعدام المؤسسات وعدم الشفافية ، فالمؤسسة تستطيع أن تقيد مفهوم الوكالة والعمالة ، وتقيد شخصية الفرد وامكانية التأثير عليه ، لصالح تطبيق النظام العام و تحقيق الهدف العام للمؤسسة ، وهذا ما حالت دونه ذات الدول الصديقة والداعمة، التي أهملت ضرورة قيام أي مؤسسات حقيقية وطنية للمعارضة السورية ، كذلك طبيعة المجتمعات العربية بحد ذاتها التي تحمل الثقافة الفردانية بامتياز .

خامسها عدم الخبرة : فمعظم هؤلاء الوكلاء لا تاريخ لهم ، ولا علاقة تربطهم بالشأن السياسي والهم العام ، ولا علاقة لهم بسوريا ولا بالثورة ، فهم متطفلون خارجيون وانتهازيون…. ولا يوجد من ينافسهم من الأصلاء لأنه  لم توجد أصلا حياة سياسية في سوريا،  ولا توجد أحزاب  بسبب القمع المنهجي والمنظم طيلة خمسة عقود ، وكل من اهتم بالشأن العام لم يتجاوز مرحلة التعبير عن الرأي الذي قد يدخل بنتيجته للسجون ، فالسياسة كإدارة للشأن العام ، غير معروفة لدى المعارضة السورية كلها ، ومع ذلك أوكلت الى غير أهلها قيادة حالة ثورة جموحة  ومسلحة ، باتفاق  وتوافق أجهزة مخابرات خارجية ل 11 عشر دولة معروفة بمجموعة لندن … مما أدى  في النتيجة لتحول الثورة لحالة من الفوضى .

سادسا فقدان الشرعية :  لم يشعر الشعب السوري أن هذه المعارضة خرجت من صفوفه، بل غالبا هو لا يعرفها ، وعندما فوضها رمزا برفع بعض اللافتات تحت الحاح المجتمع الدولي وتشجيع الممولين ، كان ينتظر من الدول التي عينتها أن تدير اللعبة وتوجهها، فهو قد فوض الدول الصديقة بإسقاط النظام ، ولم يفوض أشخاص لا يعرفهم ولا يحاسبهم بقيادته ..

سابعا الفساد وغياب المحاسبة : عدم الشرعية هذا يولد مرضا قاتلا وهو عدم المحاسبة ، وبالتالي لا ينتظر أي من المعارضين أي مساءلة أو محاسبة من قبل ناخبيه ، لأنه غير منتخب ، فهو غير مسؤول أمام أحد … حتى  الدول التي وكلته لا تستطيع محاسبته ( لأن هذه هي مهمة الشعب السوري نظريا ) ولا يستطيع الشعب محاسبته لأنه بعيد عن التأثير عليه وليس هو من يختاره ويبدله . وبسبب شيوع ثقافة الفساد والافساد طيلة خمسين عاما ، كانت النتيجة أن تحول الشأن الاداري والمالي والخدمي لمرتع للصوص والنصابين والمحتالين من كل نوع .

كل ما سبق من عوامل موضوعية مرضية عامة ساهمت في تضخم أمراض المعارضة وتفاقمها بسرعة،  مما انتهى بالمعارضة إلى صورة قبيحة  بفسادها وانحطاطها  تحاكي فساد النظام ، لكن النظام ما يزال يتفوق عليها في مستوى ارتكاب الجرائم  والعنف الهمجي الاجرامي الذي لن  يسبقه إليه أحد ..

ننتقل من الشروط المرضية العامة التي تتعلق بظروف المعارضة بغض النظر عن نوعية شخصياتها، للأمراض  الشخصية الشائعة التي لعبت دورها أيضا في تدني سوية وأداء المعارضة السورية، التي أصبحت أمراضها هي العقبة الأساس في وجه انتصار الثورة ، الثورة التي تتعثر اليوم بسبب حاجتها الماسة للتنظيم الناجح والادارة  الفعالة بشكل خطير وحاسم .

