يثب

أخطاء السياسة السعودية

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الانقلاب العسكري الذي قام به الاخوان مؤخرا في مؤسسات المعارضة السورية وفرض هيمنتهم الكاملة على مؤسساتها العسكرية والسياسية والاغاثية، ليس هو الخطأ الوحيد الذي ارتكبته السياسة السعودية، والذي يهدد بانقطاع الدعم عن المعارضة السورية المعتدلة، أو بتقسيمها و بالتالي تقسيم سوريا (ليس حسب الطوائف فقط : بل حسب الانتماء الحزبي بين شمال سني إخواني مدعوم من تركيا وقطر ، وجنوب سني اعتدالي مدعوم من السعودية والأردن ومصر والامارات واسرائيل … تقطع بينهما فجوة حمص الإيرانية )

فقد سبق للسياسة السعودية أن ارتكبت وما تزال مجموعة أخطاء أساسية أدت في النهاية لسقوط بيروت  ثم صنعاء (إضافة لثلاث عواصم عربية أخرى سبقتها ) بيد ايران التي يبدو أنها تستفيد كثيرا من أخطاء هذه السياسة وتستعد للسيطرة الكاملة على المشرق العربي الآسيوي برمته، مما يستفز الشعور الطائفي فيها لدرجة تحول أهل السنة نحو التطرف وكفرهم بالاعتدال، وخير مثال على ذلك تحول سنة لبنان من الولاء لتيار المستقبل (الحريري) نحو السلفية الجهادية… وكلنا يعلم ما هو المجتمع اللبناني، وكم هو مجتمع منفتح، وكم كان منارة للاعتدال والحداثة.

أهم هذه الأخطاء هو عدم اظهار احترامها للشعوب والمجتمعات، واعتمادها على النظم والقيادات التي لم تستمد شرعيتها بطرق ديمقراطية نزيهة ( ولا داعي لذكرهم خشية الإزعاج ) .. كما أنهم يعتمدون كثيرا على أفراد يسهل قيادتهم والتحكم بهم، عادة بسبب خفة وزنهم الشعبي وضحالة تكوينهم ( ولا داعي لتكرار ذكر أسمائهم ) … وبذلك يكسبون الأشخاص التافهين ويفقدون تعاطف وحماس الجماهير وآلة قيادتها الفعالة، فيضطرون لإغداف المال على أزلامهم للتعويض و لشراء الولاء، مما يحول حركاتهم السياسية لمؤسسات ارتزاق وتسول، لا قيمة سياسية وعسكرية لها عند الضرورة وساعة الجد. كما يعتمدون على الزعامات القبلية بعد أن فقدت قوتها واحترامها ودورها، بسبب البنى السياسية الحديثة التي تمكن كل فرد من الانتماء للمجتمع المدني ، والارتباط المباشر بالدولة دون الحاجة لأي انتماء أهلي آخر سابق عليه، وبعد فساد قيادات هذه القبائل وتلهيها بسفاسف الأمور، و ركضها وراء السلطات وتعاونها معها لمصالح شخصية، وتخليها عن مسؤولياتها الوطنية الحقيقية، وتركيزها على الشكليات والمصالح الخاصة، والتي تحولت كزعامات لمجرد أسماء فارغة وفاسدة لا يمكنها القيام بأي دور فعال عندما يطلب منها ذلك ( صحوات مثلا ) .