البداية من مرض تضخم الأنا والشخصنة  وعدم الاصغاء الذي يلازم كل معارض ويميزه عمن سواه … فهو الوطن والثورة والمعرفة وكل ما يقوله  صحيح، وكل ما هو غيره أو لا يمتدحه عاطل وباطل ومسخرة ومهزلة .. حدث هذا  المرض بسبب استجلاب المثقفين لساحة السياسة ، فالسياسة في بلاد الاستبداد ممنوعة،  لذلك يتنطح لها المثقف ، والمثقف  كما هو شيخ المسجد عادة ينال ثواب عمله وابداعه بالثناء والشكر والمديح والتصفيق والتكريم ويطرب له ، لكنه لا يمارس سلطة على الناس بل يمتعهم ويخدمهم مقابل ذلك المديح المؤقت المعنوي، بينما عندما يعمل بهذه العقلية في السياسة ، فإنه يحتاج لمشاهدين سلبيين منفعلين متلقين ،  وعندما يمسك بالشأن السياسي يحولهم لمتعبدين يبجلونه ويمتدحونه بشكل دائم كي يشعر بالرضى، مع أنه لا يقدم عادة بوجوده في السلطة والسياسة إلا شيئا أقل من عادي لأنه بعيد كل البعد عن الالتزام وعن العمل الجماعي … هنا يحدث الخلط بين مفهوم الزعيم والنبي والمقدس والامام وصاحب الزمان الملهم المقدام  الذي يستحق المديح كأي مثقف يملك سلطة مادية ، وبين مفهوم الناشط  السياسي أو المفوض الملتزم ببرنامج وهدف يفوض به ويحاسب على تنفيذه .. فكل شخص مصاب بهوس الزعامة والعبقرية والتسلط ، وكل مثقف فاشل ، وكل مريض نفسي يذهب للعمل في المعارضة السورية ، لأنه لم ينل حصته وحقه في الشهرة ، ولم يمارس تفوقه وتميزه ، (بسبب احتلال الآخرين الغير جيدين للواجهات والكراسي التي يرى أنها مكانه الطبيعي من دون الحاجة لتفويض )، وهكذا أصبحت المعارضة خزانا  للمثقفين والمعتوهين والمنفصمين والواهمين النبوة والعبقرية ، الذين لا ينتقدون السلطة الا لأنهم ليسوا فيها ..

ثانيا مرض حب الزعامة المستشري بين غالبية السوريين، الذين يهتمون كثيرا بتحقيق رغبة الظهور والسلطان والشهرة، وهو تعويض عن الفقر والنقص والشعور بالمهانة والوضاعة، وهذا طبيعي في شعب لم يكن حرا ولا سيدا عبر التاريخ ، فهو عرضة للتمزق والخلافات ومحتل ومهيمن عليه من جواره الأقوياء على الدوام ، ومفروض عليه الخوة والجزية ومال الأمير  ، لكن عندما تتحول هذه الرغبة لهاجس مرضي، وتصبح نوعا من الهوس..  نكون أمام معارض سياسي شم رائحة السلطة ، بعد أن فتحت الثورة باب تداولها ، وليس احتكارها وتوريثها في عائلة الأسد الخالد إلى الأبد .. و لأن السلطة عندنا عبر التاريخ هي سلطة مزاجية مطلقة غير مقيدة وغير مراقبة ،  وهي وسيلة الحصول على الثروة وكل المتع ( الاستبداد الشرقي ) ، ولكثرة الفقر والعقد والكبت تنطلق هذه الرغبة بقوة وتظهر كعقدة مستفحلة على شكل هذيان وهوس، يبلغ درجة الجنون خاصة عند من قفز فجأة من موقع النقص والوضاعة ، إلى المراتب العليا من دون تعب ولا عناء ولا مؤهلات ولا خبرة…   وما يشجع على ذلك أن أغلب الزعامات التي ظهرت على السطح ، كانت قد وصلت مناصبها من دون تعب ولا مؤهلات، بل إن بعضها يجسد حالة هزلية تصلح للتندر ، فيقارن المعارض نفسه بهم ، فيستنتج تفوقه ، ويرى في ذاته عظمة كبيرة بالمقارنة بهم ..  مما يبرر اندفاعه لما هو في الحقيقة كبير جدا عليه وعلى غيره ممن سبقه.

لكثرة طالبي  الزعامة والسلطة (بحق ومؤهلات ، و غالبا من دونها ) يحتدم التنافس غير الشريف بينهم وعليها ، ولعدم وجود آليات انتاجها الديمقراطية الملزمة، وبسبب حصول الغالبية عليها بالجريمة والتدليس والخيانة والانقلاب والغدر ، بل هو طريقها الوحيد المتاح ، لذلك ينقلب المعارضين على بعضهم تحطيما وتشويها .. وهو المرض الثالث أي التفتت والتناحر .

ولأن السلطة فردية و مشخصنة في السلطة المطلقة ، فالزعيم والقائد هو القانون وارادته هي النظام والحق . لذلك يصبح أي انتقاد للشأن العام هو شتم للشخص وخلاف جدي معه .. فالمؤسسة تحدد عمل الأشخاص وتمنعهم من الخطأ وتحصنهم ، وهي تستطيع استبدالهم ، لتصبح هي المسؤولة وليس الشخص ،وانتقادها كمؤسسة لا يضر أحدا بل يطور العمل . تصبح غياب المؤسساتية هي المرض الرابع  الذي لا أمل في علاجه .

وبسبب تحويل المنصب لملكية خاصة ، تتحول السلطة لمزرعة ، وتصبح خاصة بالأسرة والعائلة والعشيرة والعصبة . وتغيب عن ساحة مسؤوليتها العامة ، وتصبح طرفا وعصابة  بين العصابات وليس قمة هرم اجتماعي سياسي أخلاقي .

ولغياب الحياة السياسية والتنظيمات ، يصبح التطفل هو المرض السادس  حيث يتنطح للشأن السياسي من ليس له أي خبرة أو معرفة ، وتختلط السياسة بالثقافة بالدين بالزعامة العشائرية بالعسكرة ، و يتنطح للشأن السياسي من ليس أهلا له ، و من يتوهم أنه زعيم قومه وفريد زمانه، ليمارس على شعبه ما يمارسه كل متسلط فاسد جبار .

ولغياب آليات انتاج القيادة وغياب الوسائل الديمقراطية التسلسلية ، تصاب المعارضة بمرض الانتهازية والقفز والاعتماد على القوى الخارجية ، فهو الطريق المختصر المتاح نحو السلطة ، ولا حاجة للتعب والجهد ، بل فقط تعلم فنون الانتهاز وتمسيح الجوخ ، على حساب المبادئ والقيم .

ولغياب وسائل المراقبة والمحاسبة تصاب بالفساد  الذي هو والاستبداد صنوان (ما إن حضر الأول حتى استتبع الثاني كما قال الكواكبي )  وبسبب التمويل الفوضوي غير المراقب وعدم وجود صناديق مراقبة وموازنات ونماذج  صرف قانونية، تعصف بها الاختلاس و تدب بينها التنازعات والانقسامات ، وينتشر فيها بيع الولاءات فتنحرف عن خطها ويشترى قرارها .

ولبعدها عن جمهورها ، تبتعد عن المعنيين بسلوكها وبتقييمه ، تصاب بالانفصال عن الواقع وتنغلق على مشاكلها الخاصة وضمن دائرتها الضيقة ويقتصر اهتمامها على شأن بقائها فقط ،

وقد يسأل سائل ما هو علاج هذه الأمراض ؟

هي ظواهر مرضية يجب تجنبها في أي نظام سياسي ينظم الحياة العامة ، والنظام الديمقراطي المؤسسي بآليات انتاج التمثيل والسلطة وآليات تشغيلها ومراقبتها وتداولها ، هو الذي يقلل جدا من هذه الظواهر ويلجمها .. ولا داعي للتفكير كثيرا فقد سبقتنا شعوب وجربت ويمكننا الافادة من تجاربها .. أما التهرب من هذا بحجة الخصوصية ، والدين ، فهو غير مفيد لأن كل أشكال الحكم القديمة لم تعد صالحة لإدارة الدولة بحجمها ووظيفتها ومؤسساتها الجديدة التي صارت شريكا في حياة وسلوك كل فرد .