ثانيها الخلط بين الدين والسياسة … واعتمادها على رجال الدين الرسميين الذين أدمنوا الولاء للسلاطين ويعيشون على فتات موائدهم، والذين احتكروا الدين والفتوى وطوروا نموذجهم السلفي الأصولي في قراءة وتطبيق الدين …وهو النموذج الذي يشكل ويبني الأرضية المناسبة للغلو الديني والتطرف السياسي، وهم كأئمة يشتمون المصلين في كل خطبة ويتهمونهم بكل أنواع التهم، وهو ما يؤسس للتكفير والخروج عندما تعجز العامة عن ايجاد مصالحة بين دينهم ودنياهم، فيضعون الدين عكس الدنيا وعلى نقيضها، مما يجعل التدين خروجا عن الحياة وبابا للموت والشهادة، والدنيا خروجا عن الدين ومتطلباته، وهذا العجز عن المواءمة بين الدين والدنيا سببه التمسك السلفي والأصولي بالشكل الذي يصبح أهم من المضمون، وعدم تطويره بما يتناسب مع تغير الظروف والتاريخ، وبما يضمن تجدد المضمون في قوالب جديدة قابلة للتطبيق مع تغير الأزمان والحضارات. فنرى أن رجال الدين هؤلاء يحضّرون الشباب ويجهزونهم بكل ما يلزم ليصبحوا على أبواب الانتقال للغلو، ثم يلومونهم إذا تابعوا ما تربوا على أنه التفسير والتطبيق الصحيح، فيتهم هؤلاء الشبان بالمقابل مشايخهم وأساتذتهم بالنفاق لأنهم يقولون ما لا يفعلون، ويأمرون بالبر وينسون أنفسهم.

ثالثها سوء الادارة بل غياب العمل المؤسسي تماما عن الادارة السعودية لأي ملف، وبالتالي تبديد الأموال على أشخاص وكلاء فاسدين يستخدمونها لشراء ولاء التبع والأزلام وإفسادهم، وأيضا فقدان التراكم والخبرات الضرورية لتنفيذ خطط وبرامج بعيدة، بعكس ايران التي تستثمر كثيرا في هذه المؤسسات وتحقق النصر بسهولة، رغم قوة وحجم الطرف الآخر… وهذه الخسارة السهلة المتواصلة على المحور العربي السني هي التي تشجع ايران على الامعان، وتستفز الشبان على التمرد والتطرف والتصدي بعيدا عن الدول التي تمثلهم، والتي يفترض بها أن تستوعب طاقات أبنائها، بل عليها أن تدير الدفة في هذه المرحلة العصيبة، فالمملكة العربية السعودية تتحمل اليوم المسؤولية الأكبر في الحفاظ على الهوية العربية والوجود السني في الشرق العربي، ومن دونها يصعب كثيرا تحقيق ذلك وفشلها سيعطي الشرعية لكل المتطرفين والمتمردين الذي يستشعرون خطر الاجتياح الصفوي المجوسي الذي يمارس دور الغازي الهمجي الذي يستبيح كل محرم ، وتحركه الخرافات والأحقاد، ولا يملك أي مشروع انساني أو ديني حضاري لكي يقبل به الآخرون، بل يجبر بسلوكه الوحشي وطائفيته البغيضة وغطرسته الجميع على التصدي السياسي والعسكري له.

وهكذا تتحمل السياسة السعودية وزر الفعلة الإخوانية المدعومة من قطر وتركيا اللتان ربما ضاقتا ذرعا من طريقتها في ادارة الملف السوري … وكذلك تتحمل وزرين أخرين أولهما تغول الصفوي المجوسي، وثانيهما تنامي التطرف والغلو والإرهاب، وما بينهما من معاناة وابادة وتهجير وعذاب تتعرض له شعوب المنطقة، التي لا تحظى حتى بالحد الأدنى من الإغاثة الإنسانية ممن مَنّ  الله عليهم بثروات طبيعية الأولى أن يوضع قسم منها في خدمة المسلمين… ولو استخدم جزء يسير من هذا المال بالطريقة السياسية الصحيحة لأعدنا الاستقرار والسلام للمنطقة ولما احتجنا لدول بعيدة كي ترسل طائراتها لقصف مدننا وقرانا وقتل أبنائنا … فالله سيحاسبنا على ما كسبت أيدينا …. وعلى ما ائتُمنّا عليه أو أوكل لنا أمره ….

لذلك أتقدم بهذا التبيان و النصيحة، و أستغفر الله لي ولكم ، فيا فوز المستغفرين  …

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.