هل يمكن معالجة هذه الأمراض القاتلة ؟     الجواب لا

هل يمكن بناء معارضة جديدة سليمة  بآليات سليمة ؟       الجواب لا

ماذا يمكن فعله ؟  

الخروج خارج فكرة تمثيل الشعب السوري والشرعية والاعتراف الدولي، فكل ذلك لا قيمة له من دون اسقاط النظام ولم يخدم في اسقاطه ديبلوماسيا كما كان متوهم .. والتمثيل يحتاج لحياة سياسية ديمقراطية مستقرة تنتج وحدها الجسد التمثيلي الشرعي الحقيقي الوحيد المفوض .

بدلا عنه تشكيل جسد سياسي عسكري بأهداف واضحة ، وبمساعدة رافعة دولية تعمل على اسقاط النظام لصالح معارضة سياسية واضحة الأيديولوجيا والبرامج ،

الاستثمار في التنظيم والادارة ، ضمن خطة لانضاج البديل المؤسسي عن هذا النظام من خلال القوى التي تعمل على اسقاطه ، العسكرية والأمنية والقضائية والخدمية والسياسية .

مهمة هذه الهيئة  السياسية العسكرية المتحالفة مع الدول الصديقة  هي تنظيم الفوضى في قوى الثورة واسقاط النظام  وفرض التحكم والسيطرة على كل الأرض ، وادارة المرحلة الانتقالية التي يجب أن تنتهي بالنظام الديمقراطي الشرعي بما يرتضيه الشعب وبضمانات واشراف دولي  على العملية الانتقالية .

من الناحية الديبلوماسية هذا يعني الإقرار بأن سوريا دولة فاشلة بما فيها المعارضة (الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري ) ثم وضع سوريا تحت الاشراف ( الوصاية ) بدءا من المعارضة  التي تقبل بذلك ، مقابل دعمها لتنظيم مؤسساتها وفرض سلطتها على كل البلاد والقوى ، واستعادة السلم والنظام ، والتحضير للعودة للحياة السياسية العادية .

أي هو التدخل الأممي الفاعل والمسؤول،  وعدم تقاذف المسؤولية والتهرب منها ، أو رميها على من فشل في حملها : أقصد الهياكل المصطنعة التي اعتمدت ممثلة عن الشعب  وقائدة للثورة … فدخلت الثورة بسبب ذلك مرحلة من التفكك والشرذمة يصعب العودة عنها ذاتيا ، أي من دون مساعدة فاعلة ادارية وتنظيمية ولوجستية .

في النتيجة سوريا دولة فاشلة عاجزة عن حسم أمورها داخليا بسبب التداخلات الخارجية ، تلك التي عليها أن تحسم هي الموقف ، وهذا يتطلب تفاعل وتنسيق كامل بين قوى الثورة والشعب من جهة وبين الدول الداعمة للتغيير من جهة أخرى ، وهي ذات موقع أفضل كثيرا من النظام وحلفاءه ، الذين لم يستطيعوا البقاء حتى الآن إلا بسبب فشل التعاون المجدي بين قوى الطرف الآخر . واستمرار الوضع الحالي يطيل عمر النظام ويساهم في نشوء أمارات حرب ويعمق الفوضى والدمار .. لكنه لن يسمح بانتصار النظام مهاما كان وضع المعرضة صعبا ، لأن قبول الناس بهكذا نظام بعد كل ما فعل مستحيل ، واخماد احتجاجه أيضا مستحيل .. وعاجلا أو آجلا علينا تنظيم هذه الفوضى من دون النظام ، الذي لا يمكن أن يكون شريكا في شيء غير الجريمة . في حين أن تغير أشكال ونوعيات المعارضة هو شيء سهل وفعال ، وهو ما سيحسم المعركة مع النظام ، عندما يصل من ناحية الشكل للوضع المقنع بمساعدته ، ومن ناحية الفعالية للوضع القادر على تنظيم قوى الشعب الهائلة .. في مسعاه نحو التغيير .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.